سيد إسماعيل جرجاني، الطبيب من منطقة جرجان (المعروفة حالياً باسم جرجان)، ترك بصمة خالدة في تاريخ العلوم والأدب الإيراني من خلال تأليفه لعمله الشهير "ذخيرة خوارزمشاهي".
تاريخ كلستان، الذي يشهد على تربية العلماء والباحثين، يبرز مرة أخرى مع الجرجاني، مما يوضح كيف كانت تربة هذه الأرض حاضنة لازدهار العلم والحكمة.
يُعتبر الحكيم الجرجاني من أعظم أطباء القرن السادس الهجري، حيث أسس علوم المختبرات وكان أول من وصف أعراض ورم الأغشية الرقيقة والصلبة في الدماغ.
بفضل إتقانه لمجموعة متنوعة من العلوم، بما في ذلك الطب والصيدلة والفلسفة والتصوف والأدب والعلوم الدينية، أصبح الجرجاني من أبرز الشخصيات في عصر خوارزمشاه.
بعد أن درس على يد طلاب ابن سينا في جرجان، انتقل الجرجاني إلى مدن مثل نيسابور وأصفهان وخوارزم ومرو، حيث عمل طبيبًا بارزًا في بلاط خوارزم شاه.
محمية خوارزمشاهي .. تحفة طبية وأدبية
يُعتبر كتاب "ظاهر الخوارزمشاهي" للجرجاني، الذي يُعد أول موسوعة طبية باللغة الفارسية، من أبرز إنجازاته. يتألف هذا العمل من 10 مجلدات، وكان يُعتبر الأكثر موثوقية في عصره بعد "القانون" لابن سينا.
وقد تُرجم الكتاب إلى عدة لغات منها الأردية والعبرية والتركية، حيث أُطلق عليه العلامة دهخدا لقب "تحفة فنية فريدة في النثر الفارسي" بفضل نثره الأنيق والسلس.
لم يقتصر الجرجاني على تقديم المعرفة الطبية بلغة بسيطة ومفهومة، بل ساهم أيضاً في إثراء اللغة الفارسية من خلال استخدامه للمفردات الفارسية.
في هذا العمل، استشهد بمصادر متنوعة من أبقراط والرازي إلى الأطباء الهنود والسريان، مما أظهر كيف يمكن دمج المعرفة العالمية مع الثقافة الإيرانية. كما أدخل أساليب مختبرية جديدة ووصف أمراضًا غير معروفة سابقًا، مما رفع مستوى الطب في عصره.
إلى جانب "ظاهر الخوارزمشاهي"، كتب الجرجاني ملخصاً للاحتياطي المسمى "خافي علائي" بناءً على طلب علاء الدين أتسيز، حيث صُمم هذا العمل ليكون صغير الحجم جداً.
كما ألف كتاب "المغرب الطبي والمباحث العلائية"، وهو مختصر متوسط الحجم للظاهر، يتكون من خمسة مجلدات ويُعتبر مصدراً شاملاً في مجالات الصحة والصيدلة وعلم الأمراض.
تتضمن مؤلفاته الأخرى مذكراته "في الطب والصيدلة"، وزبدة الطب، وتدبير يوم وليلة، وترجمة كتاب القانون لابن سينا. من خلال كتاباته باللغة الفارسية، ساهم الجرجاني في توسيع المعرفة الطبية بلغة الأم، مُقدمًا خدمة لا مثيل لها للثقافة الإيرانية.
إسماعيل الجرجاني في مسقط رأسه
ولد السيد إسماعيل الجرجاني في جرجان (المعروفة حالياً باسم جرجان) في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري. على الرغم من أن بعض المصادر تشير خطأً إلى أن مسقط رأسه هو جورجانج في أوزبكستان الحالية، إلا أن الأدلة اللغوية والأدبية تشير بوضوح إلى أن أصله يعود إلى جولستان في إيران.
لم يكن الجرجاني طبيباً بارزاً فحسب، بل كان أيضاً صوفياً وفيلسوفاً وكاتباً موهوباً، حيث ساهم في إعلاء شأن الطب الإسلامي من خلال دمج أعمال أسلافه مع ابتكاراته الخاصة.
تعكس كتاباته، التي تمزج بين المعرفة والأدب الفارسي، عمق فكره والتزامه بالثقافة الإيرانية، مما يجعله من أتباع برزويه، الطبيب الساساني الذي ساهم في إحياء الهوية الثقافية الإيرانية.
في إطار تكريم هذا الحكيم العظيم، تم تنظيم العديد من الأنشطة الثقافية والعلمية في إيران، وخاصة في محافظة كلستان.
تم تحديد يوم 30 فروردين، الذي يوافق ميلاد الجرجاني، كيوم العلوم المختبرية، بالإضافة إلى إنشاء تمثال له وتأسيس مؤسسات تعليمية ومستشفيات تحمل اسمه، مما يعكس الاحترام الكبير لمكانته.
كما أطلقت جامعة طهران للعلوم الطبية اسم الجرجاني على جائزتها المرموقة، في حين تم تنظيم مؤتمرات وطنية ودولية ونشر مجلة بحثية علمية فصلية في جولستان لتعزيز التعريف بإسهاماته في تاريخ الطب الإيراني.
لقد ساهم الحكيم الجرجاني، من خلال أعماله الفريدة، في تعزيز الطب في العالم الإسلامي وخدمة اللغة والثقافة الإيرانية.
وتظل جولستان، هذه الأرض العريقة، مصدراً للعلم والحكمة والثقافة، من خلال رعاية شخصيات عظيمة مثل الجرجاني، وإن الاهتمام بإرث هؤلاء العظماء ونشر أعمالهم يعد وسيلة لربط الأجيال الجديدة بتاريخ إيران الغني والفخور.