الحمدلله الحي القيوم القائم بالقسط والعدل، والصلاة والسلام على موازين عدله وقسطه محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته. نذكركم في مطلعها بعناوين فقراتها:
- حقيقة وزن الاعمال
- اعمال المعصومين ميزان الاعمال
- حسن الظن بالله والولاية مفتاح النجاة
وضع الموازين القسط يوم القيامة هو مستمعينا الافاضل من المواقف المهمة التي ينبغي ان يهتم بها كل من يفكر بمستقبله في الحياة الخالدة، اي في الحياة الآخرة.
وقد نبهتنا كثير من آيات الذكر الحكيم الى هذه الحقيقة كما اشرنا لذلك في الحلقة السابقة من البرنامج، وعرفنا ان القرآن الكريم يقرر بكل صراحة ووضوح امرين:
الأول ان ثقل الموازين هو سبب النجاة ودخول الجنة في عيشة راضية وحياة كريمة.
والثاني ان خفة موازين الاعمال هو سبب السقوط في دركات النار الحامية حيث العذاب الأليم والحياة البائسة التي لاموت يخلص منها.
فما معنى ثقل موازين الاعمال وخفتها؟
وما معنى وضع هذه الموازين يوم القيامة؟
*******
هذا ما نحاول التعرف عليه في الفقرة التالية اخترنا لها عنواناً هو:
حقيقة وزن الاعمال
قال الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في كتاب الاعتقادات:
الموازين هي التعديل بين الاعمال والجزاء عليها ووضع كل جزاء في موضعه وايصال كل ذي حق الى حقه.
ثم قال رحمه الله، وانما توصف بالثقل والخفة على وجه المجاز، والمراد بذلك ان ما ثقل منها هو ما كثر واستحق عليه عظيم الثواب. وما خف منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب.
ثم قال رضي الله عنه: والخبر الوارد في ان امير المؤمنين والائمة من ذريته (عليهم السلام) هم الموازين، فالمراد انهم المعدلون بين الاعمال فيما يستحق عليها.
اما الفيلسوف الشهيد صدر الدين محمد الشيرازي، فقد قال في كتابه (الحكمة المتعالية) عن معنى ميزان الاعمال ما ملخصه:
اعلم ان لكل عمل من الاعمال البدنية تأثيراً في النفس، فإن كان من الحسنات والطاعات فله تأثير في تنوير النفس وتخليصها من اسر الشهوات وجذبها من الدنيا والمنزل الأدنى الى المنزل الأعلى، وبقدرما تكثر الحسنات يزداد مقدار التأثير والتنوير.
ثم قال رضوان الله عليه: وكذلك لكل عمل من الاعمال السيئة قدر معين من التأثير في اظلام جوهر النفس وتعليقها بالدنيا وشهواتها، فإذا تضاعفت المعاصي والسيئات ازدادت ظلمة النفس شدةً وقدراً.
ثم قال (رضوان الله عليه): وكل ذلك محجوب عن مشاهدة الخلق في الدنيا وعند قيام الساعة وارتفاع الحجب ينكشف لهم حقيقة الامر في ذلك ويرى كل احد مقدار سعيه وعمله ويرى رجحان احدى كفتي ميزانه وقوة مرتبة نور طاعته او ظلمة كفرانه.
من هنا يتضح مستمعينا الاعزاء، ان موقف وزن الاعمال يوم القيامة هو موقف ظهور قدر ووزن حقيقة الانسان نفسه وما فعلته فيه اعماله.
فالأعمال الصالحة تجعل حقيقة الانسان نورانية والنور وجود حقيقي ولذلك فإنه يثقل ميزان الانسان.
اما الاعمال السيئة فهي تجعل حقيقة الانسانية ظلامية، والظلمة في حقيقتها الوجودية محض العدم، ولذلك فهي تجعل ميزان الانسان خفيفاً.
اي ان الاعمال الصالحة توجد في الانسان القوى والكفاءات التي تؤهله لدخول الجنة والحياة الكريمة الراضية فيها.
اما الاعمال السيئة فهي التي تحرمه من هذه القوى وتسلبه الفطرية في وجوده منها وتدمرها فيكون وزنه خفيفا.
وبالتالي لا يكون جديراً بالحياة الكريمة في الجنة بل عاجزاً عن دخولها لعدم قدرته على التمتع بنعيمها.
مستمعينا الاكارم، اما بالنسبة لمعنى كون اولياء الله المقربين (عليهم السلام) هم موازين الاعمال، فهذا ما سنتناوله في الحلقة المقبلة من البرنامج بمشيئة الله وعونه.
*******
اما الآن فننقل الميكرفون الى زميلنا لكي يتصل بضيفنا سماحة الشيخ محمد السند ليعرض عليه احد اسئلتكم للبرنامج.
وسؤال هذه الحلقة اعزاءنا يرتبط ايضاً بموضوعها اي موازين الاعمال، نعتذر سلفاً عن طول الاتصال الهاتفي بسبب اهمية السؤال وتشعبات فروعه، نستمع معاً:
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند من الاخ الجابري من العراق وردنا سؤال يسأل فيه عن وزن الاعمال، ان الاعمال توزن يوم القيامة؟ والوزن هل يكون اعمال المعصومين عليهم السلام تقارن باعمال المعصومين وتأخذ الرتبة بما يتناسب مع اعمال المعصومين تفضل؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين، نعم في الحقيقة ورد انهم هم الموازين القسط التي تقام يوم القيامة وتنصب وتوزن اعمال الناس وسائر البشر عليها وفي الحقيقة الميزان هو الشيء الذي يوزن به الشيء وكل شيء يناسبه ميزان معين مثلاً من باب المثال نرى ان الدرجة الحرارية لا توزن بمكيال الاثقال وانما توزن بذلك الزأبق الخاص الذي يقدر درجة ارتفاعها وهبوط الحرارة وكذلك مثلاً نبضات القلب ودرجة ضغط الدم يوزن بجهاز آخر وبآلية آخرى مثلاً الضوء كذلك شدة الرياح وقوتها كل بما يناسبه، بالحقيقة ايضاً اعمال الانسان صفات الانسان ذوات الانسان هناك ربما يضن الضان ان الميزان فقط ميزان الاعمال هناك ميزان للصفات ايضاً هناك ايضاً ميزان للذوات.
المحاور: الحمد لله سماحة الشيخ بدأتم بالاجابة عن الشطر الثاني من السؤال هو سأل في الواقع عن هل يعني ميزان يعني ظهور حقيقة اعمال الانسان في الحياة الاخرى في الحياة الاخرى او في يوم القيامة؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة ما يظهر من حقيقة اعضاء الانسان وصفاته وعقائده هي توزن باعمال او صفات او ذوات اخرى معصومة.
المحاور: حتى العقائد؟
الشيخ محمد السند: نعم حتى العقائد، وفي الحقيقة ميزان العقائد من ابلغ واهم واخطر الموازين يفوق ميزان الصفات وميزان الاعمال ولا يكون لكل الميزان في جنبة من ميزان عقائد الموازين الاخرى من الاعمال والصفات له خطب كبير، في الحقيقة ميزان العقائد هو ذلك الميزان المهم والاهم نعم حتى العقائد لها وزن وميزان، ولربما يبين اهل المعارف انه مثلاً البرهان ميزان طبعاً هذا ميزان في الادراك والعلم الحصولي وفي التمثل الدنيوي والا في دار الاخرة تظهر التمثلات الموازين العقائدية بنحو امور اخرى كثيرة ولربما مثلاً رويت بعض الروايات في ميزان الامور من اعمال وصفات وعقائد بنورانية روح الانسان ونفسيته حتى القرآن الكريم بين بعض هذه الاشارات والحالات والمشاهدات، هذه نوع من العلامات الميزانية لبيان بعض الصفات او بعض العقائد او ما شابه ذلك، او ان في علامة الكفر وتردي القلب في العقائد ان يختم على القلب او يكون عليه وقر او يكون سداً امام بصيرة القلب وما شابه ذلك، انها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، في الواقع هناك علامات وموازين متعددة بالجوانب العقائدية استعرضتها كثير من الآيات وسوف تتمثل حتى في دار الآخرة.
المحاور: وكلها تقارن توزن مقارنة حتى بعقائد المعصومين عليهم السلام؟
الشيخ محمد السند: نعم بالتالي تعرف انه الدرجات العشرة من الايمان باعتبار ما للمعصوم من درجات عالية، فبالتالي يقايس ويقارن بالميزان بالتالي اليه ومن ثم مثلاً يقال من في الدرجة العاشرة او الثامنة او التاسعة او الاولى، وما فوق درجات الايمان تأتي درجات اليقين وما فوق درجات اليقين تأتي درجات التقوى ثم درجات اليقين ثم درجات الاحسان، في الواقع هذه الدرجات وهذه المقامات التي شرحت بعض الشيء في بدء خلقة النبي وأهل بيته هذه في الواقع ايضاً تعاود التمثل والظهور في الدار الاخرة ولربما لا سامح الله الانسان لا يكون له نصيباً من بحور من الكمالات العقائدية في المقامات المختلفة ربما يكون له بعض الدرجات في مقام من المقامات اما بقية المقامات والذي شاهد صحيفة اعماله القلبية الشاهد ان صحيفة قلبه او صفاته او اعماله وبالذات صحيفة قلبه خلواً من المقامات العالية في العقائد وانما له نصيب من بعض الدرجات من احد المقامات وهذا ما يدلل على انه الى معرفة مقاطع والمقامات والمنازل ذاتية وفي كمال الذات فضلاً عن الصفات والاعمال انما تعرف بما للمعصوم من مقامات وكمالات وبالتالي يقايس ويوزن ويحدد نصيب كل من الصالحين او المتقين او اهل اليقين او اهل الاحسان او اهل الصدق او الصديقين او اهل الحكمة وغيرهم من المقامات بما عند المعصومين من في الواقع جنان الكمالات وجنات الكمالات الذاتية من العقائد، اذن في الحقيقة لابد هناك واقعية مترامية الكمال والسعة في الواقع يقارن ويقايس ويوزن بقية الواقعيات المحدودة اليها وبالتالي تكون تلك الواقعية بما لها من وسع وذات عرض عريض وذات درجات متفاوتة طولاً نعم يمكن بتوسطها اكتشاف ما للآخرين من نصيب وما لهم والعياذ بالله من خسران.
اما الآن فنقدم لكم اعزاءنا فقرة ًادبية ًعقائدية وروائية تحمل عنوان:
حسن الظن بالله والتمسك بالولاية
المستفاد من كثير من النصوص الشريفة ان حسن الظن بالله وبعظيم عفوه والتمسك بولاية محمد وآله وعدم الاغترار والعجب بالعمل الصالح هي من اهم عوامل النجاة في الدنيا والآخرة.
وهذه الحقيقة جسدها ديوان الشعر العربي في موارد كثيرة منها ما روي في كتاب ازهار الرياض ان أعرابيا دخل مجلس اديب الوزراء الصاحب بن عباد، فوقف امامه وانشد يقول:
منائح الله عندي جاوزت املي
فليس يبلغها شكري ولا عملي
لكن افضلها عندي واكملها
محبتي لأمير المؤمنين علي
فأنشأ الصاحب رضوان الله عليه بيتين في المعنى نفسه مناجياً ربه بقوله:
يا ذا المعارج ان قصرت في عملي
وغرني من زماني كثرة الأمل
فوسيلتي احمد وابناه وابنته
اليك ثم امير المؤمنين علي
ان حسن الظن بالله تبارك وتعالى وجميل الرجاء لرحمته هو الذي ينفي عن الانسان القنوط واليأس، وهذا الأمل عون له على العمل الصالح.
وهذا المعنى يشير اليه الشيخ سليمان الماحوزي مجادياً الصاحب بن عباد رضوان الله عليهما فقال:
اني وان لم يطب بين الورى عملي
فلست انفك ما ان عشت عن املي
وكيف اقنط من عفو الاله ولي
وسيلة عنده حب الامام علي
فحب ائمة الهدى (عليهم السلام) هو بحد ذاته دافع الى التخلق بأخلاقهم ومنها حسن الظن بالله والاجتهاد في العمل الصالح ولكن مع التنزه من الاتكال على العمل والاغترار به .
قال الشيخ علي البحراني مؤلف كتاب انوار البدرين مجاريا لهؤلاء الاعلام بقوله:
يا رب قد اوبقتني كثرة الزلل
وليس لي عوض من صالح العمل
لكن لي حسن الظن فيك يا املي
وانني لموال للامام علي
يبقى ان نشير اخيراً مستمعينا الافاضل الى انه كلما اشتد حسن الظن بالله جعل الانسان اشد اهتماماً بالتمسك بالولاية الحقة.
كما نشير الى ان التمسك بولاية امير المؤمنين (عليه السلام) يعني حقيقة التمسك بالولاية المحمدية وبالتالي صدق التمسك بولاية الله جل جلاله، رزقنا الله واياكم ذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******