اليمن دولة خصبة ولكنها تستورد الحبوب!… لماذا وصلت هذه الدولة، التي كانت تتمتع بزراعة قوية قبل 50 عاماً، إلى ما هو عليه اليوم؟
ورغم كل هذه المشاكل، هل يمكنها أن تعود اليمن قوة اقتصادية في مجال الزراعة، أم يجب عليها أن تستسلم؟ز
دعونا نحلل الأمر قليلاً:
كان اليمن باعتباره أحد البلدان المهمة في منطقة غرب آسيا وبسبب موقعه الجيوسياسي في هذه المنطقة أي قربه من باب المندب والبحر الأحمر وكذلك لامتلاكه موارد نفطية غنية، كان منذ القدم محل صراع بين القوى الدولية والإقليمية.
إلى جانب موقعها الجيوسياسي ومواردها النفطية تتمتع هذه الدولة (اليمن) بقدرة زراعية عالية وذلك بفضل التربة الخصبة والأمطار المناسبة. ووفقاً لتقرير مؤسسة فيتش Fitch))، يعتبر اليمن من أكثر الدول خصوبة في غرب آسيا. هذه التربة الخصبة والمناخ المناسب جعلا اليمن، حتى سبعينيات القرن الماضي، ينتج 82% من احتياجاته من الحبوب محلياً، فبالإضافة إلى تحقيق اليمن للأمن الغذائي، أصبحت الزراعة فيها إحدى الدعائم الأساسية للعمل[1]، حيث كان يعمل 75% [2]من القوى العاملة في هذا البلد في القطاع الزراعي.
يوضح هذا الرسم البياني أن إنتاج الحبوب في اليمن إنخفض من 900 ألف طن في عام 1961 إلى حوالي 400 ألف طن في عام 2024. ومع الزيادة الهائلة في عدد السكان لحوالي 7 أضعاف خلال هذه الفترة، أصبح توفير الغذاء تحديًا كبيرًا للحكومة اليمنية.
من ناحية أخرى، وفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، في عام 2024 إحتاج اليمن إلى حوالي 5.2 مليون طن من الحبوب، ولكن لم يتم إنتاج سوى 400 ألف طن فقط محليًا، بينما كان يجب توفير 4.8 مليون طن عن طريق الاستيراد.
فالذي أعاق توفير الحبوب اللازمة لليمن، هو الحرب الأهلية، والحصار الاقتصادي، والعقوبات، ونقص الموارد المالية الكافية، مما جعل 19 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة. وقد تسبب هذا الأمر في السنوات الأخيرة، وخاصة خلال الحرب مع التحالف السعودي الإماراتي في مواجهة اليمن لمشكلة توفير الغذاء لشعبها، وانتشار المجاعة فيها.
السؤال المهم الآن هو:
لماذا تحدث هذه المشكلة لبلد مثل اليمن الذي يتمتع بتربة خصبة وتاريخ طويل في إنتاج الحبوب؟.
1. هجوم التحالف السعودي -الإماراتي والحرب الأهلية:
لقد تسبب هجوم التحالف السعودي الإماراتي وبدعم كامل من أمريكا منذ عام 2014، بالإضافة إلى الحرب الأهلية في اليمن بسبب تدخلات هذا التحالف، تسبب في تدمير أجزاء مهمة من الأراضي والبنية التحتية والمعدات الزراعية في البلاد، وأدى أيضًا إلى عدم القدرة على الاستثمار في هذا القطاع.
2. العقوبات الأمريكية والسعودية:
بعد تولي السلطة من قبل "حكومة الإنقاذ الوطني" في اليمن إثر ثورة 2014 ، حاولت السلطة تعزيز إنتاج المحاصيل الزراعية، ولا سيما الحبوب. ومع ذلك، حالت العقوبات الأمريكية والسعودية دون استيراد المعدات الحديثة، مما أدى إلى استمرار الاعتماد على الأساليب الزراعية التقليدية، الأمر الذي أثر سلبًا على الإنتاجية والكفاءة.
3. الاقتصاد النفطي – الأوحادي:
أدى اكتشاف النفط في التسعينيات من قبل شركة "هانت أويل" الأمريكية إلى أن يعتمد الاقتصاد اليمني على تصدير النفط، حيث شكلت إيرادات النفط الخام 70% من إيرادات الدولة قبل الحرب. وقد تسبب اكتشاف النفط وما تبعه من نتائج مثل زيادة الإيرادات الحكومية وتسهيل الواردات، في تحول القوى العاملة نحو صناعة النفط، وبالتالي انخفاض العمالة في القطاع الزراعي بسبب ارتفاع الدخل في صناعة النفط، بالإضافة إلى عدم استثمار الحكومة في القطاع الزراعي وعدم تحديث المعدات والأساليب الزراعية، بسبب الاعتماد على إيرادات النفط. وقد أضر ذلك بهذا القطاع الحيوي من الاقتصاد والتوظيف في اليمن.
توسيع زراعة القات:
تعتبر زراعة القات أكثر ربحية مقارنة بالمحاصيل الزراعية الأخرى. وقد دفع هذا الواقع العديد من المزارعين اليمنيين إلى التحول نحو زراعة القات. بالإضافة إلى ذلك، ونظرًا لعدم الحصول على الدعم الحكومي المطلوب لمزارعي الحبوب وتراجع دخل الشعب ، والطلب المرتفع عليه وارتفاع أرباحه مقارنة بالحبوب ، إتجه العديد منهم إلى زراعة هذا المحصول. وقد تسبب هذا في نقص حاد في قطاع الحبوب في اليمن.
تُشير وزارة الزراعة اليمنية إلى أن 1.5 مليون هكتار فقط من الأراضي اليمنية صالحة للزراعة. لكن الدراسات الاستقصائية تُظهر إمكانية زيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الأساسية، بالاعتماد على الزراعة البعلية، وذلك بالنظر إلى خصوبة التربة والأمطار الكافية في العديد من المناطق.
وتُبيّن التقديرات أنه من الممكن زراعة 47 مليون هكتار من مساحة اليمن البالغة 55 مليون هكتار، بتوزيع المناطق حسب معدلات هطول الأمطار، مما يُمكن من إنتاج 31.8 مليون طن من القمح. كما يُمكن إنتاج 3 ملايين طن من الشعير، بما يكفي لتغذية 27 مليون رأس من الأغنام. فحتى لو تم إنتاج ثلث هذه الكمية من الحبوب، ستُصبح اليمن مكتفية ذاتيًا وتتخلص من الحاجة للاستيراد.
يمكن أن يُسهم هذا في تحقيق الأمن الغذائي، بل وحتى تحويل اليمن إلى أحد أهم مُصدّري الحبوب. ويُشترط لتحقيق ذلك تغيير أساليب الزراعة وحصاد المحاصيل الزراعية.
تتوافر حاليًا طريقتان لزراعة القمح البعلية:
أ) الزراعة البعلية التقليدية: وهذه الطريقة تُسبّب تبخر الرطوبة، وتدمير الفطريات النافعة في التربة، فضلًا عن إجراءات أخرى تُقلّل من خصوبة التربة وتزيد من استهلاك المياه.
ب) الزراعة البعلية الحديثة باستخدام آلات الزراعة المباشرة: تُفَضَّلُ هذه الطريقة الإنتاجية الزراعية بشكل كبير، حيث تُقلّل من العبث بالتربة، وتُخفّض استهلاك البذور والوقود، وتُسرّع عملية الزراعة، وتُعزّز من إنتاجية الأرض.
بالرغم من الاستخدام الواسع النطاق لنموذج الزراعة البعلية باستخدام آلات الزراعة المباشرة في البلدان المنتجة للمحاصيل الزراعية، إلا أن هذه الطريقة لم تنتشر في اليمن بسبب نقص المعرفة والاستثمار، الناجم عن الحرب والعقوبات.
وعليه، لا يستطيع المسؤولون اليمنيون اتخاذ خطوة مهمة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الأساسية مثل الحبوب والمنتجات الزراعية إلا من خلال الاستفادة من العلوم الحديثة والأدوات الزراعية الحديثة، ومن خلال هذا الإجراء يمكنهم خلق فرص عمل للشعب وتحقيق زيادة الأمن الغذائي بشكل كبير.
تصبح هذه المسألة مهمة عندما نتذكر المجاعة التي انتشرت خلال حرب 2015 والحصار المفروض على البلاد خلال تلك الفترة، وبما أن اليمن دخل في حرب مع أمريكا والكيان الصهيوني بسبب جرائمهما في غزة، فهناك احتمال لفرض حصار وعقوبات شديدة ، وبالتالي تكرار انعدام الأمن الغذائي والمجاعة من جديد.
برأيك، ما هي المساعدة التي يمكن أن يقدمها محور المقاومة في هذا المجال؟ز
أكتب لنا.