الحمد لله حبيب قلوب الصادقين ومحبهم، والصلاة والسلام على سادات احبائه محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله وبركاته، عناوين فقراتها هي:
جنة البرزخ ونارها في القرآن الكريم
البرزخ عام للعالمين
الزهد في الدنيا بين الصدق والادعاء.
*******
الى الفقرة الاولى من فقرات البرنامج اعزاءنا وعنوانها هو:
جنة البرزخ ونارها في القرآن الكريم
عرفتنا الاحاديث الشريفة - مستمعينا الاكارم- ان عالم القبر او عالم البرزخ هو روضة من رياض الجنة للمؤمنين الصادقين او حفرة من حفر النيران للجاحدين والناصبين من اعداء الله واوليائه عزوجل.
فهل في آيات القرآن الكريم ما يدل على ذلك؟ الجواب بالايجاب، فالمتدبر في كتاب الله عزوجل يجد عدة آيات صريحة في هذا المجال، نستعرض لكم بعضها فكونوا معنا احباءنا.
لاحظوا اعزاءنا هذه الآيات من سورة مريم وهي تتحدث عن برزخ الفائزين بالتوبة النصوح الصادقة، قال عز من قائل:
«الا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً / جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده متيا / لا يسمعون فيها لغواً الا سلاماً ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً».
تدبروا اعزاءنا في ذيل الآية الاخيرة فهو صريح في بيان حقيقة ان هذه الجنات ليست جنات الآخرة، لأن جنات الآخرة ليس فيها [بكرة وعشي] فالنهار والمساء من مختصات عالم الدنيا، وجنات الآخرة ليس فيها شمس وبالتالي ليس فيها ليل ولانهار.
وهذا المعنى الدقيق هدانا اليه الامام الباقر (عليه السلام) كما في الحديث المروي عنه في تفسير علي بن ابراهيم اذ قال (عليه السلام) في بيان قوله عزوجل «ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا».
قال: ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة، والدليل على ذلك قوله [بكرة وعشياً] فالبكرة والعشي لا تكون في الآخرة في جنان الخلد، وانما يكون الغدو والعشي في جنان الدنيا التي تنقل اليها ارواح المؤمنين وتطلع فيها الشمس والقمر.
وتدبروا اعزاءنا في الآيات التالية من سورة يس وهي تحكي قصة المؤمن حبيب النجار مع قومه الذين انكروا الرسل وبيناتهم: قال عز من قائل على لسانه:
«اني آمنت بربكم فاسمعون / قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون / بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين».
وجه الدلالة هنا - مستمعينا الافاضل- هو ان هذا العبد الصالح قد ادخل الجنة وتمنى ان يعلم قومه بمصيره هذا عسى ان يهتدوا ويرتدعوا عن الجحود.
وهذا يعني ان دخوله الجنة حصل وقومه لازالوا في الحياة الدنيا والا ففي الاخرة تتضح الحقائق للجميع، الامر الذي يثبت ان ثمة جنة برزخية للأرواح قبل جنة الخلد وقبل القيامة الكبرى.
ومن الآيات الكريمة ما تذكر في سياق واحد روضات الجنان البرزخية وحفر النيران البرزخية ومنها الآيات ۱۰٤ الى ۱۰۸ من سورة هود، كما اشار الى ذلك مولانا الامام الباقر (عليه السلام) في الحديث المروي عنه في تفسير علي بن ابراهيم.
والآيات الكريمة هي «وما نؤخره الا لأجل معدود / يوم يات لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد / فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق / خالدين فيها ما دامت السماوات والارض».
فهنا قال الباقر (عليه السلام): فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة.
نعم فعند القيامة تطوى السماء كطي السجل للكتب وتبدل الارض غير الارض والسموات.
ثم قال (عليه السلام): واما قوله «واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها» يعني في جنان الدنيا التي تنقل اليها ارواح المؤمنين.
ثم تلا تتمة الآية «ما دامت السماوات والارض الا ماشاء ربك عطاءً غير مجذوذ».
وقال: يعني [عطاءً] غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة يكون متصلاً به.
ايها الأخوات والأخوة، ومن الآيات المتحدثة عن النار البرزخية وحدها ماجاء في سورة نوح - على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام- حكاية عما جرى لقومه الطاغين.
اجل ففيها تصريح بدخولهم النار اثر الغرق مباشرة في حين ان القرآن صريح بأن من ورائهم برزخاً الى يوم يبعثون فلابد ان تكون هذه النار هي النار البرزخية وليست نار الخلود.
تدبروا اعزاءنا قوله عز من قائل في الآية ۲٥ من سورة نوح:
«مما خطيئاتهم اغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله انصاراً».
واصرح من آيات قوم نوح (عليه السلام) آيات نزول العذاب بآل فرعون، وهي في سورة غافر الآيات ٤٥و٤٦، قال عز من قائل:
«وحاق بآل فرعون سوء العذاب / النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون اشد العذاب».
قال الامام الصادق (عليه السلام) في بيان هذا العذاب: ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لأن نار القيامة لا تكون غدواً وعشياً... ولكن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة، الم تسمع قوله عزوجل «ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون اشد العذاب»؟
اي ان ذيل الآية الكريمة دال على ان النار الاولى غير نار القيامة التي يكون فيها اشد العذاب، اعاذنا الله واياكم من شديده ويسيره.
*******
طيب مستمعينا الافاضل، ننتقل الآن الى اتصال هاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند للاجابة عن بعض اسئلتكم للبرنامج الميكرفون مع زميلنا.
المحاور: سماحة الشيخ الاخ رياض السيد كامل بعث لنا برسالة عبر البريد الالكتروني يعرض فيها هذا السؤال قائلاً هل ان عالم البرزخ وما يجري فيه يختص بالمسلمين ام يشمل غيرهم من الملل الاخرى سواء السابقين منهم ام المعاصرين؟ تفضلوا:
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، في الحقيقة عالم البرزخ عالم لكل البشرية ينتقلون اليه «ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون» هذه مراحل لا تختص بالمسلمين ولا بالمؤمنين بل بعموم البشرية الطالح منهم والصالح، وتختلف الحالات ولاريب.
المحاور: يعني يقولون يجري سواء كان روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران، المسالس، القبر، الامور التي تجري في عالم البرزخ تشمل غير المسلمين ايضاً؟
السيد السند: كما ورد في الروايات ان المستضعف الذي لديه قصور فكري في المعرفة، معرفة تبين ما هي عقيدة الحق وما هي رؤيته ذلك ينهى عنه في الروايات، ينهى عنه الى يوم القيامة حيث يمتحن حينئذ امتحاناً نهائياً يسجل به مصيره يذهب به الى الجنة او يذهب به الى النار ولكن، ينهى عنه يعني لا يسجل عليه الحساب وانما يترك في حسب بيئته البرزخية وحسب مااكتسبه من بصيرة الفطرة، ان كان في الخير يتنعم خيراً وان في الشر فيؤاخذ مقداراً من شروره التي ارتكبها بحسب فطرته، شرعته وشريعته هي حدود اليسيرة والقليلة التي هي على اية حال هي استبصرها بتوسط فطرته لان دين الاسلام هو دين الفطرة ينفلق من دائرة مركزية هي الفطرة ويستوسع بالانسان الى مدارات وآفاق اوسع فعلى اي تقدير وهذا وحتى الغربيون ربما استطاعوا أن يوثقوها بحسب تجاربهم الروحية والسيط الروحي والوساطة الروحية التي يستخدموها فهم شاهدوا الكثير من الشعوب على اية حال الانسانية التي هي ليست ذو ذهنية عن العقيدة والمنهاج انها تعيش حسب مكتسبات فطرتها الاولية في عالم البرزخ واما من عرف نهج ونجد الحق والخير وطريق الشر فذلك يحاسب حساباً شديداً وبالتالي فمن محض ايمانه كفراً فذلك يحاسب لان بلغت درجته العقلية الحد الذي يقام عليه فيصل التمييز والقضاء منذ موته.
المحاور: سماحة الشيخ اشرتم في طيات حديثكم الى ان قضية العوالم الاخرى يعني عوالم قبل عالم الدنيا وعالم ما بعد عالم الدنيا ايضاً هي عامة وتشمل جميع البشر هذا الامر كيف هو؟
السيد السند: نعم ايضاً كعالم الذر او عالم الاصلاب او عالم الارحام او عالم الانوار او عالم خلق الروح قبل البدن وكذلك عالم الاخرة لا يختص بالمسلمين ولا بالمؤمنين وانما يشمل عموم الناس، غاية الامر كما مر في عالم البرزخ الحالات تختلف، طنية البشر والنشأة التي نشأت منها الروح تلك سواء نشأة مجردة ام نشأة بأي نوع نستطيع ان نسميها تلك النشأة تختلف فيها حالات واصناف وانواع البشر ان كانوا مؤمنين او كانوا غير مؤمنين ولكن عموماً يمرون بحالات مختلفة، نعم بالنسبة لبعض العوالم العلوية جداً نستطيع القول ان الاصفياء المصطفون من الانبياء والمرسلين والاولياء والائمة الهادين المهديين اولئك كانوا في عوالم اعلى لم يشاركهم فيها احد هذا يمكن القول به وكذلك يصلون في المآل والمعاد الى عوالم عليا اكثر لا يشاركهم فيها احد بهذا الاعتبار صح، ونستطيع ان نقول ان هنالك فوارق نظير ما ورد ان جنة الجن دون جنة الانس وذلك لقصور المرتبة العقلية عند مخلوق الجن عن مخلوق الانس بهذا الاعتبار يمكن القول بأن مراتب المخلوفات في الانس ايضاً هي نزولاً من عوالم علوية تختلف في بعض تلك العوالم القصوى في التعالي ولا يكون هنالك اشتراك صحيح وكذلك في المعاد وله درجات ما وراء الجنة وما فوق الجنة من رضوان«مقعد صدق عند مليك مقتدر» وما يسبح فيه بعض الخواص من الاوليا والاصفياء في بحور الجمال الالهي والجلال الالهي ونعم مختصة ببعض النفوس والارواح دون كل الارواح.
المحاور: سماحة السيد محمد السند شكراً جزيلاً وشكراً لكم احباءنا الى ما تبقى من فقرات برنامج عوالم ومنازل.
*******
نشكر لكم مستمعينا الاعزاء طيب متابعتكم لهذه الحلقة وهي الرابعة والخمسون من برنامج عوالم ومنازل ولنا الآن فقرة تحمل رواية ذات دلالات مهمة فيها يرتبط بمعرفة الله ومعرفة المعاد وحقيقة الدنيا وقوانيها.
فاذا تجسدت حقيقة الزهد في الدنيا ومعرفة حقيقتها وانها ممر للدار الآخرة في قلب الانسان صار من احباء الله حقاً، ومن سادات هؤلاء مولانا سيد الساجدين (عليه السلام) كما تبين لنا ذلك الرواية التالية وهي مسك ختام هذه الحلقة اخترنا لها عنوان:
الزهد في الدنيا بين الصدق والادعاء
روي في عدة من المصادر المعتبرة عند المسلمين عن ثابت البناني قال:
كنت حاجاً مع جماعة عباد البصرة مثل ايوب السجستاني وصالح المري وحبيب الفارسي ومالك بن دينار، فلما دخلنا مكة رأينا الماء ضيقاً وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث.
قال ثابت: ففزع الينا اهل مكة والحجاج يسألوننا ان نستسقي لهم، ونعم هذا هو حال الناس يتأثرون بالمظاهر وهؤلاء كانوا قد اشتهروا بالزهد والعبادة ولكن اي زهد واي عبادة واي معرفة بالله لا تكون حقيقيةً ما لم تكن مقرونة بولاية اولياء الله الصادقين (عليهم السلام)، وهذا ما تبينه تتمد الرواية.
قال ثابت البناني: فأتينا الكعبة، وطفنا بها، ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها فمنعنا الاجابة!
اي لم ينزل المطر ولم ينفعهم دعاؤهم لانه لم يكن دعاءً حقيقياً.
يقول ثابت: فبينما نحن كذلك اذا نحن بفتىً قد اقبل وقد اكربته احزانه واقلقته اشجانه، فطاف بالكعبة اشواطاً، ثم اقبل علينا فقال: يا مالك بن دينار ويا ثابت البناني ويا صالح المري ويا حبيب الفارسي، ويا سعد و يا عمر ويا صالح الاعمى ويا رابعة ويا سعدانة ويا جعفر بن سليمان... اما فيكم احد يحبه الرحمان؟
فقلنا: يا فتى، علينا الدعاء وعليه الاجابة، فقال: ابعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم احد يحبه الرحمان لأجابه.
ثم اتى الكعبة فخر ساجداً فسمعته - والسامع هو الراوي ثابت والبناني- يقول في سجوده: سيدي بحبك لي الا سقيتهم الغبث.
قال ثابت: فما استتم كلامه حتى اتاهم الغيث كأفواه القرب.
مستمعينا الاعزاء، وتعبر كأفواه القرب يشير الى كثافة المطر الذي هطل على الحجاج ببركة استسقاء الامام السجاد وهو ابن رسول الله الذي يستسقى الغمام بوجهه حسب وصف ابي طالب له في القصيدة المشهورة.
وعلى اي حال، يذكر ثابت البناني في تتمة الرواية حواره التالي مع الامام قال: فقلت: يافتى، من اين علمت انه يحبك؟
فأجاب (عليه السلام): لو لم يحبني لم يستزرني [اي يوفقني لزيارة بيته] فلما استزارني علمت انه يحبني، فسألته بحبه لي فأجابني.
قال ثابت: ثم انشأ قائلاً:
من عرف الرب فلم تغنه
معرفة الرب فذاك الشقي
ماضر في الطاعة ما ناله
في طاعة الله؟ وماذا لقي
ما يصنع العبد بغير التقى
والعز كل العز للمتقي
قال البناني: فقلت: يا هل مكة، من هذا الفتى؟
قالوا: علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب.
رزقنا الله واياكم مستمعينا الاكارم صدق معرفة الله وحبه وصدق الزهد في الدنيا وحب الآخرة. اللهم آمين، الى موعد لقاءنا المقبل اعزاءنا نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******