الحمد لله الرؤوف الحكيم والصلاة والسلام على نبيه الاكرم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في حلقات هذا البرنامج الذي يسعى ان يعرفنا بالزاد الذي علينا ان نحمله في مسيرتنا في عوالم الوجود ومنازله.
في هذه الحلقة نلتقيكم احباءنا ضمن فقرات عدة بينها اجابات خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند على اسئلتكم، اما موضوعات فقرات لقاء اليوم فهي اعزاءنا:
- حقيقة الصراط في الدنيا والاخرة.
- من اعوان الانسان في صراط القيامة.
- مجاورة النبي وآله في الجنان.
- قصة وفاة موسى الكليم.
- عهد في الذر ولقاء على الصراط.
*******
وبالنسبة لاولى فقراته في هذه الحلقة فهي وفاء بما وعدناكم به في سابقتها فكونوا معنا وهذه الفقرة التي تحمل عنوان:
صراط الدنيا والقيامة
من الاحاديث التي تبين لنا بعبارت جامعة معنى الصراط وحقيقته هو الحديث الذي روي في كتاب معاني الاخبار عن مولانا الامام الصادق عليه السلام.
وقد رويت بمعناه احاديث كثيرة من طرق سائر المذاهب الاسلامية جمع طائفة منها العلامة الاميني (رضوان الله عليه) في كتاب الغدير، وهي احاديث مروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
وحديث كتاب معاني الاخبار مسند عن المفضل قال: سألت ابا عبد الله الصادق عليه السلام عن الصراط فقال: هو الطريق الى معرفة الله عز وجل وهما صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الاخرة.
فأما الصراط في الدنيا فهو الامام المفروض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة فتردى في نار جهنم.
ايها الاخوة والاخوات لعلكم لاحظتم ان ثمة ارتباط بين الحديث الشريف المتقدم وبين الحديث النبوي المتواتر المروي من طريق الفريقين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو: (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية).
نعم وكأن الحديث الصادقي المتقدم هو تفصيل لحديث ميتة الجاهلية، وعلى أي حال فان حديث الامام الصادق عليه السلام بدوره تفسره كثير من الاحاديث الشريفة الكثيرة المتحدثة عن الربط بين التمسك بعرى الولاية وبين عبور الصراط يوم القيامة.
ومنها الحديث المروي في عدة من المصادر المعتبرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: من سره ان يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلج الجنة بغير حساب، فليتول وليي ووصيي وصاحبي وخليفتي على اهلي وامتي علي بن ابي طالب ومن سره ان يلج النار فليترك ولايته، فوعزه ربي وجلاله انه لباب الله الذي لا يؤتى الا منه، وانه الصراط المستقيم، وانه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة.
والقاعدة العامة التي نستفيدها هو ان الانسان كلما كان اشد تمسكاً بالولاية الحقة واوامر الله وناهيه عز وجل كلما كان مروره على الصراط يوم القيامة اشد يسراً والعكس صحيح ايضاًَ.
*******
ولكن لبعض الاعمال آثاراً خاصة في اعانة الانسان على اجتياز صراط القيامة نذكر بعضها في الفقرة التالية ونكل بعضها الى الحلقات المقبلة عنوان هذه الفقرة هو:
اعوان على اجتياز الصراط الى الجنة
روي في كتاب الخصال مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال لانس بن مالك: يا انس اسبغ الوضوء تمر على الصراط مر السحاب.
وقال صلى الله عليه وآله في حديث اجوبته على اسئلة وفد اليهود المروي في امالي الصدوق وغيره.
واما صلاة العشاء الاخرة، فان للقبر ظلمة وليوم القيامة ظلمة، امرني الله وامتي بهذه الصلاة في ذلك الوقت لتنور لهم القبور وليعطوا النور على الصراط.
وجاء في مقطع حديث المعراج المروي في كتاب الامالي ايضاً مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: ورأيت رجلاً من امتي على الصراط يرتعد كما ترتعد السعفة في يوم عاصف فجاءه حسن ظنه بالله فسكن رعدته ومضى على الصراط.
ورأيت رجلاً من امتي على الصراط يزحف احياناً ويحبو احياناً ويتعلق احياناً فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه ومضى على الصراط.
وقال مولانا السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق: وحق رجليك ان لا تمشي بهما الى ما لا يحل لك، فبهما تقف على الصراط فانظر ان لا تزل بك فتتردى في النار.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ضمن حديث طويل: (ومن مرض يوماً وليلة فلم يشك الى عواده، بعثه الله يوم القيامة مع خليله ابراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع).
*******
وثمة اعوان اخرون للنجاة من اهوال الصراط نوكل الحديث عنها الى الحلقة المقبلة من هذا البرنامج الذي تستمعون اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
اما الآن فالى الفقرة المخصصة لاسئلتكم للبرنامج يجيب عنها سماحة الشيخ محمد السند في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه زميلنا نستمع معاً ...
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على مستمعينا الافاضل وشكراً لهم على طيب متابعتهم لفقرات هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل وشكراً جزيلاً ايضاً لخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند وهو يتفضل مشكوراً بالاجابة عن اسئلة البرنامج، سماحة الشيخ من الاخ علي الخفاجي من كربلاء المقدسة في العراق وردنا هذا السؤال يقول العبادات والافكار والصلاة على محمد وآل محمد هي غذاء لروح المؤمن فكيف يكون حال هذا الغذاء في الجنة هل لاهل الجنة عبادات ونظائر ذلك ام ان تنمية تكون فقط للجزء المدني من وجود الانسان؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة وردت روايات ان جماعات راقية من اهل الجنان يتنعمون بالتسبيح والحمد والتهليل ويغمسون في بحار الحمد وبحار التسبيح وبحار احقاب من الآف السنين ثم يرفع عنهم تلك الغشوة النورية فيتبرمون من الانقطاع ويقولون كأنما هي لحظة مع انهم قد غمسوا في بحر النور نور الحمد او نور التسبيح او ما شابه ذلك، احقاباً من الاف مؤلفة من السنين كما مضمون هذه الروايات الا انه لشدة شاهد الحلاوة التي يتنعمون بها في هذه الاذكار تنسيهم طول هذه المدة، وكما ورد في مقولة الزهراء سلام الله عليه تخاطب اباها بعد وفات النبي صلى الله عليه وآله (ان الجنة منعمة الآن بصلاتك ودعاءك وتهجدك لله تعالى)وكما ورد في الروايات ان النبي في مقامات ومشاهد عديدة في عرصات القيامة وعند دخول الجنة قبل ان يتوسل الى الله بان يعطيه الشفاعة وما شابه ذلك يسجد لله تعالى فما يدلل على هذا الطور من الذكر والعبادة ليس ينقطع ويدل على كل ذلك بشكل عام ما هو مقرر من ان الدين ليس مخصوصاً بدار الدنيا، الشريعة تفترق عن الدين الشريعة مخصوصة لدار الدنيا لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجاً، واما الدين وهو مجموعة عقائد او اركان الفروع من العبادة والذكر وما شابه ذلك ومكارم الاخلاق ومضاف العقائد التي هي من دائرة الدين هذه تعم كل العوالم وتعم كل المخلوقات وله اسلم من في السماوات ومن في الارض.
المحاور: يعني من في السماوات محتمل ان يكون من ضمنهم اهل الجنة؟
الشيخ محمد السند: نعم، وكذلك كل شيء يسبح بحمد ربه وما من طائر يطير بجناحين الا هو من امثالكم ولكن لا تفقهون تسبيحهم، الشريعة قد تكون للثقلين وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ، ولكن الدين ليس خاص بالثقلين بل الدين هو دين للملائكة وهو دين للارواح ودين لكل المخلوقات الارضية كانت او في نشآت اخرى، لان هي العلاقة بين المخلوق والخالق هو الدين وله الدين واصباً والتوحيد في الواقع لا يتعقل ان يكون مخلوق مقرب لا يدين الله بالتوحيد او لا يدين لله، اذن الدين عام بما فيه ذكر الله والعبودية لله والطوعانية لله، غاية الامر ان الطوعية تتخذ اشكالاً مختلفة كيفية الطوعانية والعبودية لله تعالى.
المحاور: يعني حسب ذلك العالم؟
الشيخ محمد السند: نعم كل بحسبه وبحسب موارده الا ان الكل يدين لله تعالى بالذكر والعبادة والطوعانية والتوحيد والاقرار بوجود الوسائط.
المحاور: طيب بالنسبة للقضية الثانية التي ذكرها الاخ ان التنعمات في الجنة هل هي في الواقع تغذية للجانب المادي في الانسان فقط ام ان فيها تنعمات اعم من ذلك، يعني تشمل تغذية الجانب الروحي في الانسان كما ذكرت ان هناك جملة من الروايات تدل على ان اهالي الجنان تنعماتهم روحية وربما لا يلتفتون للتنعمات البدنية ولا يأبهون بها كثيراً وقد ذكر ذلك الصدوق رحمة الله عليه في كتابه الاعتقادات.
المحاور: جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ محمد السند، وجزاكم الله خيراً ايضاً مستمعينا الافاضل وانتم تتابعون مشكورين ما تبقى من فقرات برنامج عوالم ومنازل في حلقته هذه فكونوا مع زملانا.
*******
روى الشيخ الصدوق في اماليه مسنداً عن محمد بن عمارة عن ابيه قال:
قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: اخبرني بوفاة موسى بن عمران عليهما السلام فقال عليه السلام: انه لما اتاه اجله واستوفى مدته وانقطع اكله اتاه ملك الموت، فقال له: السلام عليك يا كليم الله.
اجاب موسى: وعليك السلام، من انت؟
قال: انا ملك الموت فسأله موسى، ما الذي جاء بك؟
اجاب: جئت لاقبض روحك هنا ساله موسى عليه السلام: من اين تقبض روحي؟
اجاب: من فمك فقال له موسى: كيف وقد كلمت به ربي جل جلاله!
فقال ملك الموت: فمن يديك.
قال: كيف وقد حملت بهما التوراة.
قال: فمن رجليك.
قال: كيف وقد وطئت بهما طور سيناء.
قال: فمن عينيك؟
قال: كيف ولم تزل الى ربي بالرجاء ممدودة!
قال: فمن اذنيك؟
قال: كيف وقد سمعت بهما كلام ربي عز وجل.
واثر هذا الحوار بين موسى الكليم وملك الموت عليهما السلام حدث تغيير في اجل الكليم موسى.
نعم فقد جاء في تتمة الرواية قول الصادق سلام الله عليه، فاوحى الله تبارك وتعالى الى ملك الموت، لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك.
ثم قال الصادق عليه السلام: وخرج ملك الموت، فمكث موسى عليه السلام ما شاء الله ان يمكث بعد ذلك، ودعا يوشع بن نون، فاوصى اليه وامره بكتمان امره، وبان يوصي بعده الى من يقوم بالامر.
قال الصادق عليه السلام: وغاب موسى عليه السلام عن قومه، فمر في غيبته برجل وهو يحفر قبراً، فقال له: الا اعينك على حفر هذا القبر؟
فقال له الرجل: بلى، فاعانه حتى حفر القبر وسوى اللحد، ثم اضطجع فيه موسى بن عمران عليه السلام لينظر كيف هو.
ثم يبين الامام الصادق سلام الله عليه، نفحة من اللطف الالهي بعباده وكيف ييسر لهم صعوبة الانتقال الى الدائر الاخرة.
قال عليه السلام في بيان ما جرى بعد اضطجاع موسى في القبر: فكشف له عن الغطاء فرأى مكانه من الجنة، فقال: يا رب اقبضني اليك.
فقبض ملك الموت روحه وهو في مكانه ودفنه في القبر وسوى عليه التراب.
قال الصادق عليه السلام: وكان الذي يحفر القبر ملكاً في صورة آدمي، وكان ذلك في سني التيه، فصاح صائح من السماء مات موسى كليم الله، فاي نفس لا تموت؟!
*******
وليكن مسك ختام هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل ابيات من الشعر نروح بها القلوب، وهي في باب التوسل الى الله بمن جعل الله بايديهم مفاتيح النجاة من اهوال منزل الصراط يوم القيامة.
ومنها قول الاديب الولائي علاء الدين الحلي مخاطباً اهل بيت النبوة عليهم السلام:
يا صفوة الجبار يا مستودعي
الاسرار يا من ظلهم لي مقصد
عاهدتكم في الذر معرفة بكم
ووفيت ايماناً بما اتعهد
ووعدتموني في المعاد شفاعة
وعلى الصراط غداً يصح الموعد
فتفقدوني في الحساب فأنني
ثقة بكم لوجوهكم اتقصد
ومنه جميل هذه الاشعار قول بعض الادباء:
فاستمسكن بالعروة الوثقى التي
لم تنفصم عنه ولم تنفلت
تمش على الصراط لم تلتفت
في قدم راس وقلب مثبت
حتى تجوز سالماً سوياً
الى جنان الخلد في اعلى الرتب
اذ ينثني كل امرء مع من احب
موهبة ممن له الشكر وجب
فهو ابر خالق وخير رب
عز وجل ملكاً قوياً
وختاماً نستودعكم الله احباءنا بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******