الحمد لله المبديء والمعيد المحمود الودود القريب المجيب، والصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود والشفاعة الكبرى محمد وآله الطيبين. السلام عليكم ايها الاخوة والاخوات ورحمة الله وبركاته، نخصص قسمه الاكبر لحديث نبوي مبارك يعرفنا بخيرة الاعمال التي تنقذ الانسان من شدائد رحلته في عوالم الآخرة.
وثمة فقرة محورية اخرى مستمعينا الاعزاء يجيب فيها ضيف البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن سؤال للأخت فاطمة الموسوي عن حقيقة كون الانسان في جنة او نار في مختلف عوالم الوجود.
ايها الاعزاء، تحدثنا في الحلقة السابقة عن ان النصوص الشريفة قد صرحت بأن الله جلت قدرته جعل لأعمل الانسان صوراً وتمثلات ملكوتيةً ترافق الانسان في عالم البرزخ وتجعل حياته البرزخية في روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران اعاذنا الله واياكم منها.
وللصور الملكوتية للاعمال الصالحة اعزاءنا آثار مهمة ومباركة في انقاذ الانسان من شدائد ومصاعب منازل الآخرة، تعرفنا بأمهاتها احد الاحاديث النبوية، وهو محور حديثنا في الفقرة اللاحقة وعنوانها هو:
*******
رفاق الخير في منازل الآخرة
مستمعينا الافاضل ننقل لكم احد اشمل احاديث حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) في تعريف امته بالاعمال التي تنجي الانسان من مختلف مواقف ومنازل الآخرة وشدائدها.
وهو حديث جامع حري بكل مؤمن ان يقرأه مراراً ويحفظه ويعاود التدبر فيه بين الحين والآخر ويحاسب نفسه على العمل بمقتضاه ويسعى للتحلي بما يدعوه له.
هذا الحديث الشريف رواه الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في أماليه، وفيه يعرفنا نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) بشطر من الآيات التي أراها له الله عزوجل مما في العوالم الأخرى... استمعوا له بعد قليل.
روى الصدوق بسنده عن الصحابي عبد الرحمن بن سمره قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً فقال: اني رأيت البارحة عجائب.
فقلنا: يا رسول الله ومارأيت؟ حدثنا به فداك انفسنا واهلونا واولادنا؟
فقال (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلاً من امتي وقد اتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فمنعه منه.
المعنى ان بر الوالدين يطيل في العمر ويخفف من صعوبات الموت، فيكون المنع هنا بمعنى دفع صعوبات الموت عن المحتضر.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوءه فمنعه منه.
اي ان الاهتمام بالوضوء واسباغه بصورة صحيحة يدفع عن الانسان عذاب القبر.
وقال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عزوجل فنجاه من بينهم.
اي ان ذكر الله عزوجل يدفع عن الانسان اذى ومرافقة الشياطين في عالم البرزخ مثلما دفعهم عنه في عالم الدنيا، ثم بين بعد ذلك تمثلات الصلاة والصوم وصورهما البرزخية وما تدفعه عن المؤمن.
قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فمنعته منهم، ورأيت رجلاً من امتي يلهث عطشاً كلما ورد حوضاً منع فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وارواه.
ثم ذكر (صلى الله عليه وآله) اثر الصورة البرزخية للغسل والاهتمام والمبادرة الى التطهر من الحدث الاكبر في جعل المؤمن يحظى برفقة ارواح النبيين وخاتمهم النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، ثم تحدث عن الأثر المبارك للحج والعمرة في عالم البرزخ.
قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمه وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن تحته ظلمته مستنقعاً في ظلمة، فجاءه حجه وعمرته فأخرجاه من الظلمة وادخلاه النور.
وهذا بالطبع هو لمن اخلص النية لله في حجه وعمرته كما هو الحال مع سائر اعمال الخير الاخرى، ثم بين حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) الأثر المبارك لصلة الرحم في عالم البرزخ.
قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجاءه صلته للرحم فقال: يا معشر المؤمنين! كلموه فانه كان واصلاً لرحمه، فكلمه المؤمنون وصافحوه وكان معهم.
ايها الأخوة والاخوات، هذا الحديث النبوي طويل وقد عرض لما تقوم به جملة من الصور البرزخية للاعمال الصالحة في انقاذ اصحابها من اهوال الآخرة فلو سمحتم نكمله لكم بعد الاستماع للفقرة التالية.
*******
وهي اتصال هاتفي اجراه زميلنا مع خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند لكي يتفضل مشكوراً بالاجابة عند اسئلتكم، نستمع معاً:
المحاور: شكراً لكم احباءنا على متابعتكم فقرات برنامج عوالم ومنازل وشكراً لضيفنا الكريم سماحة الشيخ محمد السند وهو يتفضل مشكوراً بالاجابة على اسألتكم للبرنامج، سماحة الشيخ محمد السند السلام عليكم.
الشيخ محمد السند: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ من الاخت فاطمة الموسوي وردت للبرنامج مجموعة اسئلة منها هذا السؤال عن مضمون الايات الكريمة التي تصف ان النار محيطة بالكافرين، تسأل هل ان هذا الامر يكون في عالم الدنيا ايضاً ام يختص بالعوالم الاخرى تسأل ايضاً عن معنى احاطتهم اذا كانت احاطة الدنيا ايضاً هل انهم يتعذبون بالنار فعلاً بالحياة الدنيا؟ تفضلوا.
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين في الحقيقة مصب السؤال يمكن ان يصاغ بهذه الطريقة، احاطة نار جهنم الاخروية بالكافرين او بالعصاة هل هي متزامنة وهم في نشأة دار الدنيا ام لا والا فنار جهنم ليس لها هنا بروز وظهور كامل نعم بنحو متزامن يمكن ان يكون صحيح وعلى اي تقدير يجب ان نلتفت الى ان الانسان بطبيعته موجود في نشآت متعددة بنحو متزامن، نحن الآن في تواجدنا في دار الدنيا لنا نوع من التواجد والعيش في البرزخ والآن وكما لنا تواجد عيش وحياة في الدنيا وفي البرزخ لنا ايضاً تواجد وعيش ومعيشة في الدار الآخرة، طبعاً لا نلتفت الى تلك الطبقات من وجودنا ووجود ذاتنا وطبقات الروح المتعلقة بتلك العوالم، لا نستشعرها بشكل تفصيلي وبشكل واعي ولكن بشكل اجمالي وربما بشكل يعبر عنه في تعبير الحديث بالشعور في اللاوعي ففي الحقيقة اذن الانسان هو موجود ومبنى وجوده ذوطبقات ففي حين جزء منه وطبقة منه تعيش وتتواجد في دار الدنيا جزء من ارواحنا وذواتنا متعلقة بالبرزخ وثالث منا متعلق ايضاً بطبقة اخرى بالآخرة فبالتالي اذن تعلقنا بأغصان شجرة الطوبى في الجنة او لا سمح الله بأغصان شجرة الزقوم وهي نار جهنم تتحقق هذه الارتباطات وهذه العلائم بين ارواحنا وذواتنا، في هذا الآن الذي تعيشه في الدنيا ولكن بلحاظ تلك الطبقة الوجودية من وجودنا المتعلق بتلك المعيشة وذلك العالم فبالتالي محيطة الآن ولكن بطبقة وجودنا الذي يتعايش مع ذلك العالم.
المحاور: سماحة الشيخ بأعتبار ان الفكرة دقيقة بعض الشيء اذا من خلال مثال تمثيلي يعني كحال الذي مثلاً لا يشعر بالبرد رغم ان البرد يصيبه مثلاً لحالة معينة او غفلة معينة لشرود الذهن مثلاً هو لا يشعر ولا شك ان البرد يؤثر فيه ولكن نتيجة لشرود ذهنه الى مكان آخر هو لا يشعر بالبرد؟
الشيخ محمد السند: نعم هذا المثال ذكروه وذكر من اجل ان الانسان الى شرد ذهنه وتمركزت حواسه الى جانب معين يفقد الشعور والحواس بجانب آخر كما في شدة الفرح او في شدة الحزن في هذه الحالات تستقطب حواس الانسان وتمركزها في جانب معين وينقطع احساس الانسان ببدنه في جوانب اخرى.
المحاور: يعني بأعتبار ان الحياة الدنيا هي بطبيعتها شادة تشد الانسان ومظاهر الدنيا ومظاهر نعماته هل يمكن الاستفادة من هذا المعنى؟
الشيخ محمد السند: نعم هذا مثال تقريبي للحواس اما لو اردنا ان نمثل مثالاً اعمق لكيفية تواجد الانسان لنشآت، الآن مثلاً نائم، النائم يرى عوالم وشؤون في رؤياه عظيمة ومهولة ثم لما يستيقظ يسائله من حواليه اين كنت وماذا رأيت وماذا انتابك وماذا طرأ عليك هو يحس انه كان في عوالم وعالم ونشأة كبيرة جداً وربما رأى من الحقائق ما تتحقق مستقبلياً وهم لا يعرفون انه نفذ الى عالم آخر ورجع الى بدنه، هذا التلاحم والتواصل بين العوالم في انبوبة وجود الانسان في طبقة ونافذة وبوابة ودهليز وهذه البئر العميقة من روح وذات الانسان تمثل وتجسد علائق ونشآت متعددة، غاية الامر لا يركز ولا ينشد اليها لانشداده وانشغاله لهذه النشأة والا فهي موجودة اما بالنسبة الى آثار احاطة جهنم او احاطة الجنة....
المحاور: عفواً سماحة الشيخ بالنسبة لهذه الآثار لو سمحتم نوكلها الى حلقة مقبلة بأعتبار ان الوقت المخصص لهذه الفقرة انتهى شكراً جزيلاً لسماحة الشيخ محمد السند.
الشيخ محمد السند: حياكم الله.
*******
نتابع مستمعينا الافاضل تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل، ونستكمل لكم الحديث النبوي المبارك والجامع الذي نقلنا شطره الاول قبل اتصالنا الهاتفي بخبير البرنامج.
والحديث الشريف كما لا حظتم اعزاءنا يعرفنا بآثار مجموعة منه الاعمال الصالحة في حياة الانسان في عالم البرزخ، وقد وصل الى بيان اثر الصورة البرزخية للصدقة الخالصة.
قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي يتقي وهج النيران وشرورها بيده ووجهه فجاءته صدقته فكانت ظلاً على رأسه وستراً على وجهه.
وهذا الأثر - اعزاءنا المستمعين- هو في عالم البرزخ كما هو واضح من عموم سياق الحديث وهذا ما يصدق على من خلط عملاً صالحاً بأخر سييء يستوجب ذلك في البرزخ وهو ما يصدق ايضاً على اثر الصور البرزخية للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يخبرنا بذلك الصادق الأمين محمد المصطفى.
قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي قد اخذته الزبانية من كل مكان فجاءه امره بالمعروف وهيه عن المنكر فخلصاه من بينهم وجعلاه مع ملائكة الرحمة.
وهذا الحديث الشريف المبارك يعرفنا ايضاً مستمعينا الاكارم بآثار الصور الملكوتية للأعمال الصالحة في مواقف ومنازل عالم الآخرة اللاحقة لعالم البرزخ ايضاً وبعضها تشمل عالم البرزخ والمنازل والمواقف جميعاً.
قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي جاثياً على ركبتيه، بينه وبين رحمة الله حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذه بيده فأدخله في رحمة الله.
اي انه كان لهذا الشخص اعمال سيئة تحجبه عن رحمة الله الخاصة فأنقذه من ذلك حسن خلقه في معاشرة الناس.
ثم قال (صلى الله عليه وآله) ورأيت رجلاً قد هوت صحيفته قبل شماله فجاءه خوفه من الله عزوجل فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه.
اعزاءنا المستمعين وفي الفقرة اللاحقة يبين لنا هذا الحديث الشريف اثر الصبر على فقد الذحبة والتسليم لأمر الله عند وفاتهم خاصة الاولاد الذين يتوفاهم الله قبل الوالدين فيصبران على ذلك وهم المعبر عنهم بالأفراط.
قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي قد خفت موازينه فجاءه افراطه فثقلوا موازينه. ورأيت رجلاً على شفير جهنم فجاءه رجاؤه من الله عزوجل فأستنقذه من ذلك.
جعلنا الله واياكم احباءنا من الذين رسخ في قلوبهم الرجاء الصادق لرحمة الله عزوجل وعفوه ومقروناً بالبكاء من خشيته تبارك وتعالى فكلاهما منج من النار.
اجل فقد قال (صلى الله عليه وآله) في الفقرة اللاحقة: ورأيت رجلاً من امتي قد هوى في النار فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله فأستخرجته من ذلك.
ورزقنا الله واياكم اعزاءنا طيب حسن الظن بالله عزوجل فهو سيد المنقذين من فزع الصراط.
اجل فقد قال الصادق المصطفى (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي على الصراط يرتعد كما ترتعد السعفة في يوم عاصف فجاءه حسن ظنه بالله فسكن دعدته ومضى على الصراط.
وفي الختام اليكم هذا الحديث النبوي المبارك والذي يعرفنا بعظمة آثار اثنين من امهات الأذكار هما تكرار شهادة التوحيد والصلوات على محمد وآله وبالطبع باللسان والقلب.
قال (صلى الله عليه وآله): ورأيت رجلاً من امتي على الصراط يزحف ايحاناً ويحبوا احياناً ويتعلق احياناً فجاءته صلاته علي فأقامته على قدميه ومضى على الصراط، ورأيت رجلاً من امتي انتهى الى ابواب الجنة كلما انتهى الى باب اغلق دونه فجاءته شهادة ان لا اله الا الله صادقاً بها ففتحت له الابواب ودخل الجنة.
انتهى وقت اللقاء في هذه الحلقة... نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******