السلام عليكم إخوة الإيمان والمودة لصفوة الله المنتجبين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
معكم في ثالث حلقات هذا البرنامج نستضيف في إحدى فقراتها سماحة الشيخ صادق النابلسي مدير حوزة الامام الصادق في بيروت
لكي يحدثنا عن أبرز تجليات روح الغيرة على المؤمنين في احتجاجات سيد الشهداء وملحمته المقدسة صلوات الله عليه؛ فهذا هو المحور الرئيس لفقرات لقاء اليوم وأولاها فقرات من نص زيارة الإمام الحسين – عليه السلام – المعروفة بزيارة الناحية المقدسة الصادرة عن الإمام المهدي – عجل الله فرجه – وفيها إشارات بليغة الى تجليات تلك الغيرة الحسينية السامية..
لنزور معاً سيد الشهداء بهذه العبارات النورانية التي يزوره بها مولانا إمام العصر – أرواحنا فداه – وهو يقول:
"أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ أقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ ، وَأَمَرْتَ بِالمَعرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ والعُدْوَانِ ، وأطَعْتَ اللهَ وَمَا عَصَيْتَهُ ، وتَمَسَّكْتَ بِهِ وَبِحَبلِهِ ، فأرضَيتَهُ وَخَشيْتَهُ ، وَرَاقبتَهُ واسْتَجَبْتَهُ ، وَسَنَنْتَ السُّنَنَ ، وأطفَأْتَ الفِتَنَ .
وَدَعَوْتَ إلَى الرَّشَادِ ، وَأوْضَحْتَ سُبُل السَّدَادِ ، وجَاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ الجِّهَادِ ، وكُنْتَ لله طَائِعاً ، وَلِجَدِّك مُحمَّدٍ ( صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِه ) تَابِعاً ، وَلِقُولِ أبِيكَ سَامِعاً ، وَإِلَى وَصِيَّةِ أخيكَ مُسَارِعاً ، وَلِعِمَادِ الدِّينِ رَافِعاً ، وَللطُّغْيَانِ قَامِعاً ، وَللطُّغَاةِ مُقَارِعاً ، وللأمَّة نَاصِحاً ، وفِي غَمَرَاتِ المَوتِ سَابِحاً ، ولِلفُسَّاقِ مُكَافِحاً ، وبِحُجَجِ اللهِ قَائِماً ، وللإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ رَاحِماً ، وَلِلحَقِّ نَاصِراً ، وَعِنْدَ البَلاءِ صَابِراً ، وَلِلدِّينِ كَالِئاً ، وَعَنْ حَوزَتِه مُرامِياً... كُنْتَ رَبيعَ الأيْتَامِ، وَعِصْمَةَ الأنَامِ، وَعِزَّ الإِسْلامِ، وَمَعْدِنَ الأَحْكَامِ، وَحَلِيفَ الإِنْعَامِ.. وَفِيَّ الذِّمَمِ ، رَضِيَّ الشِّيَمِ ، ظَاهِرَ الكَرَمِ ، مُتَهَجِّداً فِي الظُّلَمِ ، قَويمَ الطَّرَائِقِ ، كَرِيمَ الخَلائِقِ ، عَظِيمَ السَّوابِقِ ، شَرِيفَ النَّسَبِ ، مُنِيفَ الحَسَبِ ، رَفِيعَ الرُّتَبِ ، كَثيرَ المَنَاقِبِ.. جَزيلَ المَوَاهِبِ.. كُنْتَ للرَّسُولِ ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ) وَلَداً ، وَللقُرآنِ سَنَداً ، وَلِلأمَّةِ عَضُداً ، وفي الطَّاعَةِ مُجتَهِداً ، حَافِظاً للعَهدِ والمِيثَاقِ ، نَاكِباً عَن سُبُل الفُسَّاقِ ، وبَاذلاً للمَجْهُودِ.. (صلوات الله وسلامه عليك.. يا أبا عبدالله) ".
إخوتنا المؤمنين الموالين.. قال تعالى في محكم تنزيله المجيد: " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً" (سورة المائدة:۳۲)
قال الإمام الباقر عليه السلام في ظل هذه الآية الشريفة في جزاء ذلك القاتل: "له في النار مقعد، لو قتل الناس جميعاً لم ترد إلّا الى ذلك المقعد!".
وقال جل وعلا: " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" (سورة سورة النساء:۹۳)
جاء عن الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه في ذلك هذا البيان المبارك: (إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له).. كذلك ورد عنه عليه السلام قوله: (لا يوفق قاتل المؤمن متعمداً التوبة).. وفي تفسير القمي ورد في ظل الآية الكريمة أن من قتل مؤمناً على دينه لم تقبل توبته، ومن قتل نبياً أو وصي نبي فلا توبة له؛ لأنه لا يكون مثله فيقاد به.
ثم نأتي الى المؤرخين – أيها الإخوة الأكارم – فنجد عدداً وفيراً منهم يذكرون أن معاوية بن أبي سفيان هو أول من دس السم لقتل الإمام الحسن المجتبى ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله.. ذكر ذلك على سبيل المثال: أبو الفرج الأصبهاني في (مقاتل الطالبيين)، وابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة)، وسبط ابن الجوزي الحنفي في (تذكرة خواص الأمة)، وابن عبد البر في (الإستيعاب)، وابن عساكر الدمشقي في (تاريخ مدينة دمشق)، والحاكم النيسابوري الشافعي في (المستدرك على الصحيحين)، وابن الأثير في (أسد الغابة).. وعشرات المصادر الأخرى.
كذلك – أيها الإخوة الأفاضل – ذكر المؤرخ المسعودي في مؤلفه المعروف بـ (مروج الذهب) أن معاوية هو أول من سفك دماء الصحابة الأبرار، و التابعين الأخيار، منهم: عمار بن ياسر، وهاشم المرقال، وحذيفة بن اليمان، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق، وأويس القرني، ومالك الأشتر، ومحمد بن أبي بكر بن أبي قحافة.. وكان إذا دس السم مخلوطاً بالعسل ثم جاءه خبر شهادة ذلك المؤمن، انتشى وشمت وهزّ عطفيه وأنشد جذلاً: إن لله جنوداً من عسل!
كذلك كان من أولياته ما كتبه أبو هلال العسكري في مؤلفه (الأوائل) أن قال بأن معاوية هو أول من رفع رأس مسلم على رمح – كما فعل برأس عمرو بن الحمق رضوان الله عليه – حيث قتله ثم مثل به.. ذكر ذلك أيضاً: ابن أبي عاصم النبيل في كتابه (الأوائل)، والجراعي الحنبلي في (الأوائل) أيضاً، وكذلك: البغدادي في المحبر، والطبراني في (الأوائل)، وابن سعد في (الطبقات الكبرى)، وابن الأثير في (أسد الغابة)، والبخاري في (التاريخ الصغير)،.. وغيرهم كثير!
مستمعينا الأكارم قبل أن نقرأ نماذج من إحتجاجات سيد الشهداء عليه السلام على الطاغية الأموي ننقل ميكرفون برنامجكم الاحتجاجات الحسينية الى ضيف هذه الحلقة سماحة الشيخ صادق النابلسي لنستمع الى توضيحاته بشأن تجليات روح الغيرة على المؤمنين في الملحمة الحسينية. نستمع الى سماحة الشيخ صادق النابلسي مدير حوزة الامام الصادق عليه السلام من بيروت.
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. في الواقع أن سيد الشهداء لايحدد ولايعرف بخصوص حادثة كربلاء فحادثة كربلاء واحدة من آلاف ظهوراته وإنعكاساته وواقعة كربلاء مع جميع أبعادها الواسعة وعظمتها ومستوياتها الكامنة فيها والتي لايرقى اليها الخيال والتصور إلا أنها بالنسبة لمنصب الامامة والولاية هي شيء محدد لذلك عندما ننظر الى سيرة الامام الحسين سلام الله تعالى عليه يجب أن نتأمل ونشاهد هذه الحياة في كل أطوارها من زمن طفولته وفي مرحلة الشباب والفتوة والمرحلة التي كان فيها مع أخيه الأكبر حضرت الامام الحسن عليه السلام في المدينة وغيرها من الأمور خصوصاً اذا رجعنا الى ماحدث في حادثة كربلاء من غيرة وحب وتعلق بأهل بيته وأصحابه الذين كان لهم الأمل الكبير في إيصال هذه الحقيقة الكاملة الى كل البشرية. في الواقع عندما ننظر الى شهامة الامام الحسين والى غيرته والى تضحياته والى عطاءاته التي لايمكن أن تحد نشعر كم أن هذا الشخص عظيم وكم أن هذا الشخص نموذجاً في الحياة ونموذجاً في كل سكناته وحركاته لذلك عندما نتحدث عن الامام الحسين نتحدث عن شمس الولاية، نتحدث عن نفوس وقلوب العباد ولابد لهذا الانسان الذي عرف الله حق معرفته أن تتجلى فيه مثل هذه المظاهر العظيمة من غيرة شديدة على المظلومين والمضطهدين ومن غيرة شديدة على المستضعفين. في الواقع الامام الحسين لم تكن غيرته محصورة في زمان معين او في مكان معين او لأشخاص معينين وإنما كانت غيرته على الدين، على الناس، على الانسانية وعلى كل ماحل بالمسلمين في ذلك الوقت وما يحل بالمسلمين في الأوقات المتقدمة. لذلك لايوجد للإمام الحسين سمي، الحسين بن علي في الروايات شخصية فريدة من نوعها لذلك قام بتضحيات كبيرة تسجل له في هذا التاريخ وتسجل له بإعتبارها أساساً من أساسات الايمان والتضحية العظيمة لذلك عندما نعود الى تفاصيل حياته والى هذا العشق المتدفق والى هذا العطاء اللامحدود إنما نشعر أننا يجب أن نتبع هذا الامام فسلام عليه ثم سلام عليه ثم سلام عليه.
جزيل الشكر لسماحة السيد صادق النابلسي مدير حوزة الامام الصادق من بيروت على هذه التوضيحات ولكم أيها الأكارم لطيب الاستماع لبرنامجكم الاحتجاجات الحسينية نتابع تقديمها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
ونواصل الحديث عن موقف سيد الشهداء من تمادي معاوية بعد تسلمه الحكم في قتل المؤمنين إذ كانت أخبار شهادة الصحاب الكرام الى الإمام الحسين صلوات الله عليه، فيتألم لما يجري على المؤمنين من ظلم الطاغية، طاغية الشام، فيتحيّن الفرصة الأنسب ليحتج عليه في ذلك، فيلزمه من الله العذاب الأكبر، وينبه الأمة الى هذا الظالم عسى أن يرفضوه، بل يعزلوه ويحاربوه، وينتقموا منه لما أسرف من دماء المسلمين، أراقها في صفين وغير صفين، وفي غارات عديدة خرج فيها على الإمام العادل أميرالمؤمنين علي عليه السلام، فقتل فيها أكثر من مئة ألف مسلم، كما ذكر المسعودي في كتابه (مروج الذهب).
وكان معاوية – أيها الإخوة الأعزة – لا يكتفي بالقتل، قتل الأولياء وأهل الإيمان والتقوى والقراء والفقهاء، بل كان يظهر افتخاره فيه من جديد لتحرق ثراث النبوة والخلافة!! ويكفينا في إثبات ذلك – أيها الإخوة الأحبة – ما رواه لنا منصور بن الحسين الآبي في كتابه (نثر الدر)، وأبو منصور أحمد بن علي الطبرسي في كتابه (الإحتجاج) بالإسناد الى صالح بن كيسان المدني، حيث قال:
لما قتل معاوية بن أبي سفيان حجر بن عدي وأصحابه، حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي فقال له – بهذه اللهجة الشامتة:
- يا أباعبدالله، هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟!
فسأله الحسين – عليه السلام – وكأنه يريد أن يعترف للتاريخ وللأمة:
- "وما صنعت بهم؟" فأجابه معاوية مستهزئاً بدماء المؤمنين:
- قتلناهم، وكفناهم، وصلينا عليهم!
قال الراوي – وهو تعبيره – فضحك الحسين، يريد أنه هزئ بعقل معاوية وجرأته على الله تبارك وتعالى أن يشمت بقتله الخيرة من عباده المؤمنين.. ثم قال الإمام الحسين صلوات الله عليه لمعاوية يلقمه حجر حجج متوالية، ليخرسه ويعرفه ما جنى ومن دفعه الى ذلك.. وهو عمروبن العاص، قال له:
- "خصمك القوم يا معاوية! لكننا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم، ولا صلينا عليم ولا قبرناهم!".
أجل.. إذ هم المجرمون المرتدون، بينما أقر معاوية بأنه كان يقتل أهل الإيمان، ثم يهزأ بنفسه أنه كفنهم وصلى عليهم بعد أن قتلهم!
بعد ذلك عاد أبوعبدالله الحسين سلام الله عليه على معاوية يقول له ما يلصق به عاراً الى آخر الدهر:
- "لقد بلغني وقيعتك في علي، وقيامك ببغضه، واعتراضك بني هاشم بالعيوب! فإذا فعلت ذلك فارجع الى نفسك ثم سلها الحق عليها ولها، فإن لم تجدها أعظم عيباً فما أصغر عيبك فيك!.. فلا توترن غير قوسك، ولا ترمين غير غرضك، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب، فإنك – والله – لقد أطعت فينا رجلاً ما قدم إسلامه، ولا حدث نفاقه، ولا نظر لك، فانظر لنفسك أو دع".
وفي رواية الآبي، هكذا قال له الإمام الحسين عليه السلام:
"وأيم الله لقد أوترت غير قوسك، ورميت غير غرضك، وتناولتها بالعداوة من مكان قريب! ولقد أطعت امرأ ما قدم إيمانه، ولا حدث نفاقه، وما نظر لك، فانظر لنفسك أو دع " – يريد عمرو بن العاص.
فكان ذلك احتجاجاً حسينياً مفحماً لخصم من خصوم الإسلام، وفي الوقت ذاته لم يخل من التعريف والتنبيه وحتى من النصح؛ لأن الإمام – كما عرفه الإمام الرضا عليه السلام: "الدال على الهدى، والمنجي من الردى.. النار على اليفاع، الحار لمن اصطلى به، والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك.. الداعي الى الله، والذاب عن حرم الله.. نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين".
مستمعينا الأكارم.. وهكذا يبعث ويرسخ سيد الشهداء – صلوات الله عليه – في قلوب المؤمنين بجميع أجيالهم روح الغيرة على أهل المؤمنين والدفاع عن المظلومين وإدانة الظالمين بشتى صور هذه الإدانة وهذه هي النتيجة المحورية التي نستفيدها من حلقة اليوم من برنامجكم (الإحتجاجات الحسينية) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقبل الله أعمالكم وفي أمان الله.