خبير البرنامج: الشيخ حسن التركي مدير مجلس الثقافة والاعلام الاسلامي في لندن
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، وأزكى الصلاة على محمد حبيب الله، وعلى آله آل الله.
إخوتنا الأعزة.. السلام عليكم وتقبل الله أعمالكم، وثبتنا الله وإياكم على ولاية محمد وآل محمد ومودتهم، صلوات الله وسلامه عليهم، وقد جعلهم الله تبارك وتعالى حججه على عباده، وهو القائل عز من قائل: "فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ" (سورة الأنعام:۱٤۹)، وقد أخرج ابن شاذان – أيها الإخوة – في كتابه (مئة منقبة) من طرق علماء أهل السنة، بسنده عن سلمان الفارسي المحمدي أنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وإذا بالحسين على فخذه وهو يقبل بين عينيه ويلثم فاه ويقول له: "أنت السيد ابن السيد أبوالسادة، وأنت إمام ابن إمام أبوالأئمة، وأنت الحجة ابن الحجة أبوالحجج تسعة، تاسعهم قائمهم".
نعم – أيها الإخوة الأكارم – فأولئك هم حجج الله الذين يحتج بهم على عباده، وقد وهبهم جل وعلا ملكات، وخصائص وكمالات، وفضائل وفيرة من العلم والتقوى والغيرة على الدين، حتى جعلهم الله عزوجل سبيلاً الى معرفته، ودليلاً على الإيمان به، وحجة على عباده.
أجل.. هكذا روى لنا الكليني – أيها الإخوة – في كتابه (الكافي): عن الإمام الرضا – عليه السلام – أن أباعبدالله الصادق عليه السلام قال: "إن الحجة لا تقوم لله عزوجل على خلقه إلا بإمام، حتى يُعرف".
وعنه عليه السلام أيضاً: "ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة، يعرّف الحلال والحرام، ويدعو الناس الى سبيل الله".
وعن أحدهما (الباقر أو الصادق) سلام الله عليهما: "لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم، وإمام زمانه، ويرد إليه ويسلم له".
أجل – إخوتنا الأفاضل – فهم عليهم أفضل الصلاة والسلام المرشدون الى مرضاة الله، والمعرفون توحيد الله، والهادون الى دين الله، ومن هنا نخاطبهم في (الزيارة الجامعة الكبيرة) بهذه العبارات الشريفة المباركة:
"اَلسَّلامُ عَلى اَئِمَّةِ الْهُدى، وَمَصابيحِ الدُّجى، وَاَعْلامِ التُّقى، وَذَوِى النُّهى، وَاُولِى الْحِجى، وَكَهْفِ الْوَرى، وَوَرَثَةِ الاَنْبِياءِ، وَالْمَثَلِ الاَعْلى، وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنى، وَحُجَجِ اللهِ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَالاُولى وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ... اصْطَفاكُمْ بِعِلْمِهِ، وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِهِ، وَاخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ، وَاجْتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ، وَاَعَزَّكُمْ بِهُداهُ، وَخَصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ، وَانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ، وَاَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ، وَرَضِيَكُمْ خُلَفاء فى اَرْضِهِ، وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِهِ، وَاَنْصاراً لِدينِهِ... اِلَى اللهِ تَدْعُونَ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ، وَبِهِ تُؤْمِنُونَ، وَلَهُ تُسَلِّمُونَ، وَبِاَمْرِهِ تَعْمَلُونَ، وَاِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُونَ، وَبِقَوْلِهِ تَحْكُمُونَ، سَعَدَ مَنْ والاكُمْ، وَهَلَكَ مَنْ عاداكُمْ، وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ، وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ، وَفازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ.. ".
أيها الإخوة والأخوات، لقد جسد سيد الشهداء الإمام الحسين كونه – صلوات الله عليه – حجة لله على خلقه من خلال هدايته الخلق الى السبيل العملي للفوز بمرضاة الله عزوجل، وهو الفوز برضا أهل البيت المحمدي المطهرين – عليهم السلام – لأنهم أنصار دين الله والداعين إليه عزوجل..
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة يقدمه لنا ولكم ضيف هذه الحلقة من برنامج الاحتجاجات الحسينية سماحة الشيخ حسن التركي مدير مجلس الثقافة والاعلام الاسلامي من لندن، نستمع معاً
التركي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله
الامام الحسين عليه السلام مدرسة ارادها الله سبحانه وتعالى أن يتعلم فيها كل الأحرار الذين يعملون من أجل إقامة العدل والفوز بحرية هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة. الله سبحانه وتعالى قبل ذلك اراد للإنسان أن يكون حراً، مفهوم التوحيد وحقيقة التوحيد هو أن يوحد الانسان العبودية لله ويتحرر من كل ماهو سوى الله سبحانه وتعالى. هذه حقيقة العبودية وحقيقة الشهادة أن لاإله إلا الله. ثم بعد ذلك ربطت حقيقة التوحيد بالإعتراف والإقرار لرسول الله صلى الله عليه وآله بأنه هو الرسول المرسل من قبل الله سبحانه وتعالى لإخراج الناس من الظلمات الى النور، لتحرير البشرية من براثن الشرك والكفر والظلم والأخذ بيدها الى شاطئ الحرية والى سعادة الدنيا والآخرة. ثم بعد ذلك ربط هذا المعنى بالولاية لأهل البيت عليهم السلام والسير على نهج أهل البيت عليهم السلام وهذا ما أكدته الكثير من الروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كحديث الثقلين. بالتالي التمسك بكتاب الله لايغني ولايكفي لوحده إلا أن يكون من خلال من يترجم هذا الكتاب ويبين هذا الكتاب ويشرح هذا الكتاب وهم العترة الطاهرة لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. من هذا المنطلق أكد الامام الحسين عليه السلام في نهضته التي كانت هي استمراراً لنهضة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لتحرير الانسان من الظلم والاضطهاد والكفر والشرك كما اعلنها سلام الله عليه "إني لم أخرج أشراً ولابطراً ولاظالماً ولامفسداً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنه عن المنكر" أريد أن أسير بسيرة أبي وجدي. هدف الامام الحسين هو الاصلاح وإعادة الناس الى الطريق الصحيح وربط هذا المعنى، ربط الحرية ايضاً ورضا الله سبحانه وتعالى برضا أهل البيت عليهم السلام فقال في أكثر من موضع من حركته سلام الله عليه "رضا الله رضانا أهل البيت" بمعنى أن العمل من أجل تحصيل رضا أهل البيت هو رضا الله سبحانه وتعالى لأن أهل البيت عليهم السلام لايمكن أن يخرجوا عن رضا الله سبحانه وتعالى في كل مايقولون، في كل ما يفعلون، في كل حركة يتحركونها هو يريدون رضا الله سبحانه وتعالى. يريدون الأخذ بيد البشرية الى رضا الله سبحانه وتعالى ولذلك ربط الامام الحسين رضا الله سبحانه وتعالى برضا أهل البيت ودعا الناس الى نصرته والخروج معه من اجل إعادة الحقوق ورفض الظلم وحتى لو تطلب ذلك الموت والشهادة التي قال عنها الامام الحسين عليه السلام "إني لاأرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً". أن يقدم الانسان نفسه من أجل الحرية، من اجل أن يعيش عزيزاً كريماً مصون الجانب او أن يموت في سبيل هذه الحقوق او يعيش مهاناً مظلوماً مضطهداً فقدم الموت على العيش مع الظالمين بالذل والهوان ويرى أن الموت إنما سعادة اذا كان في رضا الله وفي طلب الحرية والعزة والكرامة.
نشكر سماحة الشيخ حسن التركي مدير مجلس الثقافة والاعلام الاسلامي في لندن على هذه التوضيحات ونتابع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم حلقة اليوم من برنامجكم الاحتجاجات الحسينية.
إخوتنا الأحبة المؤمنين.. إن من صفات الأئمة عليهم السلام غيرتهم على الدين، وذبهم عن حرمه وحصونه، وقد بادر الإمام الحسين عليه السلام الى ردع المتجاوزين، فبين وأعلن، وصدع للناس بالحقائق "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة" فعرّف بالأفاضل لكي يتأسى بهم، كما عرّف بالأراذل لكي يُتجنبوا.. فأهل البيت هم أولى بالإتباع وإن ظلموا ودفعوا عن مقامهم غصبت خلافتهم، كما أن أهل الضلال أولى بالإجتناب وإن تسلطوا غاصبين، وحكموا ظالمين مفسدين..
روى الطبرسي في (الإحتجاج) أن معاوية نادى مناديه: أن قد برئت الذمة ممن يروي حديثاً نبوياً في مناقب علي وفضل أهل بيته، واستعمل معاوية زياد بن أبيه على الكوفة والبصرة، فجعل يتتبع الشيعة يقتلهم ويخفيهم، ويقطع أيديهم وأرجلهم، ويصلبهم على جذوع النخل، ويسمل عيونهم، ويشردهم.. ثم كتب معاوية الى جميع عماله في جميع الأمصار: أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، ودعا الناس الى اختلاق روايات في سوابق معاوية وفضائله المجعولة، وكتب الى زياد: أقتل كل من كان على دين علي ورأيه من الحضرميين، فقتلهم زياد ومثّل بهم!
وكتب معاوية أيضاً: انظروا من قِبلَكم من شيعة علي واتهمتموه بحبه فاقتلوه، وإن لم تقم عليه البينة فاقتلوه على التهمة والظنة والشبهة..
ثم أيها الإخوة الأماجد.. قد ذكر ابن عبد ربه في (العقد الفريد)، وكذلك ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة) أن معاوية هو أول من سب علياً عليه السلام على المنابر، وسن بذلك سنة كافرة أمر الخطباء بها من أول حكمه سنة إحدى وأربعين واستمرت الى سنة تسع وتسعين للهجرة.. وقد روى أحمد بن حنبل في (مسنده)، والحاكم النيسابوري الشافعي في (المستدرك)، والنسائي في (السنن)، والهيثمي الشافعي في (مجمع الزوائد)، والمتقي الهندي في (كنز العمال)، وابن أبي شيبة في (المصنف)، والمحب الطبري الشافعي في (ذخائر العقبى)، والشبلنجي الشافعي في (نور الأبصار) وغيرهم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
"من سبّ علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عزوجل، ومن سب الله عزوجل أكبه على منخريه في نار جهنم".
فماذا كان من الإمام الحسين صلوات الله عليه قبال هذا الطاغية الذي هتك الحرمات، وأغوى الناس وضلل وأفسد وقتل وتجاوز؟ لنذهب معاً – أيها الإخوة – مرة أخرى الى كتاب (الإحتجاج)؛ لنقرأ ما كتبه لنا الطبرسي في ذلك، فإلى ذلك.. بعد هذه الوقفة القصيرة.
كتب الشيخ أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي أنه لما استشهد الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه إزداد البلاء والفتنة، فلم يبق لله ولي إلا خائف على نفسه، أو مقتول أو طريد أو شريد، فلما كان قبل موت معاوية بسنتين، حج الحسين عليه السلام وعبدالله بن جعفر الطيار وعبد الله بن عباس معه، وقد جمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم، من حج منهم ومن لم يحج، من الأنصار ممن يعرفونه وأهل بيته، ثم لم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلا جمعهم، فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل، والحسين في سرادقه، عامّتهم التابعون وأبناء الصحابة، فقام الحسين فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أما بعد، فإن الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإني أريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقتُ فصدقوني... إسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا الى أمصاركم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون، فإني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متم نوره ولو كره الكافرون".
قال الطبرسي مضيفاً: فما ترك الحسين شيئاً أنزل الله في أهل بيت النبوة من القرآن إلا قاله وفسره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه علي وأمه فاطمة وأهل بيته عليهم السلام إلا رواه، وكل ذلك يقول له الصحابة: اللهم نعم، قد سمعناه وشهدناه، ويقول التابعون: اللهم قد حدثنا به من نصدقه ونأتمنه. حتى لم يترك الحسين عليه السلام شيئاً إلا قاله، ثم خاطبهم قائلاً: "أنشدكم بالله إلا رجعتم وحدثتم به من تثقون به".
ثم نزل عليه السلام وتفرق الناس على ذلك.
وهكذا احتج أبوعبدالله الحسين على عدوّ الله، وعلى الناس أيضاً ذاك من على بُعد، وهؤلاء عن قرب، فأقام الحجة البالغة، وطمأن عباد الله بعد أن روى لهم الحقائق البينة، وأحق الحق وأبطل الباطل، وذبّ عن حرم الإسلام، وفضح أعداء الإسلام..
كل هذا ببياناته الصادعة، حتى إذا لم ينفع بعد حين أو أحايين، قدم حججه بأرواح الشهداء من أهل بيته وأصحابه، ثم قدم مهجته المقدسة في سبيل الله، حجة على الخلق على مدى الأعصر والأزمان، ليكون عليه السلام في الوقت ذاته: ثار الله، وحجة الله.
مستمعينا الأفاضل، ونخلص مما تقدم الى أن الله جعل رضاه ومرضاته تبارك وتعالى في رضا أهل البيت لأنهم – عليهم السلام – جعلوا كل وجودهم في مسار مرضاة الله مهما كانت التضحيات، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإنهم – صلوات الله عليهم – هدوا الخلق الى ما فيه مرضاة الله عزوجل بكل وجودهم؛ وفقنا الله وإياكم لإقتفاء آثارهم – صلوات الله عليهم أجمعين -.
اللهم آمين، وشكراً لكم مستمعينا الأطائب على طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (الإحتجاجات الحسينية) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم وفي أمان الله.