لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة، التي يطلق عليها (الجامعة الكبيرة) تمييزاً لها عن الزيارات الاخرى التي تحمل اسم "الجامعة"، حيث يزار بها ائمة اهل البيت (عليهم السلام) ... وتتميز هذه الزيارة بكونها قد استهدف قائلها وهو الامام علي الهادي(ع) ابداعها دلالات خاصة بليغة، حدثناك عنها في لقاءات سابقة، ونواصل حديثنا عن بعضها الآخر بحسب تسلسل الزيارة، حيث وصل بنا الحديث الى المقطع الذي اردف به جملاً متتابعة من سمات الائمة (عليهم السلام) على النحو الآتي: (اشهد انكم الائمة الراشدون، المهديون، المعصومون، المكرمون، المقربون، المتقون، الصادقون، المصطفون، المطيعون ...).
هذه السلسلة من السمات حدثناك عن اثنين منها هما: سمة الراشد والمهدي، ونحدثك عن السمة الثالثة وهي المعصوم ... فماذا تعني هذه السمة؟
للأجابة عن هذا السؤال نتعرف بصورة اجمالية على ادلة عصمتهم (عليهم السلام) فهذا مما يعنينا على فهم المراد من هذه السمة، وهذا ما نستمع له معاً في هذا الحوار الهاتفي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان:
*******
المحاور: سماحة الشيخ تحدثت الكثير من الكتب الكلامية عن الادلة القرآنية والحديثية عن عصمة اهل البيت سلام الله عليهم حبذا لو تعرفونا في هذه العجالة على نظرة اجمالية عامة عن هذه الادلة؟ تفضلوا.
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، طبعاً الحديث عن العصمة هنا يراد منه الحديث عن عصمة السفراء الالهيين يعني عصمة الانبياء والائمة عليهم جميعاً افضل الصلاة والسلام وبما ان الحديث في ذيل شرح زيارة الجامعة فنركزه للحديث عن عصمة الائمة من اهل البيت (عليهم السلام)، اولاً وقبل كل شيء اود ان اتحدث عن لابدية العصمة بلحاظ اننا من المفروض اننا فرغنا ان ائمة اهل البيت (عليهم السلام) هم خلفاء الرسول الاعظم في صون الشريعة المقدسة والحفاظ عليها وفي تبليغها نقية صافية بأقوالهم وافعالهم الى الامة الى الانسانية جمعاء، هذا التصور لاينفك بطبيعة الحال عن ضرورة العصمة لاننا امام شريعة معصومة، امام كتاب معصوم، وهو القرآن الكريم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وامام هذا الواقع الواضح لدى المسلمين كافة فأنه لابد وللقائم على الكتاب تبياناً وحفظاً وتبليغاً للامة من ان تكون هناك سنخية بينه وبين الكتاب بمعنى لابد وان يكون معصوماً كالكتاب اوضح هذه النقطة اكثر فأقول لا يمكن ان يكون الباري عزوجل الذي هو العصمة والمعتصم، لا يمكن عزوجل ان يكون معصوماً عن كل شيء وانزل الينا قرآناً، شريعة معصومة ثم يأتي ويختار لتبليغها وتنفيذها قولاً وفعلاً انساناً لا يكون معصوماً بنفس العصمة الموجودة في هذا الكتاب طبعاً من جهة توصيف العصمة والا فالكتاب كما انزل الكتاب لان المعصوم يكون معصوماً من خلال اختياره لهذه العصمة من هنا اقول لابدية العصمة للانسان الذي يكون قائماً على شريعة معصومة امر واضح وبديهي وفي تقديري تصوره يكفي للتصديق به.
المحاور: سماحة الشيخ فيما يرتبط بتنوع الادلة، هل يمكن ان يكون دليلاً عقلياً؟
الشيخ حسان سويدان: هذا في الحقيقة دليل عقلي، دليل نقض الغرض يعني ينقض غرض الباري لو انه نصب انساناً غير معصوم، تأتي وتقول لي ما الدليل على نصب ائمة اهل البيت؟
المحاور: نعم لكن نريد الاشارة الاجمالية هل ان الايات تدل على ذلك؟
الشيخ حسان سويدان: نعم الآيات واضحة، القرآن الكريم يأتي على رأس هذه الآيات قوله تعالى «واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماماً، قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» لا ينال عهدي الظالمين اشارة الى ان الامامة التي هي عهد الله سبحانه وتعالى لا يمكن ان يلقاها انسان ظالم قد ظلم نفسه حتى ولو في لحظة من اللحظات.
المحاور: يعني هذا تأييد للدليل العقلي؟
الشيخ حسان سويدان: نعم بلاشك ولا ريب، العمدة فيما ركزت على القضية العقلية لانها قريبة الى الاذهان وواضحة وبديهية، انا اقدر ان القضية بديهية.
المحاور: جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ حسان سويدان.
*******
لا نعتقد ان احدنا يجهل دلالة (العصمة) بين اننا نستهدف من القاء المزيد من الضوء عليها من حيث صلتها بباقي السمات، ومن حيث دلالتها الاشمل سعة ... فماذا تعني هذه السمة؟ سؤال نطرحه من جديد ونجيب عنه:
المعصوم بالنسبة الى الائمة (عليهم السلام) فضلاً عن عصمة النبي(ص) وفاطمة الزهراء عليها السلام هو ما ينسحب عليه مفهوم العصمة من شيئين هما: الذنب والخطأ ...
ان الشخصية العادية من الممكن ان تعصم نسبياً من الذنب، ولا تمارس منه الا اللمم وهذا ما عرض له القرآن الكريم عندما رسم لنا ملامح الشخصية المؤمنة التي تتجنب كبائر الاثم الا اللمم، لكن بالنسبة الى السلوك العقلي او الفكري من الصعب ان نقرر امكانية ان تعصم شخصية عادية من ذلك، وبعبارة اشد وضوحاً ان العصمة نوعان: عصمة من ممارسة الذنب الذي يترتب عليه العقاب مثل الذنوب التي يطلق عليها مصطلح المحرم وما يطلق على القسم الآخر مصطلح المكروه بل يمكننا ان نضيف الى ذلك نمطاً ثالثاً هو المباح حيث ان الشخصية غير العادية لا تمارس حتى المباح بل تحصر سلوكها في ممارسة الواجب والمندوب وتعتبر ما عداهما ذنباً، سواء اكان على مستوى الحرمة او الكراهية او الاباحة.
وهذا كله على صعيد العصمة من الذنب ... ولكن ماذا عن العصمة من الخطأ؟
من الواضح، ان الكمال لله وحده، فمن المستحيل ان نجد شخصاً عادياً لا يصدر عنه الخطأ الفكري أي ادراك حقائق الاشياء، حيث ان البشرية طوال التاريخ تمر بمراحل متنوعة من التطور او التغير مما يكشف ذلك عن العصمة من النقص او الخطأ مستحيل، والا لما كان ثمة معنى لمفهوم التطور او التغير، يستدعي ذلك ان يكون الامر في نطاق العلوم الانسانية او الطبيعية، او البحثية ... وهذا فيما يرتبط ـ كما قلنا ـ بالبشر العادي.
ولكن بالنسبة الى الاربعة عشر معصوماً وكذلك الانبياء ... فان الخطأ الفكري منفي عنهم بلا شك ... وذلك لسبب بسيط هو انهم اذا كانوا معرضين لخطأ في سلوكهم الفكري حينئذ فان انسحابه على السلوك العبادي يظل من الوثاقة بمكان.
اذن يتعين على الشخصية العبادية التي اصطفاها الله تعالى للنبوة او للامامة ان "تعصم" من الذنب ومن الخطأ بالنحو الذي حدثناك عنه، وهو ما ينسحب على شخصيات الزيارة التي نتحدث عنها، وهم الائمة (عليهم السلام) حيث وصفهم النص بانهم المعصومين كما لاحظنا.
في الختام: نسأله تعالى ان يوفقنا لولاية هؤلاء المعصومين (عليهم السلام)، وان يحملنا ذلك على الافادة من توصياتهم، وتدريب ذواتنا على ممارسة وظيفتنا العبادية بالنحو المطلوب.
*******