السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته، أطيب تحية نحييكم بها في مطلع سابعة حلقات هذا البرنامج، فأهلاً بكم.
محور هذه الحلقة هو تأكيد الإحتجاجات الحسينية على تعريف الأمة المحمدية بالحقيقة الجاهلية لطواغيت بني أمية وسعيهم لهدم الإسلام الحق بالممارسات النفاقية؛ فيما شكل الإستناد الى القرآن الكريم عماد هذه الإحتجاجات النورانية.
يشاركنا في لقاء اليوم سماحة الشيخ عبدالله صالح، فشكراً له سلفاً وشكراً لكم على طيب المتابعة.
نتبرك أولاً بالفقرات التالية من الزيارة الجامعة المشتملة على محور لقاء اليوم فنقول مخاطبين أهل بيت النبوة المحمدية قائلين:
"من والاكم فقد والى الله، ومن عاداكم فقد عادى الله، من أحبكم فقد أحب الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله... سعد من والاكم، وهلك من عاداكم، وخاب من جحدكم، وضل من فارقكم، وفاز من تمسك بكم".
إخوتنا الأعزة الأكارم.. لم يكتف معاوية بما أبداه من حقد وبما قام به من جرائم في حق النبي وآله صلوات الله عليه وعليهم، ومع محبيهم ومواليهم، بل جند أصحاب العقد الجاهلية وسخرهم في محاربة البيت النبوي في أشخاص خلفاء الرسول وأوصيائه، والتجاسر على حرماته، ولم يكن لأحد جرأة على ذلك لو لا معاوية وأمثاله، حيث لم يكتفوا بغصب الخلافة المحمدية – الإلهية حتى أصبحوا يتطالون ويفتخرون على آل البيت سلام الله عليهم ويحاججوهم بالفضائل، وذلك من هوان الدنيا على الله تبارك وتعالى.. مثال ذلك أيها الإخوة الأحبة – ما رواه القاضي النعمان البصري في كتابه (المناقب .. والمثال) أن رجلاً كان يرفع صوته في مسجد النبي صلى الله عليه وآله ليسمع الإمام الحسين صلوات الله عليه، فيقول: إنا شاركنا آل أبي طالب في النبوة، حتى نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب.. والنسب، ونلنا من الخلافة ما لم ينالوا، فبم يفخرون علينا؟! وكرر ذلك القول ثلاثاً.
وهنا أقبل الإمام الحسين عليه السلام ليقول له يحاجه ويردعه:
"إني كففت عن جوابك في قولك الأول حلماً، وفي الثاني عفواً، وأما في الثالث فإني مجيبك، إني سمعت أبي يقول: إن في الوحي الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله: إذا قامت القيامة الكبرى حشر الله بني أمية في صور الذر، يطأهم الناس حتى يفرغ من الحساب، ثم يؤتى بهم فيحاسبوا ويصار بهم الى النار!". فلم يطق الأموي جواباً، وانصرف.
أجل.. هؤلاء هم بنو أمية الذين روى فيهم المتقي الهندي في كتابه (كنز العمال) أن عمر بن الخطاب قال في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ{۲۸} جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ{۲۹}" (سورة إبراهيم ۲۸-۲۹ )
هما الأفجران من قريش: بنو المغيرة، وبنو أمية، قال الهندي المتقي: أخرجه ابن جرير الطبري، وابن المنذر وابن مردويه، وكذلك الزمخشري في تفسيره (الكشاف)، والبخاري في (التاريخ الكبير)، والسيوطي الشافعي في (الدر المنثور).
ومع هذا فقد ولوهم، وسلطوهم، وأطلقوا أيديهم؛ ليطلقوا ألسنتهم تطاولاً على آل الله.
وكما لاحظتم مستمعينا الأحبة فإن إحتجاج الامام الحسين صلوات الله عليه إستند الى القرآن الكريم وهذا الاستناد سنجد نماذج اخرى له في رواية هذا اللقاء ولكن بعد أن نستمع لما يقوله ضيفنا الكريم سماحة الشيخ عبد الله صالح الباحث الاسلامي من ايران بشأن محورية الاستناد للآيات الكريمة في عموم الاحتجاجات الحسينية وآثار ذلك. نستمع معاً.
صالح: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب الحسين الشهيد العطشان.
حقيقة لانجد أساساً فرقاً بين أقوال وافعال أهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم والقرآن لأن المنبع الأساس هو القرآن لذلك كل مايفعلون ويقولون لايختلف عن القرآن الكريم. وقد قالت السيد عائشة عندما سئلت عن رسول الله صلى الله عليه وآله قالت كان خلقه القرآن. حديث الثقلين المشهور لدى المسلمين جميعاً والثابت لدى المسلمين جميعاً يقول "إني تارك فيكم الثقلان كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً" أي أن كلام اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم لايختلفان ولايفترقان في شيء. ثم يكمل هذا الحديث للتأكيد على هذه المسألة المحورية فيقول "وقد انبئني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض" وهذه اللن للتأبيد ولإثبات أن مايقولونه وما يفعلونه هو عين القرآن ولايختلف عنه شيئاً. أساس العقيدة الاسلامية ودستورها الرئيس هو القرآن الكريم بل أكثر من ذلك أن القرآن الكريم عندما لايجد الانسان المكلف او لايفهم أحكامه منه فإن الله سبحانه وتعالى يرجعه الى النبي والى اهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم فيقول "ولو ردوه الى الرسول والى أولي العلم لعلمه الذين يستنبطونه". نعم الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه إنطلق في ثورته من كتاب الله عزوجل ودفاعاً عن دين الله سبحانه وتعالى وإحقاقاً للحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك لايوجد أي اختلاف ولاأي إفتراق بين القرآن وبين مايقوله ويفعله الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه. وهو الذي أطر هذا التحرك منذ البداية بالقرآن الكريم "إنما أريد الاصلاح" وإحتجاجه بالقرآن الكريم لأن الفترة التي فصلت بين وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وبين قيام الامام الحسين عليه السلام ضد يزيد بن معاوية كانت فترة فيها الكثير من اللغط وبعيدة بعض الشيء عن فترة الوحي لذلك إختلط على الناس هذا الحديث الشريف وأن كلام اهل البيت سلام الله عليهم هو عين القرآن وهو نفس القرآن فعندما يحتج الامام الحسين عليه السلام بالقرآن هو لتذكيرهم أنني لست مختلفاً عما في كتاب الله سبحانه وتعالى.
نشكر سماحة الشيخ عبد الله صالح على هذه التوضيحات ونتابع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم حلقة اليوم من برنامج الاحتجاجات الحسينية وموضوعها هو مواجهة الامام سيد الشهداء صلوات الله عليه للممارسات النفاقية لطواغيت بني امية التي سعوا بها لهدم الاسلام.
وبنو مروان – أيها الإخوة الأكارم – هم الآخرون تجرؤوا على أهل البيت، وقد رأوا معاوية يحاجج أميرالمؤمنين علياً عليه السلام على باطله، بل ويحاربه بسيوف الشام، ثم يحاجج الحسن المجتبى والسبط الحسين ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله ويكيد لهما، فلما خابت مساعيه الظالمة الحاقدة، تقدم أزلامه يتقيؤون سمومهم الجاهلية، قبال الإمام أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه، وكان من اولئك مروان بن الحكم.. وقد وقف يفاخر ويحاجج! يروي الطبرسي في (الإحتجاج) عن محمد بن السايب أنه قال:
قال مروان بن الحكم يوماً للحسين بن علي عليه السلام: لو لا فخركم بفاطمة، بم كنتم تفتخرون علينا؟! أراد مروان بذلك – أيها الإخوة – أن يجرد أهل البيت عن جميع الفضائل، وأن يتناكر جميع مناقب الإمام علي عليه السلام، ويقتصر على الحسن والحسين عليهما السلام أنهما أبناء فاطمة بنت رسول الله فحسب، فمثل هذا الخبيث، وقبال هذا الخبث، كان لابد من جواب حازم خاص: عملي و قولي، وبيان لحقائق مهمة للأسرتين. قال ابن السايب: فوثب الحسين عليه السلام، وكان شديد القبضة، فقبض على حلق مروان فعصره، ولوى عمامته على عنقه حتى غشي على مروان، وبذلك أذله وبيّن له وللحاضرين خوره وجبنه، ثم تركه وأقبل الحسين بغيرته الهاشمية على جماعة من قريش وقد توجهوا له وأنصتوا، فقال لهم:
"أنشدكم بالله إلا صدقتموني إن صدقت، أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحب الى رسول الله صلى الله عليه وآله مني ومن أخي؟ أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟!"، قالوا: اللهم لا.
فعاد سلام الله عليه يعرف ذلك المتجاسر للحاضرين، فقال:
"وإني لا أعلم ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه، طريدي رسول الله.. والله ما بين (جابرس وجابلق) أحدهما بباب المشرق، والآخر بباب المغرب، رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!".
قال ابن السايب: فوالله ما قام مروان من مجلسه حتى غضب، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه!
أجل.. إخوتنا الأعزة الأحبة، قد يتساءل متسائل: لماذا الغضب؟ وقج يجاب: ربما عبر الغضب عن الغيرة على حرمات الله عزوجل، وقد يتساءل آخر: لماذا لا يكتفي ببيان الحق وفضل المظلوم وبراءته من التهم؟
والجواب: أن إنكار المنكر ربما يحتاج الى ردع المتجاوزين المتمادين المتطاولين على مقامات الأنبياء والأولياء.. ومروان، هذا المثال المعادي، طالما تجاسر على أهل البيت وهو يقصد صاحب البيت، رسول الله صلى الله عليه وآله لحقد جاهلي في نفسه قديم.. كتب الهيثمي الشافعي في (مجمع الزوائد)، والطبراني الشافعي في (المعجم الكبير) أن مروان بن الحكم شاتم الحسن والحسين، فلما أن هم الحسين برده، جعل الحسن المجتبى يكفه عنه، فلم يكتف مروان يتجاسره حتى قال كلمته الكافرة: أهل بيت ملعونون. وهنا غضب الإمام الحسن عليه السلام وقال له:
"أقلت أهل بيت ملعونون؟! فوالله لقد لعنك الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وأنت في صلب أبيك! ".
هذه الحقيقة لابد أن تظهر، وأهل البيت يرون مروان ينصر معاوية على انحرافه، ويتحين الفرصة للوثوب على السلطة، وقد تسنى له ذلك بعد أن خلع معاوية بن يزيد نفسه عن الحكم، فلابد أن يعرف مروان قبل ذلك، فيوم قال للإمام الحسن المجتبى عليه السلام في مجلس معاوية: والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سباً تتغنى به الإماء والعبيد! أجابه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بهذه الكلمات المعرفة:
"أما أنت يا مروان! فلست سببتك ولا سببت أباك، ولكن الله عزوجل لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك، وما خرج من صلب أبيك الى يوم القيامة، على لسان نبيه محمد. والله يال مروان! ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله – يا مروان – بما خوفك إلا طغياناً كبيراً، وصدق الله وصدق رسوله، يقول الله تبارك وتعالى "وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً" (سورة الإسراء:٦۰ ).
وأنت – يا مروان – وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل، عن الله عزوجل".
وهنا أحرج معاوية، فقد أخذت الحقائق – أيها الإخوة – تزحف إليه، فأحس بالخطر، فمد يده الآثمة الى الفم المقدس للإمام الحسن المجتبى ليقول مدعياً ومحرفاً للكلم: يا أبا محمد، ما كنت فحاشاً.. فنفض الإمام الحسن عليه السلام ثوبه فخرج.. قال الرواة، وهم: الشعبي وأبو مخنف وابن أبي حبيب المصري: فتفرق القوم عن المجلس بغيظ وحزن، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة!
ويتضح مما تقدم – أيها الإخوة والأخوات – أن السبط المحمدي الشهيد – صلوات الله عليه – قد أطلق في إحتجاجاته الصرخة القرآنية التي حذرت أجيال المسلمين من الشجرة الملعونة في كتاب الله عزوجل، وخلد البيان المحمدي لهوية هذه الشجرة متمثلة بطواغيت بني أمية وحركتهم النفاقية في أي صورة ظهروا الى يوم القيامة.
وبهذا نصل أيها الأطائب الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (الإحتجاجات الحسينية) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.