موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا صانع كل مصنوع يا خالق كل مخلوق يا رازق كل مرزوق..."
نتابع حديثنا عن الأدعية وما تتضّمنه من المعرفة العقائدية والاخلاقية والفقهية ومنها: دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عزيزي عن بعض مقاطعه ومنها: المقطع البادئ بعبارة: (يا صانع كل مصنوع) و (يا خالق كل مخلوق) و (يا رازق كل مرزوق) و(يا مالك كل مملوك) حيث تتناول هذه المظاهر دلالات مشتركة هي: أن ما يصنعه الانسان من اجهزة مثلا او ايّ عمل آخر حتى في ميدان جهاده مثلاً إنما هو مستمدّ من الله تعالى وليس من انجازه الشخصي، ألم يقل الله تعالى: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى»، وهذا يعني: أنك حتى في استخدامك للسلاح إنما تستمدّ رميتك من الله تعالى.
إذن: كلّ مصنوع، وكل مخلوق، وكل مرزوق وكل مملوك هو من الله تعالى وليس من العبد، إنّ (المخلوق) خلقه الله تعالى والرازق هو الله تعالى وليس العبد أي: إذا قدّر لأحد أن يساعدك في مال وغيره فإن المساعد أساساً هو الله تعالى وليس العبد المعطي لك هذا المال.
وكذلك فان كل مملوك عندك هو في واقعه من الله تعالى ملّكه إياك ولست المالك له.
إلى هنا نكون قد لاحظنا أن هذه الفقرات تتناول الاشارة الى أن ما أنجزه او ما لدينا من قدرات إنما هي من الله تعالى ولكن نجد في مقطع الدعاء شطراً آخر من المظاهر هي: (يا كاشف كل مكروب) و(يا فارج كل مهموم) و (يا راحم كل مرحوم) و (يا ناصر كل مخذول) و(يا ساتر كل معيوب) و (يا ملجأ كل مطرود).
إن هذه الفقرات من الدعاء تشترك كما تلاحظ مع سابقتها في الاشارة الى أن كل ما يصدر من العبد او ما يقع عليه هو من الله تعالى، فاذا كانت عبارة: (يا صانع كل مصنوع) تشير الى أن ما صدر من العبد انجاز فإنه من الله تعالى، كذلك تشير عبارة: (يا كاشف كل مكروب) الى أن ما ظهر على العبد من نعمة فانها من الله تعالى.
والسؤال الآن هو: كيف نستخلص من العبارات الاخيرة او الشطر الاخير من الدعاء وهو: (يا كاشف كل مكروب) و (يا فارج كل مهموم)، كيف نستكشف دلالته بالقياس إلى عبارات مثل: (يا صانع كل مصنوع)؟
من البيّن أن ما يواكب سلوك الانسان من ظواهر هي: أن ما نتخّيل بأنها (تصدر منه) او بالعكس (تروم عليه) فالجهاز الذي يصنع من قبل هذا العبد او ذاك (كما لو اخترعه مثلاً) إنما هو (صادر) منه في الظاهر ولكن لا استقلالية عنده كما قلنا والامر نفسه إذا كان ما يواجه الانسان من قضية (كما لو ارتفع وزال حزنه او كربته) فإنّ الظاهر قد يخفى على الانسان الغافل فيخيّل اليه أن (الطبيب) مثلاً او المعالج النفسي او سعيه الشخصي هي الاسباب التي جعلت الكربة او الغمّ مرتفعاً ومزاحاً من الشخصية بينما يستهدف الدعاء الى الاشارة بأن الله تعالى هو الكاشف لكربة الانسان ولغمه وليس الشخص المكروب ولا الطبيب ولا المعالج النفسي بل إنّ الله تعالى هو الفعّال لهذا الامر، والآن في ضوء ما تقدم ماذا نريد من الاستخلاص اليه في هذا الموضوع؟
الاستخلاص هو: أن العبد ينبغي أن لا يغفل اساساً عن الحقيقة الذاهبة الى أن (الله) تعالى هو الفعال في كلّ المعطيات التي نلاحظها في حياتنا وأن اي تصور مستقل عن ارادة الله تعالى هو مخطئ، لذلك ينبغي على العبد أن يتوكل على الله في قضاء حاجاته: إنه هو (الراحم) و (الناصر) و (الساتر) و (الملجأ) لكل مرحوم ومخذول ومعيوب ومطرود وهذا ما عبّرت عنه الفقرات القائلة: (يا كاشف كل مكروب)، (يا فارج كل مهموم)، (يا راحم كل مرحوم)>، (يا ناصر كل مخذول)، (يا ساتر كل معيوب)، (يا ملجأ كل مطرود).
ختاماً نسأله تعالى أن يكشف عنا كروبنا ويفرّج همومنا ويرحم ضعيفنا وينصرنا ويستر عيوبنا ويؤيّدنا برحمته. ومن ثم نسأله تعالى أن يوفقنا الى طاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.