لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة للأئمة عليهم السلام، وهي ما يطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة) تمييزاً لها عن سواها من حيث حجمها ودلالتها وبلاغتها ...
المهم: حدثناك في لقاءات سابقة عن مقاطع متسلسلة من هذه الزيارة، ووصلنا الى مقطع يقول ان الله (اصطفاكم بعلمه وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته ...الخ).
هنا قبل ان نحدثك عن الفقرة الاخيرة من المقطع وهو (اجتباكم بقدرته)، حيث حدثناك سابقاً عن الفقرات الاخرى ... لكن نعتزم لفت نظرك الى نقطة سبق ان ذكرناها الا اننا نعيدها ونضيف اليها، انك لو دققت نظرك في عبارات هذا المقطع لوجدتها متجانسة في دلالتها، فالعبارة "اصطفاكم" والعبارة "اختاركم" والعبارة "اجتباكم" كلها تشير الى دلالة متماثلة هي: الانتخاب، ولذلك فان غالبية اللغويين يرونها ـ كما اشرنا سابقاً ـ ذات مضمون واحد، ولكننا قلنا ان لكل منها دلالتها المشتركة "وهي انتخاب الشخصية"، ولها ايضاً دلالتها المفترقة حيث ان الاختيار هو من الخيرة، والاصطفاء هو من الصفاء والاجتباء هو من خصوصية الشيء لصاحبه...
من هنا نحدثك الان عن سمة "اجتباكم" وننتقل بعدها الى الفقرات الاخرى من المقطع.
بعض المصادر اللغوية تشير الى ان عبارة "اجتبى" هو خص به ذاته، وهذا يعني ان منشئ الدعاء (وهو الامام الهادي(ع)) حينما يقول عن الائمة ان الله تعالى "اجتباكم بقدرته" فهذا يعني دلالة خاصة لا باس بان نلقي بعض الانارة عليها، فنقول اذا كان الاجتباء هو ان يخص الله تعالى الائمة لنفسه، فهذا يعني انه تعالى منحهم عليهم السلام من السمات الطاهرة تبعاً لما روي بضرورة ان يتخلق البشر باخلاق الله تعالى من جانب، وتبعاً لما ورد انه تعالى خلق محمداً(ص) وعلياً(ع) وسائر اهل البيت عليهم السلام من النور، وهو النور من الله تعالى بطبيعة الحال ... لذلك نجد هذه العبارة "اجتباكم بقدرته" تختلف عن العبارات السابقة التي تتحدث عن العلم والغيب والسر، بل تتحدث عن الخلق بدليل ان الدعاء ذكر "قدرة" الله تعالى وصلتها بشخصيات الائمة عليهم السلام أي ان قارئ الدعاء يستخلص بان الله تعالى خلق الائمة عليهم السلام من النور الخاص به، وهو يتناسب ايضاً مع عبارة "اجتبى" التي تعني ـ كما قال اللغويين ـ ان يخص القائل بذلك لنفسه، فتكون النتيجة ان الله تعالى خص الائمة عليهم السلام منذ ان خلقهم بالنور الخاص به تعالى، وهذا ما يتجانس ـ كما قلنا ـ بالاحاديث الكثيرة الواردة عن الشرع بان النبي(ص)وأهل البيت خلقوا من نور خاص منذ اخذ الميثاق .. من هنا ـ اعزاءنا ـ فلا غرابة ان يرتضيهم الله تبارك وتعالى لغيبه عن ادلة اطلاعهم (عليهم السلام) على الغيب يدور حوارنا الهاتفي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان، نستمع معاً:
المحاور: سماحة الشيخ فيما يرتبط بقضية اطلاع ائمة اهل الهدى ائمة اهل البيت على علم الغيب ما هي الادلة في هذا الخصوص؟
الشيخ حسان سويدان: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، اولاً لابد وان نتحدث عن امكان ان يعلم البشر او يعلم البشر علم الغيب، هذا امر في حد نفسه ممكن عقلاً لا احد من العقل يستطيع ان يقيم برهاناًعلى امتناع هذا الامر، قد يستهجنه او يستغربه بعض العقلاء لانهم لم يتعودوه وهو بحد ذاته ليس امراً عادياً، صحيح انه ليس امراً عادياً فمن هنا فنقول الامكان العقلي ثابت على قاعدة قول الشيخ الرئيس ابن سينا «كل ما قرع سمعك فذره في بقعه الامكان حتى يذودك عنه قائم البرهان»، من هنا لابد وان يتوجه حديثنا وبحثنا الى الادلة الاثباتية واقصد بالادلة الاثباتية بالآيات والروايات التي تشكل مصدراً للاستدلال في البقاء لان قد يتوقف طويلاً او قد يحتاج الى دقة لاقامة الدليل العقلي على هذا العلم ومن هنا نوجه حديثنا الى المنظر الواضح والمشرب الاصيل للاستدلال في قضايا الدين وهو الكتاب الكريم ثم نعقبه بالسنة والروايات، اذا طالعنا الآيات الكريمة التي تتحدث عن علم الغيب نجد ان هناك آيات كثيرة في الكتاب الكريم تحدثت عن علم الغيب ويمكن ان نلمح وبشكل واضح ان علم الغيب اولاً وبالذات من حيث الاساس هو من مختصات الباري عزوجل، بمعنى ان اصالة علم الغيب هو لله تعالى.
المحاور: يعني ادوات التعلم العادية لا يمكن ان تحصل على علم الغيب، يعني ليس من العلوم التي تؤخذ.
الشيخ حسان سويدان: لا لا بالكسب الاعتيادي لا، بالتعليم الالهي سنأتي ان شاء الله، من الايات مثلاً قوله تعالى في سورة الانعام«وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو»، من الايات الكريمة قول الله سبحانه وتعالى «قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا الله» «ولله غيب السموات والارض واليه يرجع الامر كله»، وآيات كثيرة، هذه طائفة، في مقابلها توجد طائفة قليلة الآيات ولكنها ايضاً واضحة من ابرزها الآية الكريمة، الآيه السادسة والعشرون من سورة الجن قوله تعالى في وصف نفسه «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً / الا من ارتضى من رسول فأنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً» على هذا الاساس يوجد استثناء في علم الغيب ويوجد تعليم الغيب هذا هو الفرق من هنا اذا اردنا ان نتحدث على مستوى الادب القرآني علينا ان نعبر بأن تعليم الغيب موجود من الله سبحانه وتعالى بأدواته من خلال الملائكة او من خلال خلق اعظم من جبرئيل هذه قضايا نأتي بها في المرحلة الثانية من خلال السنة الشريفة والروايات الشريفة اذن فالقران الكريم اثبت بالفعل اطلاع من الله سبحانه وتعالى للرسول وللبشر في الحقيقة، واذا امكن لبشر فهو ممكن لكل البشر اذا دل دليل على ذلك.
المحاور: او ان يكون هذا الرسول معلم لآخرين وينقل لهم علم الغيب، يعلمهم الغيب بالواسطة.
الشيخ حسان سويدان: هذا ما حصل بالفعل فأن كثير من تعاليم القرآن الكريم هي غيب بالنسبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والقرآن الكريم يقول ما كنت تعلمه انت ولا قومك من قبل مضمون الآيات الكريمة، وعلى هذا الاساس فهناك مساحة واسعة من القرآن الكريم تحدثت عن قضايا هي غيب بالنسبة للامة الاسلامية ابلغها لرسول الله، ورسول الله علمها ايضاً للامة.
المحاور: بأعتبار ان الاحاديث ايضاً صريحة بهذا المعنى ولكن سماحة الشيخ لو سمحتم نوكل الحديث عن النصوض الروائية الحديثية فيما يرتبط بهذا الجانب الى اللقاء المقبل، شكراً جزيلاً.
*******
نتابع احباءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان بان نتجه الى سمات اخرى تأخذ نمطاً آخر من الصياغة في الزيارة الجامعة وهي (اعزكم بهداه، وخصكم ببرهانه، وانتجبكم لنوره، وايدكم بروحه ...الخ).
واضح ان هذه السمات الجديدة تختلف عن سابقتها بجملة امور، وتشترك معها بجملة امور ايضاً ... فالمشتركات هي الطبيعة التكوينية للأئمة عليهم السلام حيث تختص بما هو قدسي يختلف عن سائر البشر، واما المفترقات فهي طبيعة الوظائف التي يضطلعون بها تبعاً لما رسمه تعالى من الخصوصيات ومنها انه تعالى في المقطع الذي نتحدث عنه (اعز الائمة عليهم السلام بهداه، وخصهم ببرهانه، وانتجبهم لنوره، وايدهم بروحه، ورضيهم خلفاء ...).
طبيعياً ان كل واحدة من السمات المذكورة تحتاج الى توضيح، فمثلاً قوله(ع) "انتجبكم لنوره" يختلف عن قوله "ايدكم بروحه"، حيث يتطلع قارئ الدعاء الى معرفة الفارق بين "النور" و"الروح" وهما ينتسبان الى الذات الالهية المقدسة ... وكذلك "العز" و"البرهان" كل سمة تختلف عن اختها، وذلك جميعاً يتطلب وضوحاً كما قلنا، وهو ما نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا لزيارة المعصومين عليهم السلام باستمرار، وان يوفقنا الى ان نتأسى بهم انه ولي التوفيق.
*******