بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وليّ النعم، وأزكى الصلاة والسَّلام على محمد وآله أصول الكرم، وهداة الأمم. إخوتنا الافاضل... السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، وأهلاً بكم في لقائنا هذا معكم، وجولة في ميدان من ميادين المعرفة القرآنية، ذلك ما نزل من القرآن الكريم في شأن الامام علي _عليه السَّلام_. ولا بدّ هنا- أعزتنا المؤمنين- من الإشارة الى أنّ من أسلوب كتاب الله العزيز أن يشير الى الحوادث والوقائع دون تفصيل مسهب، ودون ذكر الأسماء في الغالب، وحتى وردت الروايات والأخبار فذكرت كثيراً من التفصيلات والمشخّصات الدقيقة، ومصداق ذلك نجده في كتب: أسباب النزول، وشواهد التنزيل، والتفاسير الروائية الشريفة... وقد ذكرت هذه المؤلفات أنّ عدداً كبيراً من الآيات القرآنية المباركه كانت نازلة في شأن أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب _عليه السَّلام_مثال ذلك – ايها الإخوة الأعزّة - ما أورده المفسّر الحبريّ أبو عبدالله الحسين بن الحكم الكوفي (المتوفى سنة ۲۸٦ هجرية) في تفسيره، ورواه عنه المفسر الحنفيّ المذهب عبيدالله بن عبدالله النّيسابوري، المعروف بـ (الحاكم الحسكانيّ)، في كتابه الشهير (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل)، أنّ مجاهداً قال: (لقد نزلت في عليّ سبعون آية .. ما شركه فيها أحد).
*******
ايها الإخوة الأكارم... يشهد التاريخ أنّ الامام علياً كان السباق الى الحق والهدى، فكان قرين رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يفارقه منذ ولد وإلى أن رحل المصطفى ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الى الرفيق الأعلى، وقد واكب أمير المؤمنين الإسلام بكلّ وقائعه العظمى، ومنها: نزول القرآن، حتى روى الخوارزمي الحنفيّ في كتابه (المناقب) عن عليّ _عليه السَّلام_أنه قال: "ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيما أنزلت، وأين نزلت، وعلى من أنزلت، إنّ ربّي وهب لي لساناً طلقاً، وقلباً عقولاً" ، وفي رواية أخرى نقلها أبو الطفيل قال: قال عليّ (عليه السَّلام): "سلوني عن كتاب الله عزّ وجلّ، فإنه ليس من آية إلاّ وقد عرفت أبليل أنزلت أم بنهار، أم في سهلٍ أم في جبل".. رواه ايضاً ابن حجر الشافعيّ في (الإصابة في تمييز الصحابة)، والوصّابيّ الشافعيّ في (أسنى المطالب في فضائل عليّ بن أبي طالب). فالإمام عليّ سلام ربّنا عليه رجلٌ قرآني، من هنا روى أبن حجر في (الصواعق المحرقة) إنّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خطب الناس في أواخر أيامه الشريفة مؤكّداً على كتاب الله تبارك وتعالى فقال: " ايها الناس، يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقد قدّمت إليكم القول معذرة لكم، ألا إنيّ مخلّفٌ فيكم كتاب ربِّي عزَّ وجلََّ، وعترتي أهل بيتي". قال الراوي: ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بيد علي فقال: "هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض، فاسألوهما ما خلفت فيهما".
*******
في سورة الحمد المباركة... جاء قوله عزَّ من قائل تعليماً وإرشاداً: "اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ" أي يسأل العبد ربّه أن تقع عبادته الخالصة في صراط موصوف بالإستقامة، ذلك الصراط الذي يسلكه الذين أنعم الله عليهم، وهم غير المغضوب عليهم ولا الضاليّن، اي: صراط المؤمنين... الذي هو ثمرة العبادة، والغرض الأقصى من الإستعانة، وأعلى المقامات الإنسانية. والهداية الى الصراط المستقيم متقوّمة بطرفين: المفيض- وهو الله تعالى-والمستفيض - وهو ما سوى الله جلّ وعلا. وقد جعل الله سبحانه الدين هو الصراط المستقيم، كما في قوله: "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً" سورة الانعام ۱٦۱، وجعله مرة أخرى إتباع النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقال عزَّ وجلَّ: " وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ " (سورة الزخرف: ٦۱). والإنحراف عن الصراط المستقيم - ايها الإخوة المؤمنون - هو الوقوع في الظلمات التي لها صورٌ كثيرةٌ، يجمعها قوله تعالى " المَغضُوبِ عَلَيهِمْ " و" الضَّالِّينَ ". بقي أن نعلم، ايها الإخوة الأحبّة، أنّ الله تعالى قد كرّر لفظ " الصِّرَاطَ " في الآية التالية بقوله جلّ وعلا: " صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ " لأهمية الموضوع، هذا أوّلاً، وثانياً انّ المطلوب ليس مجرّد حدوث الهداية فقط، بل بقاؤها... وإبقائها. يعني ذلك أنّ الهداية اذا انبعثت من وجود النبي _صلى الله عليه وآله_فإنها لا بدّ ان تستمرّ بوجود الوصي _عليه السَّلام_ومن هنا جاءت هذه الروايات الشريفة كاشفة لبعض أسرار آية الصراط المستقيم. روى الحاكم الحسكانيّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل) قول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لعليّ (عليه السَّلام): " انت الطريق الواضح، وأنت الصراط المستقيم". كذا روى عن ابي بريدة في قوله تعالى: "إهدنا الصراط المستقيم" قال: صراط محمد وآله. كذا روى الحسكاني باءسناده عن ابن عباس في بيان الآية: قولوا معاشر العباد: إهدنا الى حبّ النبي وأهل بيته. ثم روى عن الصحابي الجليل جابر الأنصاري أنّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: " إنّ الله جعل علياً وزوجته وأبنائه حجج الله على خلقه، وهم ابواب العلم من أمتّي، من اهتدى بهم هدي الى صراط مستقيم". أمّا حذيفة بن اليمان، فقد روى هذا الإنباء عن النبي المصطفى ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو قوله: " إن تولّوا عليّاً، ولن تفعلوا، تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق". والى لقاء طيب آخر معكم – اخوتنا الأماجد - نرجو لكم أهنأ الاوقات والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.