السلام على بضعة خاتم النبيين وسيد المرسلين، السلام عليك با نبعة المبعوث بالرسالة، ومنقذ العباد من الجهالة، وحيرة الضلالة.
السلام على ابنة سيد الاوصياء وركن الاولياء، وعماد الاصفياء، امير المؤمنين، السلام عليك يا بنت حيدر الكرار، وخليفة المختار، وقسيم الجنة والنار، السلام عليكِ با مهجة قلب البتول، وقرة عين الرسول، يا حبيبة خير خلق الله، وربيبة وحي الله، وشقيقة السبطين، الحسن والحسين وعمة الائمة الميامين، من آل طه وياسين.
سلام على من تظافرت عليها المصائب والكروب، وذاقت من النوائب ما تذوب منها القلوب، سلام على من تجرعت غصص الآلام والمآسي، وما لا تقوى على احتمالها الجبال الرواسي، فاصبحت للبلايا قبلتها، وللرزايا كعبتها.
السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج ومع الدمعة الزينبية زينب ما اعظمها من امرأة قد انهالت عليها مصائب الدهر. فكان منها الصبر على البلاء والرضى بقضاء الله تعالى، والنهوض بما امر اله جل وعلا، وخلال ذلك كان منها عواطف مقدسة فاضت بجنان الاخت المخلصة على اخوتها، والام العطوف على ابنائها، والمرأة الصاحلة على دينها ورسالتها، لقد شاهدت اخوتها وبني اخوانها وبني عمومتها، وشيعة اخيها الحسين شاهدتهم يبارزون، فيستشهد الواحد تلو الاخر ثم رأت اخاها وحيداً فريداً لا ناصر له ولا معين، وقد احاط به الاعداء من كل صوب وجانب، وبعد ساعة اذا بالجسد الشريف مضرج على الارض، والرأس محمول على الرمح دامي الوجه خضيب الشيب، يا ويلاه، هذا الحسين سيد شباب اهل الجنة، سبط الرسول وقرة عين البتول، هذا ابن امير المؤمنين وقد عدت خيول اللؤماء تسحق جناجنه وصدره المقدس بحوافرها وسنابكها، ومنادي المرتدين ينادي في القوم، احرقوا بيوت الظالمين! وكان حرق خيام النساء، ففرن في البيداء وهن ارامل حائرات، وبينهن اطفال يتامى مذعورين لا يعرفون الى اين ييممون وجوههم والارض بيداء، والخيول تجول والغبرة تعصف والحرائق تتعالى.
فأية فجائع تلك واية نكبات ومصائب هل تبقي دموعاً في مآقي زينب واخوات زينب؟!
هل شهد التأريخ الانسان مواقف لنساء تحملن بعض ما تحملته زينب عليها السلام، وكان لهن من رباطة الجأس في حفظ الدين الحق في مسيرة السبي؟
*******
الاجابة نستمع لها معاً من ضيف ا لبرنامج سماحة الشيخ الكوراني في الاتصال الهاتفي التالي.
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم احبائنا، رزقنا الله واياكم اعمق مراتب المعرفة الممكنة بثورة الحسين عليه السلام وبنهضته المباركة، هذه فقرة من برنامج الدمعة الساكبة نستضيف فيها سماحة الشيخ علي الكوراني، سماحة الشيخ سلام عليكم.
الشيخ علي الكوراني: وعليكم السلام ورحمة الله.
المحاور: سماحة الشيخ في حلقة سابقة اشرتم اشارة عابرة الى قضية التربية الخاصة في مدرسة اهل البيت عليهم السلام، سؤالنا يرتبط بهذا الموضوع، هناك ظاهرة ان نساء الحسين وعيال الحسين في السبي والتعامل مع قضية كربلاء كانت فيهم ظاهرة عنفوان البكاء من جهة بسبب عظم هذه المصائب وايضاً تجلي الرضا بقدر الله تبارك وتعالى والصبر على هذه المصائب بل ورؤيتها من جميل الصنع الالهي، كيف تفسرون هذه الظاهرة؟
الشيخ علي الكوراني: بسم الله الرحمن الرحيم، رحمة الله على السيد الحميري، قرأت عنه انه كان لما يذهب الى بيت الامام الصادق عليه السلام ويرى اطفال اهل البيت عليهم السلام يقول اطفال اهل البيت انبياء صغار، هذا يدل على الاعجاب بالتربية، طبعاً نحن لانرى العصمة لغير المعصومين عليهم السلام وابناء اهل البيت وبناتهم منهم العظماء جداً مثل ابي الفضل العباس وزينب رضوان الله عليهم، وفيهم دون ذلك لكن كلامي عن المميزين منهم، نلاحظ ان هناك من نمط التربية وعلى حسب قابلية الشخص، مثلاً الامام موسى بن جعفر عليه السلام عنده من البنات كثير لكن فاطمة بنت موسى بن جعفر هذه من دونهم شبيه لأمها الزهراء سلام الله عليها، تفرق عن بقية بناته، تربية الائمة لابنائهم تربية واحدة للكل الذي لديه قابلية منهم هؤلاء عاشوا وعايشوا، اذن عندما نجد نمط علي الاكبر، نمط ابي الفضل العباس، نمط زينب، نمط اولاد الائمة عليهم السلام من العظماء كثيرون، هذه تدلنا على نمط تربية اهل البيت عليهم السلام، الصحيفة السجادية هي تربية، احاديث اهل البيت هي تربية، سلوكهم هو تربية، نمطهم التربوي هو النبي صلى الله عليه وآله، هذه الاقدار موقفهم من الاقدارنمطهم غير نمطنا،انا ارى نحن نريد ان الاقدار تتفصل بالسكين كما نريد، ونتصور اننا نستطيع ان نربي اولادنا كما نريد، الموضوع اعمق من هذا، الاقدار بالمفهوم الاسلامي منها اقدار من صنع الله عزوجل منها اقدار من صنع الانسان نفسه منها اقدار من صنع الناس، الانسان مسؤول عن الاقدار التي هي من صنعه، ومسؤوليته في الحدود التي كلفه الله بها بنحو جزئي جداً من الاقدار التي يصنعها الناس، الانسان المؤمن يعيش في كون له رب يديره ويديره دائماً الى الاحسن، والدنيا جميلة والاخرة جميلة، وانا مسؤول عن القدر الذي اصنعه ونظرتي بالنسبة للاقدار الاخرى كلها جميل وعندي الشروط التي جعلها الله علي.
*******
ونرجع الى ما شاهدته زينب سلام الله عليها، يوم عاشوراء فذاك اخوها وكفيلها وحامل لواء كربلاء ابو الفضل العباس صلوات الله عليه يهم بجلب الماء للاطفال والعيال، فيحاط به عند المشرعة ولم يذق منها قطرة فجعل الاعداء يضربونه بالسيوف وهم مئات ويطعنونه بالرماح والخناجر، حتى قطعوه ارباً ارباً، ومزقوا صدره الشريف بالسهام.
فمشى لمصرعه الحسين وطرفه
بين الخيام وبينه متقسم
فرآه محجوب الجمال كأنه
بدر بمنحطم الوشيج ملثم
فانكب منحنياً عليه ودمعه
صبغ البسيط كأنما هو عندم
عندما رآه صريعاً فصاح: وا أخاه واعباساه، واقرة عيناه، واقلة ناصراه، ثم بكى عليه بكاء شديداً وقال الان انكسر ظهري وانقطع رجائي وقلت حيلتي.
اخي يا نور عيني يا شقيقي
فلي قد كنتت كالركن الوثيق
ايا ابن ابي نصحت اخاك حتى
سقاك الله كأساً من رحيق
أيا قمراً منيراً كنت عوني
على كل النوائب في المضيق
وفي بعض المقاتل بكى عليه الحسين سلام الله عليهما حتى اغمي عليه ثم قام لما افاق قليلاً لنيهض للمصيبة الاخرى، تلك هي اخبار النساء المفجوعات بما وقع فرجع الحسين الى المخيم منكسراً حزيناً باكياً يكفكف دموعه بكمه فأتته سكينة ابنته تسأله عن عمها، فاخبرها وسمعته زينب العقيلة فصاحت وا أخاه واعباساه واضيعتنا بعدك، وبكين النسوة وبكى الحسين.
وكم من مشهد يجب ان تراه وتعيشه العقيلة زينب صلوات الله عليها؟ وكم ينبغي ان تفقد في ساعة واحدة من احبتها اهل بيتها؟! فذاك علي الاكبر وذاك القاسم ابن الحسن المجتبى وذاك على نهر العلقمي اخوها ابو الفضل، وذاك وذاك ثم بعد هذه الفجائع يقبل اخوها الحسين بولده الرضيع، يحتضنه الى صدره المبارك فتراه مذبوحاً من الوريد الى الوريد ودمه يسيل على ثياب ابيه، وقد نادى عليها وعلى النساء هلممن وخذن الطفل، فقد ارتوى من الكوثر، فخرجن راكضات نادبات، مذهولات تلقينه، ودخلن الخيمة في بكاء وعويل، والحسين في زاوية من الخيمة يبكي وأم الطفل مدهوشة.
لهفي على ام الرضيع وقد دجى
عليها الدجى والروح نادت حمائمه
تسلل في الظلماء ترتاد طفلها
وقد نجمت بين الضحايا علائمه
فمذ لاح سهم النحر ودت لو انها
تشاطره سهم الردى وتساهمه
اقلته بالكفين ترشف ثغره
وتلثم نحراً قبلها السهم الآثمة
بني افق من سكرة الموت وارتضع
رويداً لعل القلب يهدأ هائمه
بني لقد كنت الانيس لوحشتي
وسلواي اذ يسطو من الهم غاشمه
*******