ويرى كثيرون أن المقال كان غير مهني ومنحازاً إلى السرديّة الإسرائيلية وغير لائق بتراث المجلّة، التي تميل إلى اليسار.
ونشرت المجلة أسفا لنشره، على أن توضح السبب، وقالت «تأسف «غيرنيكا» لنشرها هذا المقال، وقد تراجعت عنه. سيتبع ذلك تفسير أكثر شمولاً».
لكن ذلك لم يحدث إلى الآن. وكتب آرتشر: «الوقت الطويل الذي نستغرقه في صياغة هذا البيان يعكس فهمنا لخطورة المخاوف التي أثيرت، والتزامنا الحاسم بالتعامل معها بشكل موضوعيّ».
ومن المستقيلين ناشر المجلة المشارك السابق، مادهوري ساستري، التي وصفت مقال «من حواف عالم محطّم» للكاتبة الإسرائيلية جوانا شين بأنّه «اعتذار للصهيونية، ومحاولة للتخفيف من عنف الاستعمار ووقع الإبادة الجماعية في فلسطين»، داعية على موقع إكس إلى «مقاطعة ثقافية للمؤسسات الإسرائيلية».
وأضافت أن نشر مقال تشين ينتهك روح المجلة «المناهضة للإمبريالية»، مضيفة أنّها «تشعر بالخجل الشديد لرؤية هذه المقالة في صفحات المجلة، وأعتذر بصدق للكتّاب والقرّاء والمؤيدين الذين يشعرون بالخيانة بسبب هذا القرار المبهم»، مطالبة باستقالة رئيسة التحرير جينا مور نجارامبي. وكتبت تشين في مقالها، الذي ما لبث أن أزيل عن موقع المجلّة، عن تجاربها الشخصية (كإسرائيلية) في التعامل مع الفلسطينيين ومحاولاتها المزعومة لجسر الفجوة معهم.
ومضت إلى الاستنتاج أن جهودها لإيجاد أرضية مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تعثّرت بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول والحرب المستمرة على قطاع غزة، إذ لم يعد ممكناً أن تساعد الأطفال الفلسطينيين للحصول على مساعدة طبيّة بعد الذي قامت به «حماس» على حد تعبيرها.
وأعادت مجلات ومواقع يمينية في الولايات المتحدة نشر المقال، ورأى بعضها أن تصرّف المحررين في المجلة أشبه بـ «حرق كتب افتراضي»، و»قمع لحريّة التعبير».
وهذا ما دافع تشين للدفاع، معتبرةً أنّ منتقديها «أساءوا فهم مقاصدها»، وأكدت أنّها تحادثت بشأن مضمون النصّ قبل نشره مع جينا مور نجارامبي، لكن أحداً من المحررين لم يتواصل معها منذ إزالته عن الموقع.
وكان عدد من محرّري المجلة قد أعلنوا استقالتهم منها عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجاً على نشر المقال. وكتبت إبريل تشو، كبيرة المحررين، إن نص تشين «يفشل أو يتجنب عمداً تتبع شكل السلطة ـ في هذه الحالة ـ كقوة استعمارية إمبريالية عنيفة تجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم بشكل ممنهج وتاريخي».
وذهبت إيشيتا مروة، التي استقالت من منصبها كمحررة للقسم الأدبي إلى القول إن نشر المقال جعل المجلة «ركيزة لاستعمار العرق الأبيض، وتلميعاً للشرّ الذي يتنكّر في زيّ الخير».
لكن المستقيلين تعرّضوا لانتقادات شديدة من قبل كتّاب وصحف اليمين الأمريكي، ونشرت عدة مقالات في نقد خطوتهم، واتهموا بـ «الضمور الأخلاقي».
وتعكس أزمة «غيرنيكا» المستمرة توتراً غير مسبوق في المجتمع الأدبي في الولايات المتحدة والغرب عموماً بسبب الحرب الوحشية التي يشنها الإسرائيليون على قطاع غزة. ويشعر مزيد من الكتّاب والأدباء الذين يمتلكون حداً أدنى من النزاهة الأخلاقية بالحرج من الإبادة الشاملة التي يتعرض لها الفلسطينيون بتغطية صريحة من حكومات الديمقراطيات الغربيّة.