البث المباشر

آثار الصمت لعلماء الدين تجاه ظهور البدع

الأربعاء 27 أغسطس 2025 - 14:15 بتوقيت طهران
آثار الصمت لعلماء الدين تجاه ظهور البدع

عندما تنتشر الانحرافات والبدع دون أن يجد لها العلماء إجابة، فإن الناس إما يرتابون في الدين أو يعتبرونه نسخة محرفة وأن ترك هذا الواجب خيانة لأمانة العلم ووظيفة الهداية.

البدعة في الدين تعني  إدخال أفكار، سلوكيات أو أحكام ليست جذورها وأساسها في كتاب الله، السنة النبوية وسيرة أهل البيت (ع)، بل هي من صنع عقول أو مصالح أفراد وجماعات.

يشوه هذا الانحراف الفكري أو العملي الحدود الأصلية للدين ويخلط تدريجيًا بين الحق والباطل في أعين الناس. وبما أن الدين نظام إلهي كامل، فإن الإضافة أو النقصان منه دون أي قاعدة وأساس فهي بمثابة تغيير خارطة طريق تقود البشرية؛ تغيير لا يشوه الحقيقة فحسب، بل يستبدل أيضًا نقائها الأصلي بمظاهر مشوهة من الإيمان والعبادة.

إن عواقب البدعة، تعتبر عميقة وخطيرة على المستويين الفردي والاجتماعي. ومن يقبل البدع أو يروج لها قد يُسهم، تحت ستار خدمة الدين، في تحريفها، مما يُبعده تدريجيًا عن الطريق الإلهي ويوقعه في الضلال.

وعلى الصعيد الاجتماعي، يُمكن أن يُضعف انتشار البدع وحدة الأمة ويُهيئ أرضيةً للصراعات الفكرية والدينية، إذ يُدمر المعيار الشائع والموثق للصواب والخطأ.

كما اعتبرت المصادر الروائية البدع من أكبر الكبائر، وحذرت من أن الترويج لها أو السكوت عنها سيؤدي إلى نزول العقوبة الإلهية والحرمان من الهداية في الدنيا والآخرة.

يروي الشيخ الكليني في أصول الكافي حديثاً عن نبي الإسلام (ص) حيث يقول:

«إِذَا ظَهَرَتِ‏ الْبِدَعُ‏ فِي أُمَّتِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ».  (الكافي، ج 1، ص 54).

كما يروي الشيخ الصدوق أيضًا في عيون أخبار الرضا (عليه السلام):

"بعد شهادة الإمام الكاظم (ع)، جمع بعض ممثليه أموالًا طائلة مما دفعهم إلى إنكار شهادته (ع) وإيقاف الإمامة التالية. وعندما أدرك يونس بن عبد الرحمن أحقية الإمام الرضا (ع) دعا الناس إليه، ولكن هؤلاء الممثلين عرضوا عليه عشرة آلاف دينار مقابل أن يتوقف عن نشاطه. فاستشهد يونس بن عبد الرحمن بالحديث الذي ينص على وجوب إظهار العلم عند حدوث البدع، فرفض الاقتراحهم وقبل عداوتهم".

وقال يونس إنه سمع الإمام الباقر أو الإمام الصادق (عليهما السلام) يقول:

«إِذَا ظَهَرَتِ‏ الْبِدَعُ‏ فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نُورَ الْإِيمَانِ».

العالم هنا ليس مجرد عالم حوزوي، بل كل من له علم بأحكام الشريعة والسيرة النبوية أو تاريخ الإسلام. وسكوتُ العالم، وخاصةً في المراحل التاريخية التي تنتشر فيها البدع، يُعتبر قبولًا ضمنيًا أو حتى إقرارًا عمليًا بتلك الانحرافات.

ينظر الناس إلى العلماء كأنهم ينظرون إلى أنوار الهداية، فإذا انطفأ النور، ضاع الطريق في الظلام. ولا يؤدي هذا الوضع إلى توسيع نطاق البدع فحسب، بل يُواجه الأجيال القادمة بحقيقة مُشوّهة يصعب، وبل يستحيل، تصحيحها.

لا يقتصر خطر البدع على تغيير حكم أو طقس؛ فالبدع تُعيد بناء الخطاب الديني تدريجيًا وتُغيّر القيم والمعايير. وهنا يُرسّخ صمت العلماء مسار التحريف. فالبدع التي لا تواجَه بالاحتجاج والتنوير تصبح قاعدة، وتنقل إلى الجيل التالي باعتباره "مبدأً دينيًا".

ومن منظور اجتماعي-سياسي، يُمكن أن يُصبح الصمت ضد البدع أداةً في يد المتسلطين والحركات المُتعطشة للهيمنة. وتلجأ الحكومات أو أصحاب المصالح أحيانًا إلى تغيير التعاليم أو التفسيرات الدينية لتثبيت مواقعها. وفي هذه الأثناء، إذا لم يلعب علماء الدين دور الرصد والمراقبة، فإن السلطة تستغل الحقيقة وتُخلق منصةً لاستمرار الاستبداد والتشويه الثقافي.

إن ما ينص عليه حديث نبي الإسلام (ص) بوضوح هو أن الصمت لا يُعفي العالم من المسؤولية، بل يُضاعف عبء الذنوب. ففي رؤية الوحي، يُلزم العالم بالعمل ليس فقط من أجل مستمعيه، بل أيضًا من أجل الدفاع عن الحق في وجه التاريخ والله سبحانه وتعالى. وأن التخلي عن هذا الواجب يُعدّ خيانةً لأمانة العلم ومنصب الهداية.

كما أن لصمت العلماء عن البدع أثرًا على إيمان العامة بالدين وفعاليته. فعندما تتفشى الانحرافات ولا تجد من يُجيب عليها من أصحاب العلم، إما أن يُشكّك الناس في الدين أو يعتبرونه نسخةً مُحرّفةً منه. والنتيجة إما الردة أو التدين الخرافي، وكلاهما يضرّ بالأمة وينفع التيارات الضالة.

لذا، فإن مواجهة البدع من قِبل العلماء ليست واجبًا شخصيًا أو مهنيًا فحسب، بل هي مسؤولية حضارية تضمن الحفاظ على رأس المال الروحي للأمة وربط الأجيال بحقيقة الوحي. إن الصمت في هذا المجال يفتح أبواب المجتمع للتشويه والانقسام والانحدار الروحي، وكما حذر نبي الإسلام فإن هذا التقاعس قد يؤدي إلى نزول اللعنة الإلهية، وهي اللعنة التي تعني الحرمان من الرحمة الإلهية والتوفيق في الدنيا والآخرة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة