موضوع الحلقة:
• كلمة للأمير(ع) في بيان كرامة الدنيا
• قصة تلقين النبي(ص) لغلام يهودي واسلامه قبل الموت ببركته (صلى الله عليه وآله)
• الشيخ محمد السند يجيب عن الأسئلة المستمعين
• القسم القسم الحادي والعشرين من رواية (سياحت غرب)
• أشعار في التوجه للآخرة وعدم الاغترار بالدنيا
*******
الحمد لله الحليم الكريم العلي العظيم الذي جعل الدنيا مزرعة للآخرة وهيأ لعباده كل ما سالوه مما يلزمهم لاعمار دار البقاء.
والصلاة والسلام على عون عباده على عبادته وهداتهم في الوصول اليه محمد وآله المعصومين.
السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله واهلاً بكم ومرحباً في الحلقة الحادية والعشرين من حلقات هذا البرنامج نفتتحها بهذه الكلمة العلوية التي تعرفنا بحقيقة الدنيا.
فقد قال امير المؤمنين (عليه السلام) كما جاء في نهج البلاغة:
«ان الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار موعظة لمن اتعظ بها ودار عافية لمن فهم عنها ومسجد احباب الله ومتجر اوليائه اكتسبوا منها الرحمة وربحوا منها الجنة».
مستمعينا الافاضل، وصل بنا الحديث عن آداب الاحتضار وهو آخر منازل الدنيا واول منازل الآخرة الى أدب تلقين المحتضر العقائد الحقة واولها كلمة التوحيد وهذا هو موضوع الحديث في الفقرة الاولى من فقرات البرنامج.
في الفقرة الثانية سننقل لكم رواية عن قصة اسلام غلام يهودي قبيل موته ببركة رحمة الله الكبرى للعالمين محمد (صلى الله عليه وآله).
وفي الفقرة الثالثة يجيب سماحة الشيخ محمد السند عنه بعض ما وصلنا من اسئلتكم بشأن الحياة بعد الموت.
ونتابع في الفقرة الرابعة رواية مسيرة الارواح بعد الموت معدةً بتصرف عن كتاب (سياحت الغرب) لآية الله القوجاني النجفي رضوان الله عليه.
ونختم البرنامج بجولة سريعة في رحاب الادب وما يستجاد من اشعار وحكم فيما يرتبط بالحياة والموت وها نحن نبدأ باولى فقرات هذه الحلقة وعنوانها هو:
*******
ادب التلقين
معنى "ادب التلقين" - ايها الاخوة والاخوات- هو اعانة المحتضر على النطق بالكلمات الجامعة المعبرة عن العقائد الصحيحة التي تكون بها النجاة والرحيل عن هذه الدنيا مع ايمان يعين الانسان على طي منازل الآخرة بسلام.
ولا يخفى ان في العمل بهذا الادب الشرعي تذكيراً للانسان بتلك العقائد الحقة لكي يعيش وهو في ساعاته الاخيرة حقائقه الايمانية فتكون عونا له على التغلب على مساعي الشيطان في تلك الساعات الحساسة لسلبه الايمان ودفعه للكفر والخروج من هذه الدنيا كافراً.
من هنا فان من اهم ما يؤدي الى تحقيق هذا الادب للمرجو منه هو ان يكون التلقين بلطف مشفوع بروح الرحمة والشفقة واشعار المحتضر ان الملقن يسعى الى صالحه ونجاته.
روي في كتاب ثواب الاعمال والمحاسن وغيرهما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: «لقنوا موتاكم لا اله الا الله فانها تهدم الذنوب».
فقالوا: يا رسول الله فمن قال في صحته؟
فقال (صلى الله عليه وآله): ذلك اهدم واهدم.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): ان لا اله الا الله انس للمؤمن في حياته وعند موته وحين يبعث قال لي جبرئيل: يا محمد لو تراهم حين يخرجون من قبورهم ... هذا يقول لا اله الا الله والحمد لله، وهذا يقول: يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله.
هذه ايها الاخوة والاخوات نماذج لكثير من الاحاديث الشريفة التي تحث على الاهتمام بذكر لا اله الا الله وهو كلمة التوحيد الطيبة في جميع مراحل العمر.
كما ان اهل بيت النبوة (عليهم السلام) اكدوا على ان هذه الكلمة هي من اهم اركان تلقين الانسان في ساعاته الاخيرة وقد حفلت الروايات الشريفة بكثير من النصوص الدالة على انهم عليهم السلام كانوا يحرصون على تلقين الناس هذه الكلمة وحثهم على النطق بها قبل الموت.
بل ونلاحظ في بعض الروايات ان من السنة النبوية عرض هذه الكلمة الطيبة والشهادة بها حتى من غير المسلمين قبل موتهم لتكون سبباً لنجاتهم.
وها نحن ننقل لكم نموذجاً لذلك في الفقرة التالية، وهي رواية عرض الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) هذه الكلمة الطيبة علىغلام يهودي توسم فيه الخير والاستعداد للهداية.
روى الشيخ الصدوق في مجالسه مسنداً عن الباقر (عليه السلام) ان غلاماً من يهود المدينة كان يأتي كثيراً النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) حتى استخفه اي وجده خفيفاً سريعاً في انجاز الاعمال وربما ارسله في حاجة وربما كتب له الكتاب الى قوم ثقة بامانته.
ثم ان النبي (صلى الله عليه وآله) افتقده اياماً لم ياته فيها، فسأل عنه فقال له قائل: تركته يا رسول الله في آخر يوم من ايام الدنيا: اي ان مرض الموت قد احاط به فاتاه النبي (صلى الله عليه وآله) في ناس من اصحابه
قال الباقر (عليه السلام): وكان (صلى الله عليه وآله) بركة لايكاد يكلم احداً الا اجابه يشير الامام (عليه السلام) بهذا الوصف الى ان الغلام كان مثقلاً بالمرض الى درجة لم يكن معها قادراً على اجابة من يكلمه او حتى الانتباه الى من يكلمه الا انه رغم ذلك اجاب النبي المبارك (صلى الله عليه وآله) لما كلمه.
ويتابع الامام الباقر (عليه السلام) رواية ما جرى قائلاً: فقال (صلى الله عليه وآله): يا فلان ففتح الغلام عينيه وقال: لبيك يا ابا القاسم فقال (صلى الله عليه وآله): اشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله.
وعندها نظر الغلام الى ابيه اليهودي نظرة من يريد ان يعرف رأيه فلم يقل الاب شيئاً. ثم ناداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثانية وقال له مثل قوله الاول فنظر الغلام الى ابيه فلم يقل الاب له شيئاً.
اشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله.
ثم ناده رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثالثة فالتفت الغلام الى ابيه فرق الاب له، وقال: ان شئت فقل وان شئت فلا!
وعندها سارع الغلام الى النطق بالشهادة واعلان دخول الاسلام فقال مكلماً النبي (صلى الله عليه وآله) المنقذ من النار: اشهد الله ان لا اله الا الله وانك محمد رسول الله.
ثم مات الغلام اثر ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابيه: اخرج عنا فخرج فقال (عليه السلام) لاصحابه: غسلوه وكفنوه واتوني به اصلي عليه ثم خرج وهو يقول: الحمد لله الذي انجى بي اليوم نسمة من النار.
*******
اعزاءنا المستمعين في الفقرة التالية يعرض زميلنا بعض اسئلتكم الواصلة للبرنامج بشأن موضوعه على سماحة الشيخ محمد السند فلنستمع معاً.
المحاور: جزاكم الله سماحة الشيخ تجيبون على اسئلة المستمعين في هذه الحلقة وفي سابقاتها وان شاء الله في لا حقاتها ومنهم الاخ العزيز من القطيف عزيز الملا يسأل ويقول في اي كيفية يزور المتوفى اهله على اية حال زيارات متبادلة وما يقصده هنا يزور اهله بأعتبار انه يقول قرأت في بعض الاحاديث الشريفة انه يزورهم بهيئة طائر فهل يرون هم هذا الطائر ام ان الامر مجرد تشبيه؟
السيد محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآل بيته الطاهرين، ان التعبير لايوازن انهم يرونه كطائر وانما المراد من ذلك وهو انه ببدنه البرزخي يحصل له نحو يتعلق بموضع اهله الذين هم فيه من بيتهم وماشابه ذلك ولا يمنع من ذلك انه قد يتمثل لهم اذ انه بأسطاعة اهل البرزخ ان يتمثلوا لاهل الدنيا وهذا التمثل ليس من الضرورة ان يكون نوع من التكسب لمادة دنيوية وانما هو تمثل وارتباط بالعين البرزخية التي الاحياء يرون بها كما يقال انه كشف عن بصره لانه في الحقيقة للانسان عين واذن ولسان في بدنه البرزخي وهي التي يشاهدها في رؤى المنامية، هذه هي قد تكون مفاعلة في اليقظة ويدرك بها الانسان ويجانسها من وجودات برزخية وموجودات برزخية وفي الحقيقة لاينشغل الانسان في آلاته، حسه البدني الدنيوي بل وينشد اليها ويعزب عنها وهي ادراكاته التي هي بتوسط ذلك الجسم البرزخي ومن ثم يستطيع ان يرى بتلك العين في حال اليقظة.
المحاور: سماحة الشيخ للاخ عزيز الملا سؤال آخر لعله هذا هو مفتاح جوابه يقول بأي عين يرى الميت ملك الموت والائمة (عليهم السلام) الذين يحضرونه عند الوفاة.
السيد محمد السند: نعم هناك نوع من الادراك بالعين البرزخية التي قد يقال لها بالبدن ولكن هذا لا ينافي ان هناك نحو تناسب مع البدن الدنيوي ايضاً لنلك الحالات المشاهدة والكشف التي تحصل لبعض الافراد هو عندما يدرك بعين بدنه الدنيوية ولكن في الحقيقة هو ادراكه بالبدن المنامية والبدن المثالي البرزخي.
المحاور: عفواً سماحة الشيخ نوع ادراك ام لا يعني يشعر بالصورة التي يراها صورهم (عليهم السلام) او صورة ملك الموت (عليه السلام) ليس يشعر بوجوده فقط ولكن حتى يتعرف على صورته، ولكن غاية الامر هي تلك العين البرزخية يعني لو سؤل كيف شكل او صورة ملك الموت مثلاً يجيب ويقول بتلك الكيفية المعينة، هذا الامر يستطيع ان يجيب عنه.
السيد محمد السند: نعم ملك الموت يتمثل لصورة برزخية لنفس الميت هذه الصور البرزخية وهذا التمثل البرزخي وهذا الادراك من الميت بجسمه وعينه البرزخية لتلك الامور والصور والتمثيلات البرزخية لها نحو تعلق ومناسبة بالدار التي هو فيها وبالبدن الدنيوي الذي هو فيه ففي الحقيقة كيف انه الآن نحن هناك علاقة بين ارواحنا والعين البرزخية والبدن الدنيوي، نحو علاقة ونحو ارتباط ونحو مناسبة فكذلك الحال في رؤية وادراك ملك الموت في صورة معينة برزخية لها ارتباط بهذا البدن الدنيوي الذي نحن فيه وبهذا الموضع ولكن شاهد تمثل ملك الموت بصورة معينة في هذه الدار فلها علقة ايضاً بهذه الدار وان كانت تلك الصورة التي تمثل بها ملك الموت هي صورة برزخية ولكن البرزخ له نحو علقة متعددة بمواضع عديدة من هذه الدار وهذه الماده الغليظة الدنيوية.
المحاور: شكراً سماحة الشيخ اذن يمكن القول ان الارتباط موجود على اية حال بين البرزخ وهذه الحياة الدنيا من خلال ما يصلهم للموتى من العمل الصالح لذويهم واصدقاءهم لذلك اطلاع الموتى على احوال اهاليهم من خلال هذه الزيارات،
السيد محمد السند: نعم بالطبع هناك ارتباط ونوع من التأثير والتأثر بنوع من المناسبة والانسجام وان كان عالمين او من نمطين مختلفين تماماً عن بعضهما البعض، لكنه تماماً كحال الارتباط بين روحنا وبدننا البرزخي او بين بدننا المناحي الذي نراه، البدن الذي نراه في المنام ليس يعادل البدن في اليقظة، موجود ولكنه يرتبط مع هذا البدن.
المحاور: شكراً جزيلاً للشيخ محمد السند على ما تفضل به.
*******
سياحت غرب (القسم الحادي والعشرين)
نتابع مستمعينا الاكارم تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل، بنقلكم الى اجواء سياحة في عوالم البرزخ من خلال القسم الحادي والعشرين من رواية (سياحت غرب) التي كتبها آية الله الشيخ القوجاني النجفي رحمه الله بلون قصصي جميل استناداً الى حقائق معرفية اشتملت عليها الاحاديث الشريفة وتجارب اولياء الله.
اذن لنتابع مع بطل الرواية مجرياتها بعد ان رأينا في الحلقة السابقة انه فاز بلقاء بعض اولياء الله في البرزخ كبعض ردهم لجميل زيارته لهم في الحياة الدنيا وتفاعله مع مظلوميتهم (عليهم السلام).
مسيرة الارواح بعد الموت
شعر رفيقي الهادي بان رحيل سيدي ابي الفضل العباس ورضيع الحسين (عليهم السلام) عن دار السرور بعد زيارتهم المباركة لنا جعلني لا اطيق صبراً على البقاء في محل استراحتنا رغم انه كان قصراً في احدى قرى تلك الدار.
اجل لم يكن صعباً على رفيقي الوفي هذا وهو الصورة البرزخية لمودتي وموالاتي في الدنيا لاهل البيت (عليهم السلام) ان يدرك شدة تلهفي لطي باقي منازل الطريق على امل ان التقي بعدها اولئك السادة الاحبة (عليهم السلام) ولكن كان لابد من الانتظار لحكمة افصح عنها رفيقي الهادي عندما قال لي:
يمكننا ان نبقى هنا عشرة ايام،علينا فيها ان نستعد ونستقوي قدر المستطع فالمرحلة القادمة يكثر فيها قطاع الطريق.
ثم قال: انت لا زلت ضعيفاً وزادك قليل، فعليك ان تزور اهلك ليلة الجمعة لعلهم يذكرونك فيعملون لك عملاً صالحاً يزيد من قوتك سألته مستغرباً: اننا في وادي السلام فكيف يدخله قطاع الطرق؟
اجاب: ان وفائي لك يدعوني للتفكير في مستقبلك انت لا تعرف الطريق الذي سنسلكه انه طريق ضيق محاذ لاراضي «برهوت» المشحونة بالنار والعذاب وسيحاول رفيقك «جهل» ان يزل قدمك لتسقط فيها وعندها لن ارافقك لان اراضي برهوت محرمة على مودة اهل البيت فاذا سقطت فيها قد تبقى محبوساً فيها عشرة شهور وهذه نتيجة التهاون في الاستعداد والاستقواء الذين ادعوك لهما خلال هذه الايام العشرة.
وهكذا لم اجد بداً من البقاء في قصر الاستراتحة تلك الايام العشرة، وفي ليلة الجمعة ذهبت الى داري في الدنيا، او الذي كان داري واصبح اليوم دار غيري لقد وجدت التي كانت زوجتي قد تزوجت وهي منهمكة بالعناية بزوجها الجديد وابنائي قد تفرقوا استمعت لاحاديث المادة قرب الدار فكانت جلها عن معاملات تجارية وشؤون الدنيا فتألمت لغفلتهم عما هو آت وعن خواتيم اعمالهم، كان فيهم بعض معارفي واصدقائي تمنيت ان يذكرني احدهم في هذه الليلة ليلة الجمعة بطلب رحمة من الله يبعثها لي وانا في هذا العالم الذي قصرت فيه يداي عن تقديم اي جديد استعين به في سيري هذا وانا اطوي هذه المنازل الخطيرة.
ولكنها كانت مجرد امنية فكيف اتوقع منهم ان يذكروني وقد نسوا انفسهم وشغلهم المال والبنون والعيال وزينة الحياة الدنيا والهاهم عن اعمار آخراهم؟!
ولكن ولله الحمد سرعان ما ذهبت غمامة الياس هذه بحديث سمعته من زوجين حديثي الزواج سكنا مقابل داري كلاهما الفتى والفتاة كانا من احفادي كان ياكلان فاكهة من اشجار كنت قد غرستها بنفسي سمعت الفتى يقول: هذه الفاكهة من اشجار زرعها جدنا رحمه الله لنا، وهو الآن تحت التراب اجابت زوجته: بل هو الآن في روضة من رياض الجنة يرحمه الله لقد سمعته ذات امسية يقول لنا ان في عالم البرزخ روضات من رياض الجنة للمؤمنين لقد كان يحبنا حقاً، ويعطينا النقود والحلوى ليدخل السرور في قلوبنا! أسأل الله ان يدخل السرور في قلبه حيثما كان.
فقال الفتى: صدقت رحمه الله لقد كان يشجعني على طلب علوم الدين والانخراط في مسلك علمائه وقد حببتني سيرته في ذلك ما اعظم حقه علي...
ثم قال لها: الليلة، ليلة الجمعة، فما رايت ان يتلو كل منا سروة من القرآن ويهدي ثوابها اليه؟ ساتلو انا سورة الانسان واقرئي انت سورة الدخان.
مكثت عندهما حتى انتهيا من تلاوة السورتين وقد غمرني السرور، دعوت الله لهما بكل خير ثم عدت الى مقري فرأيت رفيقي الهادي قد اعد لي الفرس وشد عليه خرجاً لم اره من قبل فسألته: من أين لك هذا الخرج؟
اجاب: جاء به ملك وقال: ان في احد جيبيه هديةً لك من الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام ارسلته لك بمناسبة تلاوة سورة الدخان التي تخصها وفي الجيب الآخر هدية لك من امير المؤمنين عليه السلام ارسلها بمناسبة تلاوة سورة الانسان التي تخصه على روحك.
قلت: الا نفتح الخرج لنرى ما فيه؟
قال: لا تعجل لا شك ان فيه ما نحتاجه في هذه الرحلة وسوف نفتحه عند الحاجة، اتحب ان نتحرك الآن... لقد اوصاني الملك ان نتحرك على مبعدة من وادي «برهوت» لكي لا تصيبنا سمومه قلت: ما اسعدني بهذه الهدايا الكريمة، توكل على الله انا مستعد للمسير. ثم قفزت مبتهجاً الى ظهر الجواد وتحركنا.
*******
مستمعينا الافاضل، من بليغ ما قيل في الحث على ذكر الموت والاستعداد له بصالح الاعمال ما انشده ابو الحسن محمد بن حاتم المظفري حيث قال:
يحب الفتى طول البقاء وانه
على ثقة ان البقاء فناء
زيادته في الجسم نقص حياته
وليس على نقص الحياة نماء
اذا ما طوى يوماً طوى اليوم بعضه
ويطويه ان جن المساء مساء
جديدان لا يبقى الجديد عليهما
ولا لهما بعد الجميع بقاء
وقد اجاد محمد بن سعيد بن سهل الطاجي البصري بيان هذه الحقيقة من زاوية اخرى حيث قال:
خلقنا لأمر فان لم نكن
به مؤمنين فانا لنوكى
وان نحن كنا به مؤمنين
ولسنا نخاف فانا لهلكى
والنوكى هم الحمقى وقريب منه قول بعض الادباء:
ومن كانت الدنيا هواه وهمه
فذلك مجنون وان قيل عاقل
وهذا المعنى فصله الفضيل بن عياض في قوله:
دعاك الله الى دار السلام وقد آثرت في دنياك المقام، وحذرك عدوك الشيطان وانت محالفه طول الزمان، وامرك بمخالفة هواك وانت معانقه صباحك ومساك، فهل الحمق الا ما انت فيه!
اعاذنا الله واياكم احباءنا من كل ذلك ورزقنا التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلول الفوت، ببركة مودة محمد وآله والتمسك بولايتهم ان سميع مجيب والى لقاء مقبل باذن الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******