الحمد لله غاية آمال العارفين والصلاة والسلام على وسائل القرب اليه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في اولى حلقات هذا البرنامج نعرفكم في بدايتها بموضوعه وهدفه، موضوعه هو التعرف على آثار ومصاديق التوسل بوسائل التقرب الى الله جل جلاله والفوز بالحياة الكريمة بعز جواره جل وعلا ودليلنا في ذلك هو الاستضاءة بنصوص القرآن والسنة، وهدفنا هو ان تكون هذه المعرفة مقدمة للعمل فالعمل بما علم الانسان هو باب يفتح الله عز وجل عليه انوار علم ما لا يعلم، فلنبدأ اولاً بمعرفة معنى التوسل في مصطلح اللغة والنصوص الشريفة.
معنى التوسل ايها الاخوة والاخوات هو اتخاذ الوسيلة توصلاً الى شيء والتوسل اخص من التوصل لتضمنها أي الوسيلة معنى الرغبة في الشيء اجل هذا ما صرح به العلماء كالراغب في معجم مفردات الفاظ القرآن واضافوا لذلك نكتة لغوية اخرى وهي ان التوسل على وزن "تفعل" الدال على المطاوعة والاختيار دون اكراه، من هنا قال السيد المصطفوي في موسوعة التحقيق في كلمات القرآن: وسلت له الى الله وسيلة فتوسل بها، أي جعلت له في السير الى الله تعالى وفي طلب قربه ورضاه وسيلة فاطاع واختار الوسيلة وتمسك بها.
كما يتضمن التوسل معنى التقرب كما نبه لذلك الطريحي في مجمع البحرين فقال: الوسيلة ما يتقرب به الى الشيء والواسل هو الراغب الى الله.
وثمة اضاءة لغوية اخرى نجدها في كتب اللغة مثل لسان العرب ومصابيح اللغة وغيرها حيث قالوا: ان الوسيلة تعني المنزلة والدرجة والقربة، ووسل الى الله وسيلة اذا على عملاً تقرب به اليه، والوسيلة الوصلة والقربى وما يتقرب به الى الغير.
وعند قولهم الوسيلة هي الوصلة نتذكر مستمعينا الاعزاء ما ورد في دعاء الندبة من وصف مولانا المهدي عليه السلام بانه السبب المتصل بين الارض والسماء.
ومثله وصف القرآن بمثل ذلك في حديث الثقلين المشهور وعلى أي حال فما هو المعنى المستفاد لحقيقة التوسل من التعريفات المتقدمة؟ هذا ما يأتيكم اعزاءنا بعد قليل.
يتضح اعزاءنا المستمعين مما ذكرته كتب اللغة ان التوسل لغوياً هو فعل طوعي اختياري يقوم المتوسل فيه بالاستعانة بوسيلة معينة وبرغبة تجعله يتمسك بها بقوة لكي توصله وتقربه الى ما يتوسل اليه ويرغب في التقرب منه شريطة ان تكون ذاتها ذات قرب وحظوة عند المتوسل اليه.
*******
والمزيد من التوضيحات لمعنى التوسل احباءنا في المصطلح الشرعي وبالخصوص التوسل الى الله نستمع اليها معاً من ضيف البرنامج سماحة الشيخ محمد السند في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه معه زميلنا.
المحاور: اهلاً ومرحباً بسماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ، فيما يرتبط بموضوع هذا البرنامج، موضوع التوسل الى الله تبارك وتعالى، من الاسئلة الاساسية التي تعرف فيما يرتبط بهذا الموضوع وخاصة في حلقته الاولى، السؤال عن معنى التوسل الى الله ليس لغوياً ولكن طبق المصطلح الشرعي، ما المقصود منه؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد فأن التوسل هو عبارة عن التوجه الى الله بالوجه وبالاسم الذي امرنا ان ندعوه به سواء كان من الاسماء العظمى او كان من الاسماء العظيمة فالتوجة بتلك الاسماء وبتلك الايات وبتلك الابواب التي ندبنا بالتوجه بها اليه هو حقيقة التوسل.
المحاور: هذا فيما يرتبط بعموم الاعمال، يعني عموم التوسلات، لغوياً التوسل هو اتخاذ وسيلة وابتغاء وسيلة وصولاً الى شيء، التوسل عندما يقال بالتوسل الى الله بالمصطلح الشرعي يشمل جميع التوسلات بجميع اقسامها؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة، التوسل حتى كما بيناه في عدة ابحاث منشورة ومطبوعة، حتى في اصل الايمان، يعني اصل الايمان والاعتقاد بالله تعالى له اعظم الطاعات واعظم العبادات هو الايمان بالله تعالى وباليوم الاخر، هذا الايمان، العقل يمارس هذه العبادة عبر التوجه الى آيات الله تعالى، كأن الباري تعالى لا يكتنه ولايحس ولايجس ولايحاط به ولايتحد العياذ بالله به وانما يتعرف عليه ويتعرف اليه بتوسط الآيات والآيات هي مخلوقات عظيمة جعلت كأسماء وعلامات الهية وبالتالي العقل عبر تلك الآيات يتوجه الى الله تبارك وتعالى بالمعرفة وبالتسليم وبالايمان فنلاحظ ان الانسان في اعظم ما يقوم به من اعظم عضو في الروح وهو العقل لا يمكنه ان يتخطى التوسل اي الوسيلة في حصول تلك العبادة، الى آخر العبادات الاخرى بالفروع والاركان من الصلاة لذلك جعل فيها الاستقبال الى بيت الله الحرام وجعل فيها توطين النفس على طاعة الله ورسوله.
المحاور: يعني سماحة الشيخ افهم من كلامكم ان التوسل حالة لاغنى للانسان عنها في اي مظهر من مظاهر التوجه الى الله تبارك وتعالى؟
الشيخ محمد السند: نعم انا في تحقيقاتي التي نشرت وطبعت اخيراً ذكرت على ان ربما ما يرى من كثير من العلماء الاعلام من رجحان واستحباب التوسل بينت ان التوسل في حقيقته ليس هو امر راجح ومستحب فحسب بل هو امر ركني في الايمان فضلاً عن بقية العبادات.
المحاور: بأعتبار ما في طريق آخر الى التوجه الى الله تبارك وتعالى الا بالتوسل اليه؟
الشيخ محمد السند: نعم الا بالتوسل اليه بالوسائل التي نصبها وعينها لخلقه وان يتقربوا ويصلوا اليه بها.
المحاور: اخيراً سماحة الشيخ استخدمتم تعبير الاسم بالاسماء العظمى والعظيمة، المقصود من الاسم هنا ماذا، كل ما دل على الله تبارك وتعالى؟
الشيخ محمد السند: نعم الاسم في اللغة مأخوذ من الوسم والعلامة والاية فالعلامة والاية والاسم تكاد تكون بمعنى واحد كذلك الحال في لفظ الكلمة وقد اطلقت الآيات على المخلوقات طراً وسيما الآيات العظيمة الكبيرة، الكبرى هي في الواقع المخلوقات العظمى الله تعالى فهي اسماءه تعالى في مقام الفعل وعلاماته وابوابه ووجه الذي يتوجه به اليه.
*******
نتابع مستمعينا الاكارم تقديم الحلقة الاولى من برنامج التوسل الى الله فتشير الى انسجام قانون التوسل الى الله بقانون اجراء الله جلت حكمته للامور بنظام الاسباب.
نعم اعزاءنا فالتوسل سنة طبيعية يقرها العقل السليم وتشهد لها تجارب الحياة فكل من يطلب الوصول الى شيء عليه ان يتخذ وسيلة توصله اليه، فوسيلة الذي يطلب العمل مثلاً الدراسة والتعلم من العلماء ووسيلة الذي يطلب المال التجارة مع من لديهم المال.
وهكذا الحال مع الذي يطلب القربى والزلفى عند الله عز وجل فوسيلته الى ذلك هو ما من شأنه الايصال لذلك، وبالطبع فان فاقد الشيء لا يعطيه، لذلك لا يمكن الوصول الى العلم الا من خلال العالم، كما لا يمكن الفوز بقرب الله جل جلاله الا بالتوسل اليه بما هو وبمن هو مرضي عنده والا كان التوسل نوعاً من التلاهات خلف سراب.
ايها الاخوة والاخوات الانسان محتاج الى الله جل جلاله لا غنى له عنه وكذلك لا غنى له عن التوسل اليه جل جلاله، ولذلك امرنا عز وجل به وهذا هو موضوع لقاءنا في الحلقة المقبلة ان شاء الله فكونوا معنا على بركة الله وباسم الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******