تعدّ العلوم المعرفية للثقافة من التخصصات الواسعة التي تُناقش وتُدرس في مجتمعات اليوم. ورغم أن هذه العلوم قد دخلت في العديد من القضايا الاجتماعية والثقافية، إلا أن علاقتها بالثقافة تحظى باهتمام أقل.
من الضروري لحل الأزمات الثقافية، الاهتمام بالعمليات العقلية لأفراد المجتمع وتقييم علاقة هذه العمليات بالثقافة.
وفي هذا السياق، يُمكن اعتبار دراسة النماذج الثقافية، وخاصةً فيما يتعلق بالمفاهيم الإسلامية، نهجًا فعالًا لتغيير وتحسين الوضع الثقافي للمجتمع.
تاريخ النماذج الثقافية
تُعدّ النماذج الثقافية من بين المواضيع التي برزت في مجال الذكاء الاصطناعي، وخاصةً في تحليل السلوك البشري. وفي البداية، حاول علماء الذكاء الاصطناعي تصميم روبوتات قادرة على أداء مهام متنوعة، إلا أنها واجهت تحديات لعدم قدرتها على فهم السلوكيات الاجتماعية كالبشر.
على سبيل المثال، إذا طلبتم من روبوت أن يخدمكم، فلن يتمكن من تلبية هذا الطلب إلا إذا تم تعريف وصفة سلوكية محددة له.
وهذه الوصفات السلوكية موجودة في أذهان البشر، وتتشكل بناءً على التجارب الاجتماعية والثقافية.
في البداية، كان يُعتقد أن هذه الوصفات السلوكية شخصية، لكن سرعان ما اتضح أنها ذات طبيعة ثقافية. وبمعنى آخر، يمكن للاختلافات الثقافية أن تؤثر بشكل كبير على كيفية أداء المهمة نفسها في المجتمعات المختلفة.
على سبيل المثال، تختلف طريقة إقامة مراسم عزاء في إيران عنها في الصين، لأن لكل ثقافة وصفة سلوكية محددة لهذه المراسم. وهذه النماذج الثقافية هي في الواقع هياكل مفاهيمية موجودة في أذهان أفراد الثقافة، وتُوجِّه سلوكياتهم.
النماذج الثقافية والتغيير الاجتماعي
بالنسبة للتحليلات الثقافية، تُعتبر النماذج الثقافية أداةً للتغيير وإدارة الأزمات. وتحديدًا، يُمكن اعتبار تغيير النماذج الثقافية حلاً لتحسين الوضع الثقافي للمجتمع.
وفي هذا الصدد، يلعب الفضاء الإلكتروني دورًا هامًا في تشكيل نماذج ثقافية جديدة.
إذ يُمكن لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التأثير بفعالية على السلوكيات الثقافية للأفراد، وتعزيز نماذج ثقافية جديدة في المجتمع.
فلسفة الثقافة: الموضوعية والذاتية
إن فلسفة الثقافة لها اتجاهان:
الأول هو الفلسفة المجردة أو الذاتية للثقافة، التي تُحلل الثقافة في فضاء نظري وتجريدي،
والثاني هو الفلسفة الموضوعية والملموسة للثقافة، التي تُحلل الثقافة في المجتمع بشكل عملي وواقعي، وتدرس النماذج الثقافية في سياقها الحقيقي.
وفي عالمنا اليوم، يُعد الاهتمام بفلسفة الثقافة الموضوعية والملموسة أمرًا بالغ الأهمية، لأن ما يحدث في المجتمع على أرض الواقع له أهمية أكبر.
الفكر الثقافي لقائد الثورة واستخدام النماذج الثقافية
تلعب النماذج الثقافية دورا محوريا في الفكر الثقافي لقائد الثورة الإسلامية. ففي العديد من تحليلاته الثقافية، يستخدم النماذج الثقافية كأداة لتغيير المجتمع وإدارته.
ومن السمات الفريدة لفكر سماحة القائد الثقافي اهتمامه الكبير بالنماذج الثقافية، سواءً تلك التي ترسخت في التاريخ والتراث الإسلامي، أو تلك التي ظهرت في العصر الحديث، وخاصةً في الفضاء الإلكتروني.
على سبيل المثال، يستخدم قائد الثورة مفاهيم قرآنية وتاريخية، مثل "مسجد ضرار"، لتحليل الوضع الاجتماعي والسياسي. وقد استُخدمت هذه المفاهيم كنماذج ثقافية في تحليلاته لعقلانية السلوكيات والاتجاهات السياسية والاجتماعية.
كما استُخدمت مفاهيم أخرى، مثل "البصيرة السياسية" الواردة في القرآن الكريم، كنماذج ثقافية ذات دلالات اجتماعية وسياسية.
النماذج المجازية والخوارزميات الثقافية
يمكن استخدام النماذج الثقافية بشكل عام مجازيا في التحليلات الثقافية. .لهذه الاستعارات قوة هائلة، ويمكنها تغيير السلوكيات والمواقف الاجتماعية.
إن النماذج التي استخدمها قائد الثورة الإسلامية، وخاصةً الاستعارات، تحمل في طياتها دلالات ثقافية بالغة الأهمية.
على سبيل المثال، يُضفي استخدام استعارات "الغزو الثقافي" أو "الفتنة" في التحليلات الاجتماعية والثقافية معانٍ جديدة على الظواهر الاجتماعية.
كما يمكن للنماذج الثقافية أن تكون خوارزميات تُطبّق في المجتمع بعناية واهتمام بالغين، وتُحدّث وتُحلل ثقافيًا.
وتُوجّه هذه الخوارزميات، السلوكيات الاجتماعية والثقافية للأفراد، ويمكن أن تكون فعّالة في التغييرات الاجتماعية والثقافية.
خطوات مهمة في التحول الثقافي
لا بد للتغلب على الأزمات الثقافية وتغيير نماذجها، من اتخاذ ثلاث خطوات أساسية:
أولًا:
- تحليل النماذج الثقافية في القرآن وحياة أهل البيت (عليهم السلام):
يجب استخلاص النماذج الثقافية في القرآن الكريم وحياة أهل البيت (عليهم السلام) بعناية، واستخدامها لإعادة تفسير المفاهيم القرآنية والإسلامية.
ثانيًا:
- تحديد النماذج الثقافية في المجتمع:
لا يمكن تغيير النماذج الثقافية في المجتمع دون تحديدها.
لذلك، لا بد من تحديد النماذج الثقافية في المجتمعين الإيراني والإسلامي وتحليلها.
ثالثًا:
اكتشاف خوارزميات لتغيير النماذج الثقافية:
في هذه المرحلة، يجب تحديد وتطبيق خوارزميات قادرة على تغيير النماذج الثقافية القائمة.
وبهذا النهج، يُمكن اتخاذ خطوات فعّالة نحو التحول الثقافي وحل الأزمات القائمة في المجتمع.