الحمد لله الجميل في جلاله والجليل في جماله، العظيم في رأفته والرؤوف في عظمته، والصلاة والسلام على اسمائه الحسنى ومظاهر جلاله وجماله سادات المتخلقين بأخلاقه محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم احباءنا ورحمة الله فأهلاً بكم في فقراتها التي نعرفكم اولاً بعناوينها:
قيام الساعة بعث وحياة جديدة
أين الجنة والنار؟
اهل الأمن يوم الفزع الاكبر
رؤية الأشياء كما هي والاستعداد للآخرة
اذن رافقونا احباءنا في جولة هذا اللقاء من برنامج عوالم ومنازل مع الفقرة الأولى.
وهي تعنى ببيان خصائص احد مواقف عالم القيامة المعبر عنه بموقف البعث والاحياء، عنوان الفقرة هو:
قيام الساعة بعث وحياة جديدة
تعلمون مستمعينا الاكارم ان قيام القيامة يقترن ببعث الأموات جميعاً اي بالمعاد الجسماني وهو ما يصطلح عليه بخروج الناس من قبورهم.
وساعة خروجهم من الاجداث سراعاً هي من اصعب الساعات واوحشها التي تمر عليهم. لاحظوا اعزاءنا احد الأوصاف القرآنية لصعوبة هذه الساعة فقد قال تعالى في سورة المعارج (٤۳-٤٤):
«فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون / يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم الى نصب يوفضون / خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون».
وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في كتاب الخصال بسنده عن مولانا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حديثاً يشتمل على استفادات لطيفة من الآيات الكريمة تبين صعوبة ساعة خروج الانسان من القبر.
قال (عليه السلام): ان اوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن:
۱) يوم يولد ويخرج من بطن امه فيرى الدنيا.
۲) ويوم يموت فيرى الآخرة واهلها.
۳) ويوم يبعث فيرى احكاماً لم يرها في دار الدنيا.
ثم قال (عليه السلام): وقد سلم الله عزوجل على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال «وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً».
ثم قال (عليه السلام): وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال: «والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حياً».
تدبروا معنا مستمعينا الافاضل في قول مولانا الرضا (سلام الله عليه) في الحديث المتقدم: «ويوم فيرى احكاماً لم يرها من قبل».
اجل، ففي هذه العبارة تعليل لطيف لحالة الوحشة التي تسيطر على الانسان عند البعث والنشور من القبور، مثلما ان في الفقرات السابقة بياناً لاسباب الوحشة التي تطرأ على روح الانسان عند الولادة وعند معاينة الموت.
التعليل المشار اليه اعزاءنا المستمعين يشتمل عليه قوله عليه السلام: فيرى احكاماً لم يرها من قبل، اي ان سبب الوحشة ان قيام الساعة والبعث من القبور يقترن برؤية جديدة لحقائق الوجود تكشف فيها السرائر ويكشف فيها الغطاء عن البصائر.
هذه الرؤية الجديدة والأحكام الجديدة التي لم يألفها تجعل الانسان يعاين حقائق الأشياء وما غفل عنه في دار الدنيا فيصيبه فزع شديد من جراء ذلك هذا اولاً:
وثمة اسباب اخرى لهذه الوحشة والفزع بينتها الآيات الكريمات والاحاديث الشريفة التي سننقلها لكم في الحلقة المقبلة بأذن الله جل جلاله.
*******
اما الآن فننقل الميكرفون الى زميلنا وهو يجري الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند لكي يتفضل مشكوراً بالاجابة عن بعض اسئلتكم للبرنامج، نستمع معاً:
المحاور: سماحة الشيخ السلام عليكم؟
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ وردنا من الاخت شمس الغانم عبر البريد الالكتروني هذا السؤال تقول الاخت شمس اين مكان الجنة والنار الان وكيف تكون في عرض السماوات والارض تفضل؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين، نعم في الحقيقة ان من روايات المعراج لا سيما الواردة عن اهل البيت عليهم السلام يستشف ان جنات عدن وجنة الفردوس وغيرها من الجنان التي ذكرت اسمها في القرآن الكريم وحتى من الآيات الكريمة ايضاً يستشف ذلك انها على اية حال دون سدرة المنتهى الا ان تتخذ على اية حال عند السماء السابعة وما فوقها.
المحاور: يعني مراتب كل الجنان حسب مراتبها؟
الشيخ محمد السند: نعم كل جنان حسب مراتبها الى ان تصل الى ما دون سدرة المنتهى كما في الآية الكريمة عندها جنة المأوى.
المحاور: هذه اعلى مراتب الجنان؟
الشيخ محمد السند: نعم اعلى المراتب ولربما بعد جنان الذات او سرادقات الحجب النورية تلك جنان اخرى مقام صدق عند مليك مقتدر يعني هذه اعلى ورضوان من الله اكبر، اي ما كان لا ريب ان ما فوق السماوات السبع من السرى او من البحر او من التراب حسب التسميات التي وردت من عوالم هي فوق السماوات السبع كل عالم يكون العالم ما دونه كما وردت الروايات لاجل تقريب المعنى للذهن كحلقة في فلات مترامية الاطراف في الافق هذه الحلقة الصغيرة من حديد لو القيتها انت في بحر البرية هل تشاهد ليس هناك نسبة قياس كما ان قياس حجم الكرة الارضية مع السماء التي لا يعلمون اين مداها السماء الدنيا السماء الاولى لا يعلمون بالدقة حسب الآليات والعلوم والحسابات الحديثة هي كم يمكن ان تحاسب، فكذلك الحال بين السماء الاولى والثانية، الثانية والثالثة الا ان نصل في السابعة، ثم السابعة والثرى يعلم ما بين تحت الثرى في بعض الآيات الثرى او البحر من عوالم اخرى فلا ريب ان تلك العوالم شاسعة جداً في الخلقة الالهية واسعة ما يمكن ان يقاس حتى السماء السابعة.
المحاور: العرض ما المقصود منه؟
الشيخ محمد السند: المقصود من العرض هو السعة.
المحاور: هنالك يسأل احياناً لم تسأله الاخت شمسة ولكن يتردد احياناً انه اذا كانت الجنة عرضها السماوات والارض اين تقع النار؟ اعتقد انه من خلال اجابتكم اتضح ان المقصود هنا هو الاشارة الى السعة؟
الشيخ محمد السند: طبعاً هذا بالنسبة للجنان واما بالنسبة الى النار فقط ورد في رواية اهل البيت وهم ادرى بما في البيت عليهم السلام اشارة الى ان النار تقع في وادي في السماء السادسة او في الارض السادسة.
المحاور: الضعة والعياذ بالله مقابل السمو، يعني في الاراضين السبع؟
الشيخ محمد السند: نعم ولكن هي كل سماء مقرعها سماء ومحدبها ارض لما فوقها.
المحاور: يعني نظام تكويني كامل في كل سماء؟
الشيخ محمد السند: نعم فيه علو وهذا تقريب للذهن ورد في حديث الرضا عليه السلام ورد ذلك في تفسير قمي وتفسير العياشي، حتى الان الابحاث الحديثة الروحية وما وراء الطبيعة التي يجريها الغرب يكادون ان يصلون الى مثل هذا التصور وان كان اقتباساً من مصادر اسلامية.
المحاور: هنا السؤال عن مكان الجنة والنار ففي الحقيقة هو غير المكان الذي نألفه ونحن في الحياة الدنيا؟
الشيخ محمد السند: شيء طبيعي ليس هو على النشأة الارضية وان كان النار الاخروية مظاهر في دار الدنيا كبرهوت والجنة ووادي السلام في النجف الاشرف، كمظاهر او كتعلقات لتلك النشئة الاخروية بالنشئة الدنيوية يعني الاشارة الى ولاية ائمة الحق ومقابل ولاية ائمة الظلال؟
الشيخ محمد السند: طبعاً بقاعهم خير البقاع آثار وتجليات تبع لبعضها البعض.
*******
ما تستمعون له احباءنا هو برنامج (عوالم ومنازل) في حلقته الرابعة والستين وحلقاته السابقة منذ الاولى يمكنكم الرجوع اليها على صفحات اسلاميات في موقع الاذاعة على شبكه الانترنت وعنوانه هو: www.arabic-irib.ir.
*******
اما الآن، فننتقل الى الفقرة اللاحقة من البرنامج اخترنا لها عنوان:
اهل الأمن يوم الفزع الاكبر
قيام القيامة مقترن بالفزع الاكبر، هذا ما اخبرتنا عنه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة - مستمعينا الافاضل- وعرفتنا في المقابل بسبل الأمن من هذا الفزع الاكبر.
وقد نقلنا في الحلقات السابقة طائفةً من النصوص التي تعرفنا ان من سبل الآمان الدخول في حصن التوحيد والولاية.
ومنها تعاهد القرآن الكريم وتلاوته وعرفنا ان لسور يوسف والدخان والاحقاف والعصر بالخصوص تأثيراً خاصة في الأمن من الفزع الأكبر.
وهذا الأثر نفسه نجده في اعمال من قبيل: توقير واحترام ذي الشيبة المؤمن.
اجتناب الفواحش والشهوات المحرمة خشيةً من الله.
كظم الغيظ والعفو عند المقدرة فالعافون عن الناس في الدنيا هم اهل الأمن من الفزع الاكبر.
وفي كتاب الكافي وثواب الاعمال مسنداً عن مولانا الصادق (سلام الله عليه) ومن عدة طرق حديث يعرفنا بأحد اهم سبل الأمن من الفزع الاكبر.
قال (عليه السلام): من اغاث اخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده، فنفس كربته واعانه على نجاح حاجته كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله يجعل له منها واحدة يصلح بها معيشته ويدخر له احدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة واهواله.
وافزاع هي - ايها الاخوة والاخوات- جمع لفزع، فيكون معنى الحديث هو ان اغاثة المؤمنين وقضاء حوائجهم واعانتهم توفر للانسان الأمن من كثير من انواع الفزع والاهوال التي يشهدها يوم القيامة.
ولذلك ورد في احاديث اهل البيت (عليهم السلام) كما في الكافي ان المؤمن العابد اذا بلغ الغاية من العبادة صار مشاءً في حوائج الناس عانياً بما يصلحهم.
ايها الأخوة والاخوات، ومن الاعمال المهمة التي تنجي الانسان من الفزع الاكبر عند قيام الساعة السعي في جبر القلوب المنكسرة وبعث الأمل والارتياح فيها والاهتمام بشؤونها وتطييب مشاعرها.
اجل، فقد روى الشيخ الأجل شاذان بن جبرئيل القمي في كتاب الفضائل عن الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) انه رأى على الباب الثاني من الجنة مكتوباً:
لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكل شيء حلية وحلية السرور في الآخرة اربع خصال:
۱) المسح على رؤوس اليتامى.
۲) والتعطف على الأرامل.
۳) والسعي في حوائج المسلمين.
٤) وتفقد الفقراء والمساكين.
مستمعينا الأكارم وقد عرفتنا احاديث ائمة بيت الرحمة عليهم السلام بعمل عبادي آخر للفوز بالأمن يوم الفزع الاكبر.
فقد روى الشيخ ثقة الاسلام الكليني رضوان الله عليه في الكافي بسنده عن الامام الرضا (عليه السلام) انه قال: من اتى قبر اخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ انا انزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الاكبر.
ويستفاد من الاحاديث الشريفة مستمعينا الاكارم ان هذا الأمن يهبه الله بفضله لصاحب القبر وكذلك لقاريء سورة القدر ايضاً عند قبره.
فقد نقل الشيخ عباس القمي عن مجموعة الفقيه الجليل محمد بن مكي العاملي الملقب بالشهيد الاول انه جاء الى قبر استاذه فخر المحققين نجل العلامة الحلي رضوان الله عليه وقال:
اروي عن صاحب هذا القبر وهو يروي عن استاذه العلامة بسنده الى الامام الرضا (عليه السلام) انه قال:
من زار قبر اخيه المؤمن وقرأ عنده سورة القدر وقال: اللهم جاف الأرض عن جنوبهم وصاعد اليهم ارواحهم وزدهم منك رضواناً واسكن اليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتؤنس وحشتهم انك على كل شيء قدير.
ثم تذكر الرواية: [فاذا فعل ذلك] أمن القارىء والميت من الفزع الاكبر.
*******
اعزاءنا والآن مع الفقرة الختامية وقد اخترنا لها عنوان:
رؤية الأشياء كما هي
لعلكم (ايها الأخوات والأخوات) سمعتم انه كان من دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: اللهم ارنا الاشياء كما هي.
وهذا احباءنا من الأدعية المهمة التي تنقذنا من سوء التقدير لقيمة الامور،فلا نعطي كلاً منها ما يستحقه.
وسوء التقدير هذا من الأخطار الماحقة التي تستتبع كثيراً من العواقب السيئة، مثل تضييع الانسان جهده وحياته فيما لا ينفعه وغفلته عن الأمور المهمة التي بها قوام حياته الخالدة.
ومن مصاديق ذلك الغفلة عن الاستعداد للحياة لأخروية، التي تصفها الأحاديث الشريفة بأنها المصيبة العظمى.
اجل، فقد روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتاب عيون اخبار الرضا بسنده عن مولانا الرضا عن ابيه الامام الكاظم عليهما السلام انه قال:
رأى الصادق (عليه السلام) رجلاً قد اشتد جزعه على ولده، فقال: يا هذا جزعت للمصيبة الصغرى وغفلت عن المصيبة الكبرى؟!
ثم قال (عليه السلام) للرجل الذي جزع لوفاة ولده بالجزع المحرم: ولو كنت لما صار اليه ولدك مستعداً لما اشتد عليه جزعك، فمصابك بتركك الاستعداد اعظم من مصابك بولدك.
اعاننا الله واياكم احباءنا على صدق الاستعداد للحياة الخالدة وختاماً نستودعكم الله والسلام.
*******