البث المباشر

يحيى السنوار.. الرجل الذي طارد الردى

السبت 19 أكتوبر 2024 - 19:45 بتوقيت طهران
يحيى السنوار.. الرجل الذي طارد الردى

في مشهد صامت رهيب يحبس الأنفاس، يظهر فيه رجل ملثم مثخن بالجراح، داخل منزل مهدم، يبدو أنه قد خرج توا من معركة شرسة، بُترت إحدى ساقيه، فيما كانت يده اليمنى تنزف، لم يبق ما يدافع به عن نفسه سوى عصا كان يحملها بيده اليسرى، ويلوح بها مهددا شخصا ما أو شيئا ما، كان يتحاشى الاقتراب منه.

الرجل، لم يكن سوى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد البطل، مهندس طوفان الأقصى، الشهيد يحيى السنوار. والمكان هو تل السلطان في مدينة رفح، والذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن موقع لقوات الاحتلال الإسرائيلي متقدم في غزة.

اللافت في الفيديو، هو أن كاميرا "كواد كوبتر" التي وثقت المشهد، توحي للمشاهد، وكأن "الموت" كان يخشى أن يقترب من السنوار المضرج بالدماء، فنظرات السنوار الثاقبة من وراء الغبار والأتربة، كانت وكأنها تزرع الرعب في "قلب الموت"، الذي كان يخشى أن يقع في قبضة السنوار، الذي قذفه بعصا كانت بيده.

كان الكيان الاسرائيلي، الذي فشل على مدى عام كامل في الوصول إلى الشهيد السنوار، حاول خلال هذا العام التغطية على فشله وفشل حماته من الأمريكيين والغربيين، من خلال الترويج لأكاذيب باتت معروفة بـ"السردية الإسرائيلية" التي كانت تقول إن السنوار يتخذ من الأسرى دروعا بشرية، الأمر الذي جعل قوات الاحتلال تجد صعوبة في قتله، فإذا بالفيديو الذي بثته وسائل إعلام اسرائيلية، يقلب السردية رأسا على عقب. فظهر السنوار دون أي دروع بشرية، قاتلهم قتال الأبطال حتى الرمق الأخير.

من المؤكد أن الكيان الإسرائيلي الذي كان يبحث عن توثيق "لحظة ذلة" للسنوار، من أجل التعويض عن فشل استخباراته واستخبارت أمريكا والغرب في الوصول إلى الرجل على مدى عام، ندم كثيرا على بث هذا التسجيل، لأنه وبكل بساطة جعل من مشهد السنوار وهو يطارد الموت، يتحول إلى أيقونة ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه.

الفيديو جاء ليؤكد، أن السنوار وبعد أن يأس من وصول قوات الاحتلال الإسرائيلي إليه، قام هو بالوصول إليها، ولم يفصل بينه وبينها سوى أمتار، واشتبك معها وجها لوجه، فاستخدموا ضده الدبابات والطائرات المسيرة، دون أن يعرفوا أن الرجل الذي جاءهم على حين غرة هو السنوار، الذي عجزوا عن الوصول إليه خلال أكثر من عام.

الكيان الإسرائيلي، كان يتصور أنه من خلال بث فيديو مشهد استشهاد السنوار، يزرع اليأس والإحباط في قلوب المقاومين في غزة، فإذا به يزرع الأقدام والعنفوان في قلوبهم، وهم يرون كيف كان الموت يفر خوفا من قائدهم، فانقلب سحر نتنياهو عليه وعلى كيانه، ومنذ اليوم، على نتنياهو أن ينتظر المفاجآت من قبل رجال السنوار، وهي مفاجآت، ذاق وطأتها، من قبل أبطال حزب الله، لاسيما بعد استشهاد سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه.

وأنا أرى المشهد الأسطوري لاستشهاد السنوار، وكيف كان يرمق الردى، المتمثل بالطائرة المسيرة، وهي تخاف من الاقتراب منه، قفزت إلى ذهني بعض أبيات قصيدة "الفدائي" للشاعر إبراهيم طوقان، والتي جسدت خير تجسيد مشهد الاستشهاد، حيث يقول:

"هو بالباب واقف

والردى منه خائف

فاهدئي يا عواصف

خجلاً من جرأته

صامتٌ لو تكلما.. لفظ النار والدما

قل لمن عاب صمته... خلق الحزم أبكما

وأخو الحزم لم تزل.. يدهُ تسبقُ الفما"

فسلام على أبي ابراهيم السنوار..

يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

 

العالم

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة