نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات ودقائق المعاني، ومن ذلك الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو دعاء علَّمه رسول الله(ص) علياً(ع) وأمره ان يدعو به لكل شدة ورخاء وان يعلمه خليفته من بعده والا يفارقه طول حياته حتى يلقى الله عز وجل وان يقرأ ذلك حين يصبح ويمسي وانه من كنوز العرش.
اذن لنبدأ بملاحظة هذا الدعاء ونقف عند عنوانه وهو عنوان يلفت النظر من حيث كونه فعلاً مضارعاً خلافاً لما هو مألوف في الادعية وعناوينها.
ان قارئ الدعاء قد يندهش من عنوان الدعاء وذلك لسببين احدهما هو صياغته فعلاً مضارعاً وهو يستشير وثانياً، مضمونه المرتبط بالاستشارة حيث تتوقع منه ان يتساءل قائلاً ما هو سبب تسميته او سبب كونه مرتبطاً بمفهوم الاستشارة وهذا ما نحاول الاجابة عنه الان.
ان القارئ للادعية بعامة يجد بعضها مشيراً الى مضمونه مثل دعاء المشلول حيث خصص لمن اصابه الشلل مثلاً وبعض الادعية تشير الى عدد فقراتها المقروءة مثل دعاء العشرات حيث يتضمن فقرات تقرأ بهذا العدد أي عشر مرات وبعضها يتضمن اسماً لزمن قراءته مثل دعاء الصباح وبعضها لمن علم الدعاء مثل دعاء كميل حيث علَّمه الامام علي(ع) كميلاً وهكذا.
وحين نتجه الى دعاء يستشير يستوقفنا سبب تسميته من جانب وسبب صياغته فعلاً مضارعاً من جانب آخر.
ولنقف اولاً عند تسميته المرتبطة بمفهوم الاستشارة وهذا ما نبدأ به الان. بمقدور قارئ الدعاء ان يقرأ الفقرة الثانية من الدعاء ليستكشف اولاً سبب التسمية يقول الدعاء (الحمد لله الذي لا اله الا هو الملك الحق المبين المدبر بلا وزير ولا خلق من عباده يستشير) اذن القارئ يواجه عبارة توضح له بان الله تعالى هو ملك ولكنه لا وزير له ولا مستشار طبيعياً سنحدثك عن دلالة الوزير ودلالة المستشار وهما مصطلحان نحياهما في حياتنا المعاصرة من حيث رئاسة الدولة ووزرائها ومن حيث خصوصية المستشار لرئيس الدولة ولكننا الان نكتفي بمجرد الملاحظة للتسمية المرتبطة بمفهوم الاستشارة ونفصل الحديث عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ان رئاسة الدولة تقترن غالباً بشخص خاص يمتلك معلومات وتجارب شتى في ميدان المعرفة السياسية بصفة ان الملك او رئيس الجمهورية ونحوهما بحاجة الى من يستعان بآرائه في ادارة الدولة نظراً لضخامة المسؤولية التي يتحملها الرئيس. وحين ننقل هذه التجربة من ميدان التجربة البشرية ساحة الله تعالى نجد ان الامر ليس كذلك بصفة ان الله تعالى خالق الوجود وانه تعالى متفرد في ذلك وفي مطلق ادارته أي انه تعالى قادر بنحو مطلق وعالم بنحو مطلق فلا يحتاج الى مساعدة احد ولا يحتاج الى استشارة احد وهذا من الوضوح بمكان كبير.
ونتجه بعد ذلك الى ملاحظة سبب صياغة عنوان الدعاء بصيغة المضارع من الافعال وهو يستشير، طبيعياً لا نملك معلومات مطلقة حيال الصياغة المتقدمة ولكننا نحتمل فحسب ان يكون سبب ذلك هو ان الفعل المضارع يتسم بكونه فعلاً استمرارياً لا يقف عند الماضي ولا المستقبل بل الحاضر وما قبله وما بعده من هنا فان الديمومة والاستمرارية لملك الله تعالى وادارته قد تفسر لنا معنى صياغة العنوان بفعله المضارع.
اذن امكننا ان نتبين ولو سريعاً ما نحتاجه من معنى للعنوان وصياغته والمهم هو ملاحظة الدعاء ذاته وهذا ما نبدأ به لاحقاً ان شاء الله تعالى، اما الان فحسبنا ان نتوسل بالله تعالى بان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******