الحمد لله ربنا الذي لا ارحم منه والحمد لله ربنا الذي لا ارأف منه الغفور اللطيف الذي سبقت رحمته غضبه لا اله الا هو الحليم والكريم.
والصلاة والسلام على حبيبه المصطفى وآله معادن رحمة الله ومظاهر رافة الله وكرمه الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم ومرحباً في الحلقة الثامنة عشرة من حلقات هذا البرنامج يسعدنا ان نكون معكم فيها وجولة تشتمل على الفقرات التالية:
حديث عن: حسن الظن بالله اهم عوامل النجاة عند الموت.
اجابات ضيف البرنامج عن اسئلتكم الواردة للبرنامج. مسيرة الارواح بعد الموت والدخول في قرى دار السرور. ابو نؤاس وحسن العاقبة.
*******
مستمعينا الافاضل انهينا في الحلقة السابقة الحديث عن القسم الاول من العوامل المنجية من سوء العاقبة والمودية بتوفيقه الله عزوجل الى حسن العاقبة والنجاة من خطر العديلة عند الموت ونبدأ في هذه الحلقة بالحديث عن القسم الثاني من هذه العوامل.
لا بأس ان نذكركم اعزاءنا بان المقصود من القسم الاول من هذه العوامل المنجية هي الاعمال التي ينبغي للمسلم الاهتمام بها طوال حياته وليس عند الاحتضار وحلول الاجل اما القسم الثاني فهي ما يمكن ان نصطلح عليها بآداب الاحتضار والامور التي ينبغي للمسلم الاهتمام بها عند حلول الموت.
لابأس ايضاً ان نذكر انفسنا ومستمعينا الاكارم بخلاصة لما بينته لنا الاحاديث الشريفة من عوامل القسم الاول. فأهم هذه العوامل تقوية الارتباط بالله عزوجل من خلال الاهتمام بالطاعات واجتناب المعاصي، والسعي لرضاه ومحبته والحذر مما يسخطه.
ثم الاهتمام اكثر ببعض الاعمال ذات التاثير الخاص في الفوز بحسن العاقبة والنجاة من اكبر هجوم يشنه الشيطان على الانسان وهو يحتضر لحرفه عنه العقائد الحقة وسلبه الايمان في ساعاته الأخيرة وهو يستعد للرحيل عنه الدنيا. ومن هذه الاعمال الاهتمام بأداء الصلاة في اول اوقاتها والاهتمام ببر الوالدين واجتناب اسخاطهما ومنها الاهتمام بتلاوة دعاء خواتم الخير من ادعية الصحيفة السجادية وكذلك دعاء الاستعاذة من الشيطان من ادعية هذه الصحيفة المباركة.
ومنها المواظبة على تلاوة دعاء «اللهم انا نعوذ بك من العديلة عند الموت» ودعاء «رضيت بالله رباً» الى نهاية ذكر الائمة الاثني عشر عليهم السلام والذي يستحب تلاوته ضمن تعقيبات الفرائض.
ومنها الاهتمام بزيارة المراقد الشريفة ومشاهد النبي والائمة والاولياء عليهم السلام والتوسل بهم الى الله عزوجل في طلب حفظ الايمان وحسن العاقبة رزقنا الله واياكم ذلك.
ايها الاخوة والاخوات الاحاديث الشريفة هدتنا الى جملة من العوامل التي ينبغي الاهتمام بتوفرها عند الاحتضار للفوز بحسن العاقبة والنجاة من العديلة عند الموت. بعض هذه الاعمال ينبغي ان يستحضرها المحتضر بنفسه وبعضها الآخر يجدر بالآخرين من الحريصين على مستقبله الاخروي ان يعينوه على توفيرها. ومن أهم هذه العوامل هو حسن الظن بالله عزوجل وتقويته في قلب المحتضر وهو يودع دار الدنيا.
وقد اكدت هذا العامل جملة من الاحاديث الشريفة، منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: «لا يموتن احدكم حتى يحسن ظنه بالله عزوجل فان حسن الظن بالله ثمن الجنة».
كما روي في كتاب عيون اخبار الرضا عليه السلام مسنداً ان الامام الصادق عليه السلام سأل عن احد المؤمنين كان يحضر مجلسه فقيل له انه عليل، فقصده عائداً وجلس عند رأسه فوجده دنفاً اي ان المرض قد ثقل عليه في اشارة الى الاحتضار، فقال له عليه السلام: «احسن ظنك بالله...».
واستناداً الى هذه النصوص وغيرها افتى الفقهاء بان من آداب الاحتضار حسن الظن بالله عزوجل فقال الشهيد الاول رضوان الله عليه في كتاب الذكرى: «يستحب حسن الظن بالله في كل وقت وآكده عند الموت، ويستحب لمن حضره (يعني المحتضر) امره بحسن ظنه وطمعه في رحمة الله».
مستمعينا الافاضل في الحلقة المقبلة سنتعرف بعون الله تبارك و تعالى على معنى حسن الظن بالله عزوجل و مصداقه المطلوب عند الاحتضار بالخصوص كما سنتعرف ان شاء الله على كيفية وسبل تحصيل الحالة المطلوبة من حسن الظن بالله عزوجل.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج عوالم ومنازل بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند اهلاً ومرحباً بكم:
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ من الاخ كاظم ابو عبد الله من السعودية وردت للبرنامج رسالة اشتملت على سؤالين في الواقع، في السؤال الاول يقول: ما هو رأيكم بتحضير الارواح، وهل هو امر ممكن حق، وكيف يرتبط اهل البرزخ مع اهل الدار الدنيا؟ تفضلوا سماحة الشيخ.
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين وبعد، اصل ارتباط اهل البرزخ بأهل الدنيا قد وردت فيه روايات عديدة دالة على وجود مثل هذا الارتباط سوى عبر الرؤيا او عبر ربما الوان اخرى من الارتباط.
المحاور: عفوا سماحة الشيخ تقصدون رؤية الأحياء مثلا للاموات في عالم الرؤيا.
الشيخ محمد السند: نعم رؤيا المنام رؤيا المنامية باعتبار نفس الرؤية المنامية بالنسبة الى الحي هي حالة نوع برزخية فيتم الارتباط بين اهل الدنيا واهل الآخرة من هذا الطريق وكم هناك من شاهد صدق قد شهده البشرية في ذلك.
المحاور: عند جميع الاقوام سماحة الشيخ يعني لا يختص مثلاً بملة معينة اهل دين معين، من جميع الاديان من جميع الملل يقرون بان الرؤيا هي حالة غير عادية من الارتباط مع الاموات.
الشيخ محمد السند: نعم مع اهل البرزخ وعلى ذلك فهناك نوع الوان اخرى بالارتباطات حتى اثبتها العلم الحديثي علم الارواح من قبيل الالهام ومن قبيل التخاطر وما شابه ذلك، فهذه امور كلها مسجلة الآن ومشاهدة ومجربة ومحسوسة، واما قضية تسلط الحي في جذب وجلب روح الميت فهذا امر في غالب من يدعي هذا الامر ومن قبيل النصب والحيلة وشعوذه والشعبذة، الارتباط غير منفي وربما هناك نوع من المغلطة والجاذبية الروحية تقع بين الحي والميت هذا ما يمكن نفيه كيف وقد وردت الروايات المستفيضة في ان الذهاب الى زيارة ائمة اهل البيت النبي(ص) هم يسمعون كلامنا ويشهدون مقامنا ويردون سلامنا الا اننا لا نسمع كلامهم بل فتح الله باب فهمنا بلذيذ مناجاتهم، فاذن هناك اذن نوع من الارتباط في هذه الموارد.
المحاور: سماحة الشيخ بالنسبة للشطر الاول من السوال بالنسبة لتحضير الارواح هو امر نتركه في بقعة الامكان، امر ممكن لا ننفيه ام لا؟ هنالك يوجد ما يثبته يعني امكانية ان تستحضر روح تعيش البرزخ انتقلت من هذه الدار الى الدار الآخرة تعيش في البرزخ نستحضرها ونحاورها هذا ما المدعي في الذين يحضرون الارواح.
الشيخ محمد السند: نعم المقصود من حضور ليس هي تنشأها نشأة دنيوية وانما نوع من ارتباطها باهل الحياة في هذه النشأة في موضع معين وما شابه ذلك.
المحاور: اذا توفرت شرائط الصدق والما يبعث على الاطمئنان بشخص الذي يحضر الارواح فهل تكون الاجوبة التي يحصل عليها من الارواح تكون لها نوع من المصداقية او يمكن الاطمئنان اليها؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة ان هذا الارتباط هذه القناة ليس فيها حجية بتاتاً بل ان نفس الميت على اية حال مهما تصاعد شانه ليس يعني ذلك انه ايضاً هو من موقعية الذي يوخذ باقواله يعني الميت البرزخ مهما وصل في العدالة طبعاً.
المحاور: ولكن توشك له اشياء قد لا تكشف للحقيقة.
الشيخ محمد السند: ليكن لكن ليس في مداليله وفيما يدلي به حجية بقول المطلب وانما نوع من البشائر والنذاره وانما هو يعول عليه كحجية افلا؟ بل ان المعصوم مع انه معصوم لان الارتباط غير المعصوم به عبر قناة الرؤيا وعبر قناة المشاهدة تلك القناة باعتبار نحن غير معصومين ولا طريقة تلقينا تلقي المعصومين فلا يعول عليها وانما يكون قيمتها، قيمة منبه، مبشر ومنذر وعلى اية حال منبه الى نفس ما في الواقع من حقيقة يتعامل ويلمس ويتعاطي معه بما لو من حدود وحقيقة.
المحاور: يعني سماحة الشيخ هي تورث اليقين ولكن باستناداً الى قرائن اخرى. استناداً الى امور اخرى.
الشيخ محمد السند: ترجع للموازين العامة التي يستند اليها الانسان وهو في كل اموره في الكتاب والسنة والعقل وما شابه ذلك.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً على ما تفضلتم به.
الشيخ محمد السند: اهلاً وسهلاً.
المحاور: مستمعينا الافاضل السؤال الآخر ان شاء الله نوكله الى الحلقه المقبلة الى ما تبقى من فقرات هذا البرنامج.
*******
ما تستمعون له احباءنا هو الحلقة الثامنة عشرة من حلقات برنامج عوالم ومنازل وها نحن نتابع تقديمها بنقل رواية تعين مستمعينا الاكارم على حمل اجابة اجمالية بشأن موضوع الحلقة المقبلة وهو معنى حسن الظن بالله وكيف يمكن الحصول عليه
الرواية منقولة في المصادر المعتبرة، فقد ذكر الشيخ الصدوق في كتابي الخصال والتوحيد بأسانيده عند الامام الحسين عليه السلام قال: سئل امير المومنين عليه السلام بماذا احببت لقاء الله؟
فاجاب عليه السلام: لما رايته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وانبيائه علمت ان الذي اكرمني بهذا ليس ينساني فاحببت لقاءه.
*******
سياحت غرب (القسم الثامن عشر)
رحم الله آية الله الشيخ القوجاني النجفي، فقد أجاد تصوير كثير من حقائق عالم البرزخ المذكورة في الاحاديث الشريفة باسلوب قصصي جميل في روايته المعروفة باسم (سياحت غرب).
وقد اصبحت الترجمة المعدة لهذه الرواية فقرة ثابتة من فقرات برنامجنا هنا وها نحن نقدم لكم القسم الثامن عشر منها:
مسيرة الارواح بعد الموت
بعد ان جزنا ارض الشهوات اللسانية وصلنا الى واد آمن وروضة فيحاء فالتفت الى رفيقي الهادي وهو الصورة البرزخية لمودتي لاهل البيت عليهم السلام وقال: هاهنا وادي السلام يستتب في ربوعه الامن فعلق عصاك وترسك على الفرس واتركه يرعى هنا الى يحين موعد متابعة المسير.
ثم اخذني الى قصر رأيت عند بابه حوضاً بلورياً رائقاً فيه ماء زلال كان ذروةً في الصفاء حتى كانك ترى حوضاً لاماء فيه اوماءً لا حوض له.
وكانت حول الحوض مقاعد وثيرة ووسائد مريحة وعليها مناشف من حرير فاغتسلنا في ذلك الماء فطهر ظاهرنا من الكدر والاوساخ وباطننا من الغل والغش فصرنا اخواناً على سرر متقابلين.
ثم سألت رفيقي الهادي: ما اسم هذه الروضة؟
فما زاد في جوابه على ان قال: ص والقرآن ذي الذكر.
ارتدينا ملابس فاخرةً كانت قد اعدت لنا و كانت ملابسي من الحرير الاخضر وملابس رفيقي الهادي من الحرير الابيض نظرت الى هيئتي في المرآة فوجدتها على درجة عالية من البهاء والجمال، لكنني عندما نظرت الى رفيقي الهادي تحيرت في حسنه وجماله وبهائه فغبطته على ذلك.
ثم تقدم الهادي الى باب القصر فطرقها. ففتح لنا الباب شاب وسيم، طلب منا بطاقات الدخول، فاعطيته بطاقة الدخول التي كان ابو الفضل العباس سلام الله عليه قد اعطانيها في بدايات دخولي عالم البرزخ فلما رأى البطاقة قبل التوقيع وقال مبتسماً: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون. دخلنا القصر ونحن نقول: «الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق».
وعندها تذكرت انني كنت اتلو هذا التحميد عند دخولي المراقد المشرفة في زيارة اولياء الله واحبائه عليهم السلام. تقدمني رفيقي الهادي الى غرفة بلورية لم يستخدم في بنائها سوى بلور من قطعة واحدة متجانسة كان فيها سرر من ذهب وفرش من المخمل الاحمر رتبت عليها وسائد لطيفة وكان السقف والجدران مرايا تعكس صورنا، فكنا نشعر باللذة لما نراه من جمال صورنا وحسنها.
وفي وسط الغرفة نصبت مائدة فيها اطعمة واشربة يعجز البيان عن وصفها، كان فيها لحم طير وفواكه مما تشتيهه الانفس وتلتذ برويته العيون وكان يطوف علينا ولدان وحسان بشراب لا غول فيه، يخاطبوننا بوجوه مستبشرة قائلين... سلام عليكم طبتم ناعمين... كان كل كلامهم: سلاماً سلاماً لا لغو فيه ولا تأثيم فعرفت ان هذا من ثمار حفظ اللسان في الحياة الدنيا.
تناولنا ما شاء الله من طيب الطعام والشراب الطهور والفاكهة المنعشة ثم اضطجعنا على تلك السرر، ولم تمض ساعة حتى ارتفعت اصوات ملائكية رخيمة تشدو بألحان وكلمات تنفذ الى القلوب والعقول، كانت مقدمة لصوت عذب لم نسمع نظيراً له في حسنه اخذ يتلو سورة الانسان المباركة فانصت له بكل وجودي واغمضت عيني لكي لا تشغلني رؤية ما حولي عن لذة الانصات لتلك التلاوة المباركة. فلما انتهت التلاوة جلست وجلس رفيقي الهادي فسألته: ما اسم هذه المدينة؟
ابتسم صاحبي وقالك انها ليست مدينة بل هي قرية من قرى دار السرور.
فقلت: يا سبحان الله ما اعظم الدار الذي تكون هذه احدى قراه؟!
*******
حسن الظن بالله وحسن العاقبة
مستمعينا الاكارم نذكركم مرةً اخرى بالحديث النبوي الذي نقلناه في بداية الحلقة فقد روى الشيخ الطوسي في اماليه مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: لا يموتن احدكم حتى يحسن ظنه بالله عزوجل، فان حسن الظن بالله ثمن الجنة.
صدق رسول الله صلى الله عليه وآله، لقد لا حظنا عند مراجعة سند هذا الحديث الشريف ان من رواته هو الحسن بن هانيء وهو ابو نؤاس الشاعر المعروف صاحب ابيات التلبية المعروفة. لقد اشتهرت عن ابي نؤاس عدة ابيات تعبر عن حسن ظنه بالله ويستفاد من بعض الروايات ان نجاته كانت بسبب صدق حسن ظنه هذا. سنتحدث في الحلقة المقبلة ان شاء الله عن هذا الموضوع وشروطه، اما في ختام هذه الحلقة ننقل بعض الابيات التي قالها ابو نؤاس والمعبرة عن رسوخ حسن ظنه بالله.
روي عن الشافعي انه قال: دخلنا على ابي نؤاس في اليوم الذي مات فيه وهو يجود بنفسه فقلنا: ما اعددت لهذا اليوم؟
فانشأ ابو نواس يقول:
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك اعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعفو منة وتكرما
وقال القاضي ابن خلكان: وما احسن ظن ابي نؤاس بربه حيث يقول:
ستبصر ان وردت عليه عفواً
وتلقى سيداً ملكاً كبيراً
وقد اثمر حسن ظن ابي نؤاس هذا ان وفق للتوبة قبل موته حتى قال ابن الجوزي عنه لا اوثر ان اذكر افعاله المذمومة لانه قد ذكرت عنه التوبة في آخر عمره.
رزقنا الله واياكم احباءنا التوبة الموت والراحة عند الموت والمغفرة بعد الموت والعفو عند الحساب ببركة التمسك بولاية محمد وآله عليهم السلام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******