السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته...
لكم منا أطيب تحية نستهل بها حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا وبدءً من هذه الحلقة نتناول الأسئلة المرتبطة بأصل (المعاد) من أصول العقائد الحقة.
والسؤال الذي نعرضه اليوم على ثقلي الهداية هو:
ما هي أهمية الإعتقاد بالمعاد في حياة الإنسان؟
سؤال مهم بلا شك تدفع معرفة الإجابة عنه الإنسان الى الإجتهاد لمعرفة تفصيلات هذه العقيدة سعياً للحصول على ثمارها...
إذن فلنبحث معاً عن الإجابة...
نرجع أولاً مستمعينا الأكارم الى الثقل الأول أي القرآن الكريم، فيجذب إنتباهنا أولاً كثرة الآيات الكريمة المتحدثة عن عقيدة المعاد وشؤون الحياة الآخرة وتفصيلات القيامة والحساب والخلود في الجنة أو النار ونظائر ذلك.
وقد ذكر سماحة الشيخ عبد الجواد الإبراهيمي في كتابه (نظرة حول دروس في العقيدة الإسلامية) إحصاء لعدد الآيات التي تتناول عقيدة المعاد هو ألفا آية.
وهذا يعني أن ما يقارب ثلث آيات القرآن الكريم قد خصصها الله عزوجل لكي يبين لعباده أبعاد عقيدة المعاد واليوم الآخر وكلنا نعرف، مستمعينا الأفاضل، أن الله تبارك وتعالى حكيم وكلامه هو كلمة الفصل التي يحتاجها العباد.
ومقتضى حكمته عزوجل أن يولي كل أمر ما يستحقه من الإهتمام، من هنا ندرك أن سعة المساحة التي خصصها لبيان عقيدة المعاد، تشير بحد ذاتها إلى أهمية معرفة هذه العقيدة في تحقيق مصالح العباد.
ومما ثبت عقائدياً أن الله غني عن الخلق وكل ما يبينه هو لصالحهم، فكلما إزداد إهتمام كتابه الكريم بشيء فإنما يعبر ذلك عن شدة أهميته في تحقيق ما يريده الله عزوجل من إيصال الخير لعباده وإبعاد كل شر عنهم.
وهذه الملاحظة تكفينا في الإدراك الإجمالي لأهمية التعرف على تفصيلات الإعتقاد بالمعاد واليوم الآخر لأهميتها في الحصول على الخير الذي أعده الله عزوجل لعباده بجميع مصاديقه.
وثمة ملاحظة أخرى نجدها في القرآن الكريم أيضاً تهدينا الى الإجابة عن سؤال هذه الحلقة، تأتيكم بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.
أيها الإخوة والأخوات، كما نلاحظ في كتاب الله العزيز إقتران ذكر الإيمان بالله بالإيمان بالمعاد في كثير من آياته الكريمة.
فمثلاً إستخدم القرآن تعبير الإيمان بالله واليوم الآخر في سياق واحد في أكثر من عشرين من آياته الكريمة.
وفي ذلك إشارة مهمة الى أن الإعتقاد بالمعاد قرين الإعتقاد بالتوحيد أو مكمل للإيمان بالله.
وهذا يعني أن أهمية الإيمان بالله عزوجل وتوحيده تنسحب على الإيمان بالمعاد والحياة الآخرة، فهما معاً يمثلان ركني العقيدة التوحيدية، وبهما معاً تتحقق للمؤمن الثمار المرجوة من الإيمان بالله عزوجل.
ومن الملاحظ أن عدة من الآيات الكريمة تستخدم تعبير (يرجو) مع الله ومع اليوم الآخر، فمثلاً قال الله عزوجل في الآية الحادية والعشرين من سورة الأحزاب:
"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً".
وكما تلاحظون، مستمعينا الأفاضل، فإن التعبير هنا ليس عن الإيمان بالله واليوم الآخر بل عن الرجاء منهما، أي عن الثمار العملية المرجوة من الإيمان بالله والمعاد؛ فهذه الثمار ترجى من الإيمان بهذين الركنين معاً.
مستمعينا الأطائب، هذه الملاحظات التي وجدناها في الثقل الإلهي الأول إنعكست في نصوص الثقل الثاني أيضاً وبكل وضوح وبمساحة واسعة أيضاً ويكفي هنا أن نشير إلى أن شطراً من الأحاديث الشريفة المتحدثة عن عقيدة المعاد قد جمعها العلامة المجلسي في أربعة من مجلدات موسوعة البحار.
ورغم ذلك فقد وردت إستدراكات بأحاديث شريفة أخرى لم يوردها العلامة المجلسي في البحار.
وكل ذلك يشير إلى الأهمية البالغة التي أولاها النبي الأكرم وعترته المطهرون – عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام – لأمر ترسيخ الإيمان بالمعاد واليوم الآخر في قلوب الناس.
وهم – عليهم السلام – أحرص الخلق على مصالح العباد وخيرهم، لذا فإن تأكيدهم على تعريف الناس بحقائق عقيدة المعاد وبيانهم لتفصيلاتها؛ هذا التأكيد ناشئ بلا شك من حرصهم – عليهم السلام – على إعانة العباد لما فيه صالحهم كما أشرنا بالنسبة للنصوص القرآنية.
وعلى ضوء ما تقدم نخلص الى أن أهمية الإعتقاد بالمعاد ترجع الى محورية هذه العقيدة كوسيلة لإيصال الخير الى الناس.
فما هي أهم بركات الإيمان بهذه العقيدة؟
هذا هو السؤال الذي سنبحث معاً عن إجابته في الحلقة المقبلة بإذن الله من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) تقبلوا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران جزيل الشكر على حسن المتابعة ودمتم بكل خير.