البث المباشر

المقاتل الحسينية -۱۱

الأربعاء 12 يونيو 2019 - 09:22 بتوقيت طهران
المقاتل الحسينية -۱۱

أعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيّد الشهداء ابي عبدالله الحسين (صلوات الله عليه) الذي ما انفكت شهادته مدوّية في أرجاء العوالم، تعيش في القلوب عبر القرون وما تزال، ولن تزال، والناس يصغون في كلّ مكان وزمان، جيلاً بعد جيل، إلى قصة واقعة كربلاء. بعد إن كان للمقاتل دورها الكبير في حفظ حوادث عاشوراء، ووقائع الطفّ الرهيبة، وكان من تلك المقاتل التي دوّنتها الاقلام الحسينية الغيورة (مقتل الحسين - او حديث كربلاء) للسيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم رحمه الله، فلنتعرّف في هذا اللقاء الطيب معكم الافاضل على المؤلف ثم على المؤلف، بعد هذه الوقفة القصيرة.
السيّد عبد الرزاق المقرّم، يرتفع نسبه الشريف الى الامام موسى الكاظم (عليه السّلام)، ولد في مدينة النجف الاشرف سنة 1316 هجرية 1894 ميلادية، نشأ في بيئة علمية طيبة، فأصبح من أهل الفضل والعلم مستفيداً من الاساتذة العلماء في النجف الاشرف، حتى أصبح له مكانته العلمية الرائقة تُعرف من خلال الاجازات العلمية التي تلقاها عن أكابر العلماء، ومن خلال المؤلفات الفاخرة التي خطها يراعه النيّر بأسلوبه الادبي الرصين الواضح.
وكان من أهمها كتابه (مقتل الامام الحسين - أو: حديث كربلاء) الذي حقق السيد المقرّم (رضوان الله عليه) من خلاله مصداقاً حياً من مصاديق: أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيى أمرنا.
وكان من خصائص هذا المقتل الشريف أن السيّد المقرّم قد روى حوادث شهادة الامام الحسين بطابع حزين مثير للعواطف، مستفزّ لكوامن النفوس ودفائن الخواطر، مما جعل القلوب تلتاع بالأسي، وتكتئب للصور العجيبة في مشاهد القتل، ثمّ لم يخل هذا المقتل المقدّس من هوامش تحتوي على: بحوث فقهية، ولغوية وأدبية، وتحقيقات علمية.
منها على سبيل المثال: شرعية الاقدام على الشهادة، بحث هذا الموضوع بأدلة فقهية عقائدية رصينة. ثم طرق موضوع (آيةالتَّهْلُكَةِ) وهي قوله تبارك وتعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (سورة البقرة، 195) تناولها في بحث تفسيري استدلالي روائي رائع خرج به الى نتائج عقائدية رفيعة المستوى من خلال اثنتي عشر صفحة تقريباً، عاضداً بحثه بتأييد علماء المسلمين عامة، وعلماء السنة خاصة، أنّ الامام الحسين (عليه السّلام) خرج بأمر الله تبارك وتعالى، وكانت كل خطواته المباركة مشفوعة بالادلة الشرعية التي هو اعلم بها من غيره، فهو ربيب بيت الوحي والرسالة، وهو سليل المصطفى محمد سيد المرسلين، والمرتضى عليّ سيد الوصيين، والزهراء فاطمة سيدة نساء العالمين. ثم هو سيد شباب اهل الجنة (صلوات الله عليه وعلى آله) والسيّد المقرم في مقتله يأتي بين الآونة والاخرى بالادلة القائلة بشرعية النهضة الحسينية، ومنها هذه الرواية التي ينقلها في (المقتل) لما بلغ حديثه حول منزل الثعلبية في طريقه الى كربلاء، إذ اجتمع بالامام الحسين رجل، فكان بينهما حديث، كان أن قال فيه الحسين (سلام الله عليه) للرجل وكان من اهل الكوفة: يا أخا اهل الكوفة أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا، ونزوله على جدي بالوحي، يا أخا اهل الكوفة مستقى العلم من عندنا، أفَعَلِمُوا وجَهِلنا؟! هذا ما لا يكون.
ولم يكتف السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم أن يدلي أدلة شرعية الجهاد الحسيني والشهادة الحسينية، حتى استدل أنّ من واجه الامام الحسين وجاهده وقاتله هو الذي كان على موقف غير شرعي ولا انساني. سواء اولئك الذين قاتلوه في طفّ كربلاء، أو شجعوا على قتاله وقتله، او أمروا بذلك وتشفَّوا بقتله، وجاء من خلال استعراضه للوقائع بأدلة قاطعة بكفر أولئك. من ذلك ما كتبه السيد المقرّم تحت عنوان (في الشام):
وكان يزيداً جالساً في منظرة على جيرون، ولما رأى السبايا والرؤوس على اطراف الرماح، وقد أشرفوا على جيرون، نعب غراب، فأنشأ يزيد يقول:

لمّا بدت تلك الحمول، وأشرقت

تلك الرؤوس .. على شفا جيرون

نعب الغراب .. فقلت صح او لا تصح

فلقد قضيت من الرسول ديوني

أضاف السيد المقرّم بعد هذا هذه التعليقة: ومن هنا حكم: ابن الجوزي، والقاضي ابو يعلى الموصليّ، والتفتازانيّ، والجلال السيوطيّ. بكفر يزيد ولعنه.
وما اكتفى السيد المقرّم بهذا، وهو يورد اسماء علماء السنة المشهورين القائلين بكفر يزيد، حتى وضع هامشاً يكتب فيه المصدر الذي اعتمد عليه، فيكتب: روح المعاني للآلوسي ج 26 ص 73 في ظلّ آية هَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ؟! (سورة محمد، آية 22).
قال الآلوسي أراد يزيد بقوله: فقد اقتضيت من الرسول ديوني! أنّه قتل بمن قتله رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر: كجدّه عتبة، وخاله، وغيرهما.
ثم قال الآلوسي وهو من علماء السنة ومفسريهم: وهذا من يزيد كفر صريح، ومثله تمثله بقول عبدالله الزّبعرى:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً

ثم قالوا: يا يزيد لا تُشل

قد قتلنا القوم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خِندَف إن لم انتقم

من بني احمد ما كان فعل

وفي جلّ فصوله وجدنا السيد الموسوي المقرّم (رضوان الله عليه) ذا قلم شجاع. في العقيدة والموقف، في التوليّ والتبريّ، وفي البحوث والاستدلال العلمي.
فيفتح لنا باباً في مقدمات كتابه (حديث كربلاء او مقتل الحسين) بعنوان: علم الحسين بالشهادة، يطعّمه بالادلة الروائية والعقيدية ثم يفتح باباً آخر بعده وعنوانه: الحسين فاتح. يثبت ايضاً كما في جلّ بحوثه ان الحسين (سلام الله عليه) كان وما يزال هو المنتصر في واقعة عاشوراء. انتصر بالحقّ، ونصرة الدين، ونوال مرضاة الله تعالى، وبلوغ الشهادة الارقى، وإعلاء كلمة الله جلّ وعلا، وإخزاء الادعياء، وزلزلة عروش الظالمين دهراً بعد دهر بدمائه القدسية الزاكية.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة