الحمد لله نور المستوحشين في الظلم، انيس من انس به حيثما كان، وجليس من جالسه حيثما خلى به - تبارك وتعالى- والصلاة والسلام على انوار الله في ارضه وسمائه صفوة اوليائه وخيرته من خلقه محمد وآله الطاهرين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الذي نسعى فيه للاستنارة بأضواء النصوص الشريفة وتجارب الصالحين لمعرفة كيف نستعد للمنازل التي علينا ان نطويها بعد هذه الحياة الدنيا.
اجل فاعمار الآخرة يبدأ وقد ينتهي ايضاً بهذه الحياة الدنيا فهي مزرعة الاخرة كما اخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو الصادق المصدق.
الموضوع العام لهذه الحلقة - اعزاءنا- هو عن احد المواقف الصعبة التي يمر بها كل انسان وهو ينتقل من هذا العالم الى العالم الآخر.
«وحشة القبر»
سنتناول احباءنا هذا الموضوع من عدة زوايا ضمن فقرات متنوعة في هذه الحلقة،
الاولى عن معنى وحشة القبر.
والثانية عن الأعمال التي تدفع هذه الوحشة.
والثالثة حكايت لأحد الصالحين عن آثار صلاة الوحشة.
وتضاف الى ذلك فقرة لقاءنا مع ضيف البرنامج الشيخ محمد السند.
فكونوا معنا في هذه الحلقة واتحفونا بآرائكم واقتراحاتكم واسئلتكم وتواصلكم معنا عبر عناوين الاذاعة.
البريد العادي وهو: ايران – طهران – ص. پ ٦۷٦۷/۱۹۳۹٥
*******
اعاذنا الله واياكم من وحشة القبر اللهم أمين، ولكن ما هي حقيقة هذه الوحشة وهل دلت عليها النصوص الشريفة؟!
النصوص المصرحة بوحشة القبر كثيرة نشير الى بعضها في الفقرة التالية ومنها ننطلق لمعرفة حقيقتها.
اذن فليكن عنوان هذه الفقرة هو:
القبر والغربة والظلمة والدود
روى ثقة الاسلام الكليني (رضوان الله عليه) في كتاب الكافي مسنداً عن الامام الصادق (سلام الله عليه) انه قال:
ان للقبر كلاماً في كل يوم يقول: «انا بيت الغربة، انا بيت الوحشة، انا بيت الدود، انا القبر، انا روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران».
وفي الكافي ايضاً حديث اخر اكثر تفصيلاًعن الامام الصادق عليه السلام يفصل مضمون الحديث المتقدم يقول في مقدمته: «ما من موضع قبر الا وهو ينطق كل يوم ثلاث مرات: انا بيت التراب انا بيت البلاء انا بيت الدود...
وفي كتاب أمالي الشيخ الطوسي (رضوان الله عليه) وضمن وصية لمولى الموحدين وامير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: «عباد الله، ما بعد الموت لمن لا يغفر له اشد من الموت، القبر فأحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته، ان القبر يقول كل يوم: انا بيت الغربة انا بيت الوحشة، انا بيت الدود...».
وكان من دعاء الامام الصادق (عليه السلام) - في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك- كما رواه السيد ابن طاووس في كتاب اقبال الاعمال قوله (سلام الله عليه): «... اللهم اعني على وحشة القبر، اللهم اعني على ظلمة القبر، اللهم اعني على اهوال يوم القيامة...».
اذن الأحاديث المتقدمة تخبرنا بصراحة بموقف او حالة الوحشة في القبر، ويستفاد من احاديث اخرى انها تكون على اشدها عند موت الانسان وادخال بدنه في القبر.
وهذا ما يستفاد من حديث مروي في الكافي وغيره مسنداً عن الامام الكاظم (عليه السلام) انه قال: «اذا اتيت بالميت الى شفير قبره فأمهله ساعة، فانه يأخذ اهبته للسؤال...».
ويتضح من حديث الامام الكاظم (عليه السلام) ان وحشة القبر ترتبط بما يستقبله الانسان وهو ينتقل الى عالم القبر والبرزخ الذي لم يألفه من قبل، خاصةً وانه عالم يشتمل على اتضاح كثير من حقائق الاشياء وظهور اهوال عدة مثل مساءلات منكر ونكير وفتان القبر وغير ذلك.
اجل مستمعينا الأعزاء، ويضاف الى ذلك مشاهدة الانسان لبدنه يدخل في حفرة ضيقة تجول فيها الدود المستعدة لنهشه وهو البدن الذي كان يحرص كل الحرص على المحافظة عليه وابعاد اضعف الحشرات عنه.
اذن يمكن القول ولو على نحو الاجمال ان وحشة القبر تعبر عن حالة الرهبة من انتقال الانسان من الحياة التي ألفها الى حياة يكون في بدايتها غريباً وحيداً يوضع جسده في التراب فاقداً لأي قدرة على دفع اذى ابسط الحشرات عنه وابعاد التفسخ والتحول الى تراب عنه، اضافة الى استقبال روحه لأهوال تناسبها اشد مما ينزل بجسدها الذي هو فان اساساً.
ولكن هل ان وحشة القبر هي امر محتوم لامناص منه ولا فرار عنه، ام ثمة أمور تدفعها عن الانسان او تعينه على تجاوزها؟
الأحاديث الشريفة المتقدمة اجابتنا بوضوح ان وحشة القبر ليست قدراً محتوماً بل بالامكان النجاة منها بجملة من الاعمال الصالحة من العبادات وغيرها.
*******
هذا ما سنتناوله اعزاءنا بعد الفقرة التالية وهي اجابات سماحة الشيخ محمد السند عن اسئلتكم للبرنامج.
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي وردت الى البرنامج سؤال عن عذاب القبر، هل هذا العذاب يحدث في بداية دخول الانسان عالم القبر ام يبقى مستمراً الى يوم يبعث؟ تفضلوا.
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير الانبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين، عذاب القبر تارة يطلق ويعبر ويسمى عن مطلق حالة البرزخ وتارة يراد بعذاب القبر مرحلة القبر اي مرحلة الموت الاولى، مراحل الموت الاولى تسمى حالة القبر وعذاب القبر ان كان عذاباً او نعيماً ولكن بعد ذلك يطوي الانسان منازل اخرى في البرزخ ففي الحقيقة نفس مرحلة القبر سواء من الضغطة او عدم الضغطة وبداية الانس بهذا المنزل الجديد ومن نوع من التعلق او كيفية الموت وكيفية الوضع في القبر كيفية حمل الجنازة، كيفية تعلق الروح في بداياتها، وكيف تنفصل الروح عن هذا التعلق وهو ثاوي في التراب، هذه تسمى مراحل القبر الاولى، بنحو اخص ومطلق يسمى عذاب القبر او مراحل القبر ان عذاباً او نعيماً من هذه المراحل، يراد من القبر يعني مطلق البرزخ فيجب التفكيك بين الاستعمالين نتناول المعنى الاخص وهو عذاب القبر في هذه المراحل، في الواقع هي المراحل الاولى والمنازل الاولى من ضغطة القبر او هول المطلع او هول الذهاب الى القبر، هول تناول الآخرين لبدن الانسان وكيفية تغسيله بحيث روي في بعض الروايات عن سلمان الفارسي انه اراد ان يستطلع على ما يجري على الانسان بعد مفارقة الروح البدن فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ورداً وذكراً وقال له ان يذهب الى المقبرة ويساءل فلان من الموتى، ومن مقطوعات تلك الحوارية التي جاءت بين الميت وسلمان الفارسي، هو ان الميت عندما يغسل بتوسط ذويه يشعر انه يغرق في بحور المحيطات ثم يرفع من تلك حالة الغرق اذن احوال مهولة بحسب موقعيت الانسان ومنزله والافأن هذه المراحل الاولى من القبر ربما بعض الصالحين لا يمرون بها ولا يذوقون شدتها كما نقل عن الشيخ الاقا رضا الهمداني من الفقهاء الكبار من تلاميذ الميرزا الكبير وكان يقطن سامراء المشرفة التي نعيش هذه الايام في عزاء وفاجعة كبرى من جراء هذه الجريمة في هتك هذا البيت من بيوت النبي صلى الله عليه وآله وهذا الحرم من حرم الله عزوجل هو ثاوي الشيخ آقا رضا الهمداني هو قبره عند الضريح الشريف هذه رؤية من تلامذته بعدما مات بأشهر طويلة فسأله الرآئي في الرؤية انه كيف وجدت الموت قال لم اشعر الا اني قد نمت واستيقظت من النوم فخوطبت بأن هذه مفاتيح لهذا القصر فأذهب وعش فيه ويقول ذهبت وعشت فيه وبعد مدة مديدة عرفت اني قد مت وان هذا قصر في البرزخ، حول نزع الروح وكيفية الذهاب به، كل هذه المراحل لم يحس بها نظراً للامتحانات التي كابدها وهو في حياته، نقل انه رغم فقاهته وتربيته لجيل مهم من رجال الدين الكبار والمراجع الذين تصدروا زعامة الفتية والمرجعية الى انه عاش في فقر مدقع جداً وفي زهد عجيب كان يعيش في سامراء وعند جوار العسكريين سلام الله عليهما ولم يرزق من الذكور شيء وانما رزق اربع او خمس اناث على اية حال كانت المعيشة ضيقة به وكان رغم ذلك برحابة خلقة وسعة صدره ومصابرته وانتاجه العلمي الذي لا تزال الحوزات العلمية ترفد من كتبه في التحقيقات الرشيقة او ماشابه ذلك فهو شدائد البرزخ مر بها وهو في الدنيا ولا يعاود امتحانه بها في اوائل ذهابه الى البرزخ كما يقال في علم المعرفة هو قد طواها وهو في الدنيا، فهناك لاقى النعيم بمجرد نومة الموت.
المحاور: سماحة الشيخ هناك سؤال آخر بشأن العلاقة بين عذاب البرزخ وعذاب الآخرة لو سمحتم نوكله الى حلقة مقبلة جزاكم الله الف خير وجزا مستمعينا كل خير والى ما تبقى من فقرات البرنامج.
*******
نتابع هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل، بتجديد ترحيبنا بما يصلنا منكم اعزاءنا من اسئلة بشأن موضوعاته ومن مساهمات واقتراحات.
وننتقل الآن ايها الاخوة والاخوات الى التعرف على ماهدتنا اليه احاديث اهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) من اعمال تؤدي الى النجاة من حالة الهول والرهبة التي تصاحب انتقال الانسان الى عالم البرزخ وادخال جسده القبر.
هذا ما نبدأ الحديث عنه في الفقرة التالية وعنوانها هو:
سبل النجاة من وحشة القبر
اولى سبل النجاة من وحشة القبر هو سلاح الدعاء وطلب ذلك من الله - عزوجل- بصدق واخلاص وانقطاع والتزام بسائر شروط الدعاء واستجابته.
اجل، هذا ماهدانا اليه الامام الصادق (سلام الله عليه) في دعاء ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك الذي نقلناه عن كتاب اقبال الاعمال للسيد ابن طاووس (رضوان الله عليه).
وهذا اعزاءنا من السبل المنجية التي يمكن للانسان ان يقوم بها لنفسه قبل وفاته ولغيره من الذين توفاهم الله - عزوجل-.
والمؤمن محب للخير لنفسه وللآخرين، فلنستثمر هذه الفرصة بأن ندعو الله -عزوجل- بذلك لنا ولسائر المؤمنين قائلين:
«اللهم، يا الله، يا رؤوف يا رحيم، يا ارحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد واعنا وسائر المؤمنين على وحشة القبر وغربته وظلمته انك نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على محمد وآله الطيبين والحمد لله رب العالمين».
ايها الاخوة والاخوات، ومن السبل الأخرى المهمة للنجاة من وحشة القبر هو الاهتمام بحضور القلب والتوجه الى الله - عزوجل- اثناء الصلاة واتمام اركانها خاصة، لاسيما الركوع.
وهذا ما هدانا له مولانا الامام محمد الباقر (سلام الله عليه)، في الحديث الذي رواه الشيخ الجليل القطب الراوندي في كتاب الدعوات بسنده عن سعيد بن جناح.
قال سعيد بن جناح: كنت عند ابي جعفر [يعني الامام الباقر] (عليه السلام) فقال مبتدءاً: «من اتم ركوعه لم تدخله وحشة القبر».
وقد خصص الشيخ الصدوق في كتابه ثواب الأعمال باباً لاتمام الركوع ذكر فيه هذا الحديث الشريف في اشارة لأهميته.
ومن هذه الاعمال العبادية ايضاً هو الاهتمام بالاذكار التوحيدية وترسيخ التوجه الى الله - عزوجل- والخضوع لحاكميته واستشعار مالكيته.
اجل، فقد روى جملة من المحدثين كالشيخ الطوسي في الأمالي والصدوق في ثواب الاعمال والقطب الراوندي في الدعوات والكفعمي في البلد الأمين وغيرهم (رضوان الله عليهم) بأسانيدهم الحديث الشريف التالي: «من قال مائة مرة (لا اله الا الله الملك الحق المبين) اعاذه الله العزيز الجبار من الفقر وآنس وحشة قبره واستجلب الغنى واستقرع باب الجنة».
*******
ايها الاخوة والأخوات، ثمة اعمال اخرى تنجي من وحشة القبر سنتحدث عنها في الحلقة المقبلة بأذن الله، اما الآن فإلى الفقرة الختامية.
وهي حكاية مؤثرة تشهد بآثار اهداء صلاة الوحشة او صلاة ليلة الدفن والتي سنتناولها في الحلقة المقبلة عنوان الفقرة هو:
هدية لأهل الولاء
روى آية الله النوري في كتابه القيم دار السلام عن المولى الزاهد الشيخ فتح علي السلطان آبادي (رضوان الله عليهما) انه قال:
كنت ملتزماً بان اصلي ركعتين ليلة دفن كل من اسمع بموته من اهل الولاء سواء كنت اعرفه ام لا، ولم يكن احد يعلم بعملي هذا الى ان لقاني يوماً في الطريق بعض الاصدقاء وطلب مني ان اعلمه هذه الصلاة وكيفيتها رغم اني لم اخبره من قبل بشيء عنها، لكنه عرف بها من رؤيا رآها، قال:
يا سيدي، رأيت في عالم المنام البارحة فلاناً - وذكر اسم احد اهل الولاء كان قد توفي قبل ايام- فسألته عنه حالة وما جرى عليه بعد الموت، فقال: كنت في شدة وبلاء وآل امري الى العقاب عند الجزاء الا ان الركعتين اللتين صلاهما المولى السلطان آبادي انقذتني من العذاب ودفعت عني مضاضة العقاب فرحم الله اباه لهذا الاحسان الذي وصلني منه.
وفقنا الله - عزوجل- واياكم اعزاءنا لكل خير، وها نحن قد وصلنا الى ختام هذه الحلقة.
وللحديث عن وحشة القبر وحقيقتها وكذلك عن السبل المنجية منها تتمة نوكلها الى الحلقة المقبلة باذن الله.
الى لقائنا المقبل نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******