موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا من عنده أم الكتاب"
لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقطعه المنتهي بعبارة (يا من عنده ام الكتاب).
(ام الكتاب) مصطلح شرعي يتردد في النصوص بنحو يلفت نظر الملاحظ،، فالكتاب يتداعى باذهاننا الى القران الكريم، واما (الام)فمصطلح متععد الدلالات، ولكن ما نبتغي ملاحظته هو: الاستخدام الشرعي لهذه الكلمة او لكليهما، ونعني بهما كلمتي (ام الكتاب). فماذا نستلهم منهما؟
تشير النصوص المفسرة في احدى دلالات العبارة المتقدمة بأن المقصود من ذلك هو: سورة الحمد حيث يطلق عليها اسم (فاتحة الكتاب)، كما يُطلق عليها اسم (ام الكتاب).
اما (فاتحة الكتاب) فلانها ما يُفتتح بها سائر السور، كما تفتتح بها القراءة في الصلاة...
والذي يعنينا الان هو مصطلح (ام الكتاب) كما ورد في دعاء الجوشن الكبير ونتساءل من جديد:ماذا نستلهم من المصطلح المذكور؟
تشير النصوص المفسرة الى انها سميت بها سورة الحمد بسبب استهلال القرآن الكريم بها من حيث انسحاب كلمة (الام) على ما هو متقدم من الامور، اي ما كان لها توابع: كالقول مثلاً بان المقصود من (ام الرأس): الجلدة التي تجمع المخ وبذلك ينسحب مصطلح آخر على الكلمة المذكورة، وهي (الاصل)، اي: ان (ام الكتاب) يعني (اصل الكتاب).
هنا ينبثق سؤال جديد هو: اذا كان افتتاح سور القرآن الكريم بسورة الحمد، واطلاق (الأم) بمعنى (الأصل) او (ما هو متقدم على توابعه)، من حيث الموقع لسورة الحمد من الكتاب الكريم، فأن السؤال هو: ما هي الاهمية الدلالية المترتبة على سورة الحمد؟
ايضاً: يجب ان نتوكأ على النصوص المفسرة لهذا الجانب، فنقول: تشير النصوص المفسرة الى ان الله تعالى اودع في سورة الحمد خلاصة ما في سور القران الكريم من الدلالات العامة، اي: الدلالات المرتبطة بالربوبية والعبودية وهذا يعني: ان الحصيلة القرآنية الكريمة هي: الايمان بوجود المبدع لهذا الكون، وما يترتب من العبودية على ذلك، وبكلمة اشد وضوحاً: ان الحصيلة القرآنية الكريمة وما واكبها من السنة تتمثل في الايمان بالله تعالى، وفي الممارسة العبادية لله تعالى، وهذا هو ملخص رسالة الاسلام:
في ضوء الحقيقة المتقدمة، نتساءل اخيراً: ماذا يستخلص قارئ الدعاء من عبارة (يا من عنده ام الكتاب)؟ وهي العبارة التي ينتهي بها احد مقاطع دعاء (الجوشن الكبير)؟
الجواب: مما لاترويه فيه ان مقطع الدعاء المذكور مادام يتحدث عن جملة من صفات الله تعالى او اسمائه، حينئذ فأن الاشارة الى انه تعالى (عنده ام الكتاب) يعني: ان الله تعالى يقترن ذاته المقدسة بمفهوم الربوبية، وبمفهوم العبودية له، اي: ان قارئ الدعاء يتداعى بذهنه مفهوم (التوحيد) من جانب، ومفهوم (المهمة الخلافية او العبادية) من جانب آخر، اي: ممارسة وظيفتنا العبادية - نحن البشر - تبعاً لقوله تعالى «مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» او تبعاً لقوله تعالى (جعلنا في الارض خليفة)، وتكون الحصيلة هي: تذكيرنا بممارسة هذه الخلافة او الوظيفة.
اذن امكننا ان نتبين جانبا من النكات المرتبطة بعبارة (يا من عنده امّ الكتاب)، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة وظيفتنا العبادية، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******