البث المباشر

شرح فقرة: "أنت الغني وأنا الفقير وأنت السيد وأنا العبد"

الثلاثاء 26 مارس 2019 - 09:39 بتوقيت طهران

الحلقة 45

لا زلنا نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ (يستشير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونتابع ذلك بفقرة جديدة هي (انت الغني وانا الفقير، وانت السيد وانا العبد)، ونقف اولاً مع عبارة (انت الغني وانا الفقير)، فماذا نستخلص منها؟
طبيعياً ان قارئ الدعاء لا ينتقل بذهنه من عبارة ان الله تعالى الغني وان العبد فقير من الغنى والفقر بمعنيهما الاقتصاديين بل ينتقل ذهنه الى مطلق الغنى أي ان قارئ الدعاء يتداعى بذهنه من كلمة ان الله تعالى غني وان العبد فقير كل ما يتصل بالتملك مادياً ومعنوياً كالعلم مثلاً او الخزائن.
ان بساطة هذه العبارة وانت الغني وانا الفقير تتضمن في الآن دلالات طريفة وعميقة فالغني هو من يستغني عن غيره واما الفقير فيحتاج الى غيره وهذا ينسحب على كل شيء ولكن الاهمية التي تنسحب على هذه الفقرة هي ان العبد ما دام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، حينئذ فان التسليم بهذه الحقيقة يجعل العبد في مرافقته غنياً وليس فقيراً أي يجعله غنياً بتسليم اموره الى الله تعالى وقد ورد في الحديث ما مضمونه ان الفقراء مادياً مثلاً يدلون ويباهون الاغنياء بتوكلهم على الله بمعنى انهم يطلبون من الله تعالى حاجاتهم ويستغنون عن العباد. وبطبيعة الحال من يتوكل على الله فهو حسبه.
بعد ذلك تواجهنا عبارة (وانت السيد وانا العبد)، هنا قبل ان نحدثك عن هذه العبارة نود لفت نظرك الى ظاهرة هي اننا لا حظنا في فقرة سبق ان حدثناك عنها وهي (وانت الرب وانا العبد) ان كلمة العبد وردت في الفقرة المذكورة مقابل الرب ووردت في العبارة التي نتحدث عنها الان وهي انت السيد وانا العبد وبتعبير آخر نتوقع منك بان تثير السؤال الاتي، ما هو الفارق بين كلمة العبد عندما ترد مقابل الرب وبين كلمة العبد عندما ترد مقابل السيد؟
وهذا السؤال له اهمية دون شك ولذلك سوف نفصل الحديث عنه الان.
من الحقائق التي الفتنا نظرك اليها في لقاءاتنا هي ان القرآن الكريم واحاديث المعصومين تتسم بالاعجاز وبالكمال أي اعجاز القرآن وكمال الحديث لذلك لا يعقل ان نتصور امكانية ان يستخدم الشرع كلمة مترادفة مع اختها بمعنى واحد، من هنا ينبغي علينا ان نوضح الفارق بين العبد مقابل الرب وبين العبد مقابل السيد.
ولعل ابرز الحقائق ظهوراً هو ان العبد مقابل السيد ينتقل باذهاننا الى العلاقات البشرية بين الشخصية المستقلة في تصرفاتها وبين الشخصية غير المستقلة فالاولى هي السيد والاخرى هي العبد وكذلك ينتقل ذهن قارئ الدعاء الى ان العبد بالنسبة الى الله تعالى تعني دلالة اخرى هي ان الرب هو المعبود وان العبد هو من يعبد الرب، وحيئنذ فان العلاقة بين العبد والرب هي علاقة بين المعبود وعبده بينما العلاقة بين العبد والسيد هي علاقة بين الشخص وخادمه مثلاً لكن ينبغي ان نضع في الاعتبار ان العبارة القائلة بان الله تعالى هو الرب وان قارئ الدعاء هو العبد هذه العبارة حقيقية ولكن بالنسبة الى عبارة وانت السيد وانا العبد، عبارة مجازية صورية أي ان الدعاء المذكور يستعير صفة معينة ليسحبها على ظاهرة اخرى حتى يتعمق لدى قارئ الدعاء المعنى المستهدف في الدعاء ويكون المعنى حينئذ ان الله تعالى هو المسيطر والمتحكم في امر قارئ الدعاء بينما العبارة الاولى تعني ان الله تعالى هو المعبود الذي يتجه اليه العبد او العابد اذا صح التعبير.
اذن اتضح لنا جانب من النكات التي لاحظناها من حيث الفارق بين العبد وصلته بالمعبود وبين العبد وصلته بالسيد ونسأله تعالى ان يجعلنا عباداً له وان يوفقنا الى طاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة