البث المباشر

المقاتل الحسينية -۱۲

الأربعاء 12 يونيو 2019 - 09:32 بتوقيت طهران
المقاتل الحسينية -۱۲

الحياة في تطور، والناس جيلاً بعد جيل في تغيّر، وقضية شهادة الامام الحسين (عليه السّلام) كبقية قضايا العقيدة والتاريخ والسيرة أصبحت مورد البحث والاحتجاج، والتساؤل والاستفهام وأريد لذلك اكثر من بيان وجواب واستدلال ولذا رأى بعض الكتاب المحققين، وهم يسجّلون بأقلامهم وضمائرهم مقتل الامام الحسين (عليه السّلام)، أن يفتحوا نوافذ للبحث العلمي العقائدي، فيثبتوا من خلالها للمشككين أو المتحيرين او المضللين انّ الامام الحسين هو حجة الحقّ، ووصي رسول الله الى الخلق وكان له (صلوات الله عليه) تكاليف إلهية ائتمنها عليه النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من الله تعالى مختوم في لوح سماوي شريف عرف بـ (لوح فاطمة عليها افضل الصلاة والسّلام)، رواه عنها سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) عرضه بين يدي الامام الباقر (عليه السّلام)، وقد روى ذلك: الشيخ الصدوق في كتابه (عيون اخبار الرضا عليه السّلام)، والشيخ الطوسي في (أماليه)، والحافظ البرسي في (مشارق انوار اليقين) بثلاثة اسانيد صحيحة، وقد جاء في اللوح الشريف قوله عزّ وجلّ في حديث قدسي يخاطب الباري فيه الرسول (صلى الله عليه وآله): إنيّ لم ابعث نبياً فأكملت أيامه، وإنقضت نبوته، إلاّ جعلت له وصياً، وإنيّ فضلتك على الانبياء، وفضلت وصيك على الاوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة ابيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة فهو افضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامّة عنده، وحجّتي البالغة معه.
وفي (الكافي للكليني) وبحار الانوار للمجلسي، وعلل الشرائع للصدوق: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) دفع خاتماً الى أمير المؤمنين (عليه السّلام) وأمره ان يفكه بعده ويعمل بما فيه، ففعل، ثم عند شهادته دفعه الى الحسن (عليه السّلام) ففكه وعمل بما فيه، ثم دفعه الى اخيه الحسين (عليه السّلام) ففك خاتماً فوجد فيه أن اخرج بقوم الى الشهادة فلا شهادة لهم إلاّ معك، واشر نفسك لله عزَّ وجلَّّ، ففعل. ثم دفعه الى علي بن الحسين.
اجهد السيد عبد الرزاق المقرّم في كتابه "مقتل الحسين (عليه السّلام) أو حديث كربلاء" في ان يثبت حقانية النهضة الحسينية الشريفة، بل وإلهيّتها، ثم مظلومية امام هدى شهدت له بالفضل آيات كريمة وأحاديث نبوية كريمة فكيف يتصور ان غيره هو الاحق فيبايع؟!
في تاريخ الطبري ج 7- ص 216، والكامل في التاريخ لابن الاثير ج 3 ص 262 انّ الامام الحسين (عليه السّلام) خاطب والي المدينة لما اراد أخذ البيعة منه ليزيد، فقال له: أيها الامير! إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله!
والسيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم رحمه الله جعل ثلث كتابه (مقتل الحسين عليه السّلام) بحوثاً للاجابة على افكار تدور في اذهان بعض الناس، كموضوع: رخصة الحسين (عليه السّلام) لأصحابه بالانصراف، والسجود على التربة الحسينية وقول الشعر في الشهداء وقضية الخروج بالعيال، وتشريع الزيارة الى غير ذلك ممّا يكون مقدمات لبعض المثقفين للدخول الى مشاهد قصة كربلاء.
والتي عرضها السيد المقرّم عرضاً تاريخياً متسلسلاً منسجماً مع الوقائع، ومطعماً بالبيانات العقائدية الظريفة، والتنبيهات العلمية العميقة، والتحقيقات المبرهنة المستدلة.
إنّ ابرز ما يمتاز به (مقتل الامام الحسين عليه السّلام) للسيّد عبد الرزاق المقرّم هو: دقته العلمية كبقية مؤلفاته وآثاره الفاخرة وهي اكثر من اربعين كتاباً- منها: وفاة الصديقة الزهراء، الشهيد مسلم بن عقيل، سرّ الايمان في الشهادة الثالثة، وفاة الامام الرضا، وفاة الامام الجواد، السيّدة سكينة، ذكرى المعصومين، قمر بني هاشم، عليّ الاكبر، يوم الغدير وغيرها.
كذلك يمتاز (مقتل الحسين) بتفصيل الحوادث والوقائع بشكل منظم مرتب دقيق، ومطابق للاماكن التي جرت فيها وهي لا تخلو من التحقيقات التاريخية الرشيقة، في المتن بعضها، وبعضها في الهوامش مع عناوين المصادر.
يضاف الى ذلك حسن الاسلوب وسلاسة العبارات ووضحها، وتلك كانت من ملكات السيّد المقرّم رحمه الله، اذ كان صاحب ذوق رفيع، وقلم أدبيّ بديع. فهو شاعر اديب من جهة، ومحبّ للشعر الذي يقال في اهل البيت (عليهم السّلام) لذا طعّم الحوادث التي أدرجها في (المقتل) بقصائد ومقاطيع شعرية فذة في بابها من ناحية سبكها الادبيّ، ومن ناحية عكسها لظلال الواقع ومجريات الواقعة. فانتخاب السيّد المقرّم للقطع الشعرية كان انتخاباً موفقاً. يخلو من التطويل المملّ، والاقتضاب المخلّ.
ونعود فنقول: إنّ السيّد الموسوي المقرّم مزج في كتابه (حديث كربلاء - او مقتل الحسين) تلك الاخبار - اخبار كربلاء - بالعواطف الرقيقة، والعقائد العميقة. مع انّ الاثارات العاطفية التي كتبها بأسلوبه الادبي الجميل، وانفعالاته الوجدانية الغيورة كانت مطابقة للوقائع والحقائق، فلم تجمع به العواطف لتخرجه عن الموازين العلمية، أو عن الاصول المنطقية، بل كانت عواطفه رزينة عاقلة وهو يمزج التاريخ بالعقائد الحقة وبالمشاعر النبيلة، دون اخلال بالهدف أو الحقيقة.
ومن هنا وحسب المقاييس العلمية نستطيع ان نقول كلمتين:
الاولى: أنّ (مقتل الحسين عليه السّلام) للسيّد المقرّم هو من أفضل ما كتب من المقاتل في عصرنا الحاضر.
والكلمة الثانية: هي انّ السيّد المقرّم رحمه الله يعدّ بكتابه النافع هذا مجدّداً في كتابة المقتل.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة