البث المباشر

في ذكرى تكريمه.. "مولانا" جلال الدين الرومي سلطان العارفين

السبت 30 سبتمبر 2023 - 15:28 بتوقيت طهران
في ذكرى تكريمه.. "مولانا" جلال الدين الرومي سلطان العارفين

يوم 30 سبتمبر/ أيلول يوم عالمي للاحتفال بالذكرى السنوية لتكريم الشاعر والأديب والفقيه الإيراني الكبير مولانا جلال الدين الرومي وأحد من أبرز وأعظم الشعراء في التاريخ، الذي كان له تأثير مباشر على العديد من الثقافات الشرقية والغربية.

كما أن مؤلفاته تعد من أهم الكتب التراثية ولا تزال رائجة حتى اليوم وتحقق نسب مرتفعة من المبيعات رغم مضي مدة على كتابتها.

ولقد حددت منظمة الأمم المتحدة يوم 30 سبتمبر/ ايلول يوماً عالمياً للاحتفال بالذكرى السنوية لتكريم مولانا جلال الدين الرومي وأبياته المستلهمة من المصحف الشريف والأحاديث النبوية، ودورها في تحقيق التعايش السلمي بين الأمم.

ويتبوأ جلال الدين المولوي، منزلة رفيعة في الأدب الإنساني عامة والأدبين الإسلامي والفارسي خاصة، حيث بدأت شاعريته في الثلاثينات من عمره، وأخذ ينشد الشعر بلغته الفارسية ارتجالاً دون أن يدرس قواعده وأصوله حتى فاق إنتاجه الأدبي بقية أقرانه من أقطاب الشعر الفارسي.

 

المبدع الذي حوّل وجهة الشعر

لقد أبصر مولانا (1207 – 1273م) العالم برؤية جديدة، وكان من المبدعين الذين حولوا وجهة الشعر، الذي كان مسخراً لخدمة أهل البلاد والملوك، إلى شعر إنساني يهتم بالفئات الشعبية ويساهم في دور فعال في بناء المجتمع، وتركت أشعاره ومؤلفاته، التي كتبت بلغته الأم الفارسية، تأثيراً واسعاً في العالم الإسلامي خاصة على الثقافات الفارسية والأردية والبنغالية والتركية، وفي العصر الحديث ترجمت بعض أعماله إلى كثير من لغات العالم ولقت صدى واسعاً جداً.

ولا يمكن تناول حياة جلال الدين وتأثيره في العالم دون التطرق إلى شمس الدين التبريزي، الشخصية الأكثر تأثيراً في حياة الرومي التي كانت سبباً في تحوُّله من العالم الفقيه إلى الصوفي العارف بالله الذي ينتشر مُريدوه في كل بقاع العالم منذ عدة قرون حتى اليوم.

والتبريزي كما يذكر الأفلاكي في “مناقب العارفين” هو شمس الحق والدين محمد بن علي بن مالك داد. ولد في تبريز ولا يعرف بالتحديد تاريخ ميلاده ووفاته.

 

قول مولانا عن شمس في إحدى الغزليات:

أنت سمائي وأنا أرضك

إني مذهول: ماذا قررت لي أن ألد؟

ماذا تعرف الغرض عن البذرة التي زرعتها أنت؟

أنت من خصبها أنت الوحيد الذي يعرف ما تحمل بداخلها.

وكما كان للقاء التبريزي ومولانا أثر بالغ في رحلة تحوله الفكري، كان لفراقهما أيضاً أثر أكبر في إنتاجه الأدبي. فلولا اللقاء ما تَحوَّل الرومي من العالم الفقيه إلى الصوفي العارف بالله. ولولا الفراق ما احترق مولانا بنار الشوق التي أنضجته وما نظم أشعاره التي جابت ربوع الأرض.

لذا فإن الحديث عن الرومي وتأثيره في الغرب هو في الوقت نفسه حديث عن التبريزي وتأثيره بطريقة غير مباشرة.

 

 

شعره

إن قصائد وغزليات الرومي مهيأة لإقامة منهج عالمي مبني على توفير الخير والفلاح للإنسان انطلاقاً من التسامح والتفاني مما يجعل قراءته ضرورة ملحة لكل مثقف يطمح لحوار الحضارات وتمازج الثقافات وتعايش الأديان.

 

من شعره:

بسوزان هر چه من بغير از دل كه اندر دل

بهر ساعت همى سازى زكر و فر خود گلشن

وتعريبه: 

فلتحرق كل ما تملك إلا القلب فإنك فى القلب

تصنع كل ساعة من دلالك جنة

 

مرده بدم زنده شدم، گريه بدم خنده شدم

دولت عشق آمد و من دولت پاينده شدم

تعريبه: 

كنتُ ميتا فأصبحتُ حيا، كنتُ باكيا فأصبحتُ ضاحكا

لقد جاءت دولة الحب، و أنا أصبحت دولة راسخة

 

بشنو اين ني چون حكايت مي كند

از جدايي ها شكايت مي كند.

كز نيستان تا مرا ببريده اند

در نفيرم مرد و زن ناليده اند

سينه خواهم شرحه شرحه از فراق

تا بگويم شرح درد اشتياق

تعريبه:

استمع إلى هذا الناى يأخذ في الشكاية ، ومن الفرقات يمضي في الحكاية

منذ أن كان من الغاب اقتلاعي ، ضج الرجال والنساء في صوت إلتياعي

أبتغي صدراً يمزقه الفراق ، كي أبث شرح آلام الفراق

كل من يبقى بعيدا عن أصوله ، لايزال يروم أيام وصاله

 

وبهذه الكلمات يبدأ “سلطان العارفين” مولانا جلال الدين الرومي ديوانه الشهير “المثنوي”، أحد أهم وأشهر أعمال الأدب الصوفي وأكثرها تأثيراً وانتشاراً في العالم، وقال عنه أدباء الغرب إنه من أعظم أشعار العالم، في عمق الفكر، وابتكار الصور.

 

مؤلفاته

عادة، تصنف أعمال الرومي إلى عدة تصانيف وهي: الرباعيات، ديوان الغزل، مجلدات المثنوي الستة، المحاضر أو الخطب، الرسائل والمواعظ الستة الشبه مفقودة.

 

شعره

مثنوي المعنوي: وهي قصائد باللغة الفارسية.

 

الديوان الكبير أو ديوان شمس التبريزي:

والذي كتبه في ذكرى موت صاحبه العزيز وملهمه في طريق التصوف والشعر. وكتب فيه أكثر من أربعين بيت شعر وخمسين قصيدة نثرية.

 

الرباعيات:

وهي منظومة أحصاها العالم الإيراني المعاصر بديع الزمان فروزانفر، كما وردت في طبعة اسطنبول، فوجد أنها تبلغ 1659 رباعياً، أي 3318 بيتاً.

 

 

نثره

كتاب فيه ما فيه:

وهو كتاب يحتوى على واحد وسبعون محاضرة ألقاها الرومي في صحبه في مناسبات مختلفة. وهو من تجميع مريديه وليس من كتابته هو.

 

المجالس السبعة:

وهو تجميع لمواعظ ومحاضرات ألقاها في سبع مناسبات مختلفة تتناول مواضيع عن القرآن والحديث الشريف. وتتضمن أشعار فريد الدين عطار وسنائي وللرومي نفسه.

 

الرسائل:

وهي رسائل كتبها بالفارسية إلى مريديه ومعارفه ورجال دولة.

 

 

تأثير مؤلفاته:

كانت لمؤلفات جلال الدين البلخي التأثير الكبير في الأدب الفارسي والتركي والأوردي. وتمت ترجمة العديد من مؤلفات جلال الدين البلخي إلى اللغات العالمية المعاصرة و من ضمنها اللغات الأوربية.

ولقد حددت منظمة الأمم المتحدة يوم الثلاثين من سبتمبر/ ايلول يوماً عالمياً للاحتفال بهذا الشاعر الإنساني وأبياته المستلهمة من المصحف الشريف والأحاديث النبوية، ودورها في تحقيق التعايش السلمي بين الأمم و كان جلال الدين المولوي مسلماً مؤمناً بتعاليم الاسلام السمحة، لكنه استطاع جذب اشخاص من ديانات وملل أخري، وذلك بسبب تفكيره المرن المتسامح، فطريقته تشجع التساهل اللامتناهي مع كل المعتقدات والأفكار، كما كان يحث على الخير والإحسان وأدراك الأمور عن طريق المحبة، وبالنسبة إليه وإلى اتباعه، فإن كل الديانات خيرة وحقيقية بمفاهيمها، لذلك كانوا يعاملون المسلمين والمسيحيين واليهود معاملة سواسية.

وحول أدب هذا الشاعر يقول بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة: إن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى إشاعة وتبليغ رؤى الرومي أكثر من أي وقت مضى، حيث إن السلام والاستقرار وحوار الحضارات مفاهيم مغروسة في قصائد مولانا الرومي.

 

أما البروفيسور فيكتور الكك رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة القديس يوسف في بيروت فيقول عن مولانا الرومي: يصح في مولانا – جلال الدين البلخي المولوي في أيامنا، ما قيل في المتنبي، قبل ألف عام، إنه «مالئ الدنيا وشاغل الناس»!.

فقد ظهرت، أخيراً، في اوروبا، ولا سيما في فرنسا ترجمات لمختارات من آثاره، ودراسات حول تراثه العرفاني الغزير والمميز بين ميراث أهل السير، والغريب إن هذه الطبعات نفدت في الأيام الأولى من انتشارها.. وهذا دليل على إقبال القراء عليها، ارتواء بما تتضمنه من روحانية تريح الإنسان، وقد حجبت عنه علائق الدنيا آفاق الأمل في عالمه والتوق إلى عالم بهي تبتدعه الروح وتنقله إليه.

أما الأمر في الولايات المتحدة الأميركية فأشد وأدهى في طلب الأجيال المختلفة آثار «مولانا»، أو «الرومي» كما يؤثرون تسميته فقد غدت ترجمة الشاعر الأميركي «كولمن باركس – Coleman Barks لمختارات من تراثه الفذ تحت عنوان: The Essential Rumi أي زبدة الرومي أو خلاصة الرومي، شبه مفقودة من الأسواق واندرجت في طليعة لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة Bestseller، ولو كان الأمر يتعلق بقصة غرام أو حادثة فضيحة سياسية أو حدث علمي عالمي لكان له ما يبرره، إلا أن الكتاب هو خلاصة أشعار عرفانية كتبها المولوي بلغته الفارسية، تعتبر عن أسمى وأرقي ما بلغته شخصية إنسانية في تساميها نحو خالقها، وفي كسب القيم المعنوية والروحية التي تُهيئ الإنسان السالك في طريق الحق إلى بلوغ مرتبة الإنسان الكامل.

 

ونتساءل: ما مغزى هذه الظاهرة الفريدة؟ ليجيب البروفيسور فيكتور الكك الذي أمضى نصف قرن في دراسة المولوي، لا يحتاج إلى تعليل ذلك إلى أعمال معمق للفكر ببساطة، وصلت البشرية في فتوحاتها العلمية والتكنولوجية إلى نتائج باهرة سخرت الأرض والفضاء، إلى حدود، وجعلت من العالم كما يقال في أيامنا، قرية كونية، ويسرت للإنسان أسباباً ووسائل مدهشة لراحته وترفه، إلا أنها عجزت عن إرواء روحه التي تنهد إلى ما وراء المادة والتي لم يسبر الإنسان أبعادها وكنوزها فيطمئن إليها ويخلد إلى سكينتها التي تشيع فيه السعادة، وهذا هو ما دعا إليه مولانا جلال الدين من خلال غزلياته العرفانية المشتعلة وجداً وشوقاً وعشقاً يفتح به أبواب السماء على مصاريعها!.

ولقد ضل الإنسان طريقه إذ حسب أن السعادة تقوم على السيطرة على ثروات الأرض وتسخيرها لمصلحته وتأمين العيش الرفيه لبني جنسه، مهملاً الشعلة الخانقة التي وهبه الله والتي ينبغي له أن يمدها بزيت العرفان من زيتونة الروح الذي يُضرم فيها نار الشوق، فيري ما لا تراه عين، ويسمع ما لا تسمعه أذن، ويشهد ما لا يخطر ببال بشر!.

وتلك الرؤو والكنوز مخبوءة في داخل كل منا، فما علينا سوو إيجاد الوسيلة لاكتشافها بالسير علي خطي مولانا أو حافظ الشيرازي أو سواهم ممن خرقوا أقطار المكان واختصروا مسيرة الزمان.

وحان لنا، بعد ما شهده أسلافنا وشهدناه من حرب ومآس وتحكم المادة بنا وتضاؤل انسانيتنا، أن نعود إلى الأدب الذي يُهذب النفس، ويُزيل عنها الصدأ، ويرتفع بنا إلى استعادة قيمنا المعنوية والروحية فنعود، بذلك إلو الفردوس المفقود باستعادة انسانيتنا، وليس أسهل من ذلك علينا، فعندنا من تراث ما يربو علي حاجتنا: مفكرون وشعراء وقديسون وأولياء، كشفوا لنا سر العنقاء، ووضعوا بين أيدينا مرآة الاسكندر، فهلا كنا من القوم العاقلين؟ وهلا عرفنا أن وراء العقل إذا ما صُقلت مرآته تجلت فيها أسرار الكون وتجاوزنا به سدرة المنتهى إلى المطلق؟.

 

والجدير بالذكر أن الشعب الإيراني كما غيره العديد من شعوب العالم يحتفل بالذكري السنوية لميلاد هذا الشاعر الإنساني في الثلاثين من سبتمبر /ايلول من كل عام.

ومن هذا المنطق نرى ضرورة العودة إلى تراثنا العربي والإسلامي وما فيه من قيم وكنوز يقبل عليها سوانا أملاً في عالم أفضل نحن غائبون عنه.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة