سلام من الله عليكم مستمعينا الأطائب.. طابت أوقاتكم بكل بركة ورحمة وأهلاً بكم في لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا نتابع أيها الأحبة التعرف إلى الإجابة عن السؤال الذي عرضناه في الحلقة السابقة بشأن واجباتنا تجاه أئمة أهل البيت المحمدي أو حقوقهم علينا.
وقد عرفنا أن معظم هذه الواجبات مشتركة في النصوص الشريفة مع ما تذكره من واجبات الأمة تجاه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
وهذا ما لاحظناه فيما يرتبط بالواجب الأول وهو واجب الطاعة المطلقة لهم واقتفاء آثارهم في جميع شؤون الحياة، كما دلتنا على ذلك الآية الكريمة التاسعة والخمسون من سورة النساء والأحاديث النبوية المفسرة لها والمرتبطة بمضمونها.
فما هو الواجب الثاني من هذه الواجبات؟
أيها الأفاضل، لمعرفة الواجب الثاني من واجباتنا تجاه أئمة العترة المحمدية – صلوات الله عليهم أجمعين – ننطلق من الآية الكريمة الثالثة والثمانون من سورة النساء حيث يقول الله تبارك وتعالى فيها:
"وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً".
وكما تلاحظون – مستمعينا الأفاضل – فإن الآية الكريمة تشير إلى أن من واجب الأمة الرجوع إلى الرسول وأولي الأمر في الحوادث الواقعة والتحاكم إليهم لكي يبينوا حكم الله الذي يستنبطونه من القرآن الكريم.
وقد ثبت بالأدلة العقلية والتفسيرية والنقلية أن مصداق (أولي الأمر) ينحصر في أئمة أهل البيت النبوي – عليهم السلام – كما أشرنا لذلك في حلقات سابقة.
ويستفاد من التدبر في هذه الآية أن الرجوع إلى أئمة العترة هو السبيل الوحيد لمعرفة حكم القرآن في الحوادث الواقعة بعدما ثبت أن فيه تبيان كل شيء ومنها الحوادث الواقعة.
كما يستفاد من هذه الآية أيضاً أن الرجوع إلى أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – هو السبيل الذي جعله الله لإنهاء الخلافات بين المسلمين والنزاعات بين المسلمين كما يستفاد من ضم هذه الآية إلى قوله عزوجل في الآية التاسعة والخمسين من سورة النساء:
"....فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"
فالرد إلى الله والرسول يتحقق بالرد إلى أولي الأمر الإلهي المعصومين كما يصرح بذلك قوله عزوجل: ...وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً"
وهذا يعني أن التحاكم إلى أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – هو السبيل الذي تفضل الله به على الأمة لكي ينجو من إتباع الشيطان، وهذا ما تصرح به أحاديث عدة منها قول رسول الله – صلى الله عليه وآله – المروي من طرق أهل السنة كما مستدرك الحاكم أنه قال:
"النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف فإن خالفتهم قبيلة من العرب إختلفوا فصاروا من حزب الشيطان".
أيها الإخوة والأخوات، والواجب المتقدم أشارت إليه كثير من الأحاديث النبوية المروية من طرق الفريقين، كالأحاديث المتحدثة عن توريث النبي علم القرآن لأئمة عترته – عليهم السلام – وأحاديث سفن النجاة والثقلين وغيرها كثير.
ومن مجموعها إضافة إلى الآية الكريمة المتقدمة يتضح أن الرجوع إلى أئمة العترة المحمدية هو الرجوع إلى القرآن الذي فيه تبيان كل شيء ولكن لا يستطيع كل إنسان الحصول على كل شيء منه كما هو مشهود بالوجدان.
إذ أن القرآن الكريم نفسه يصرح بأن فيه الحقائق المكنونة التي لا يمسها إلا المطهرون وهم أصحاب آية التطهير، كما يصرح بأن للقرآن تأويلاً لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم وهم الذي ارتضاهم لعلم القرآن كله.
قال مولانا الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – كما هو المروي عنه في كتاب المحاسن: "ما من أمر يختلف فيه إثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال".
والمراد هو غير المطهرين الراسخين في العلم فهم الذي ارتضاهم الله لإستنباط الأحكام القرآنية في كل إختلاف صغيراً كان أو كبيراً من كتابه العزيز الذي فيه تبيان كل شيء، ليكونوا بذلك مرجع حل الخلافات والنزاعات فتأمن الأمة المحمدية إذا إتبعت كلمتهم الفصل من الإختلاف وإتباع الشيطان.
مستمعينا الأفاضل والحقيقة المتقدمة يقررها إستدلالياً مولانا الإمام جعفر الصادق في حديث طويل مروي في كتاب المحاسن ضمن رسالة لأحد أصحابه، يقول – عليه السلام – في بعض فقراته:
"إنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ولقوم يتلونه حق تلاوته وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، فأما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ولذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وآله - : ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله".
ثم قال الصادق – عليه السلام – مبيناً وجه الحكمة في اختصاص علم القرآن كله بالمعصومين: "وإنما أراد [الله] بتعميته في ذلك أن ينتهوا – أي عموم الناس – إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوام بكتابه والناطقين عن أمره وأن يستنطقوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم، ثم قال: "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ" فأما غيرهم – أي غير أولي الأمر – فليس يعلم ذلك أبداً ولا يوجد".
ثم قال – صلوات الله عليه -: "وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر... فجعل الله الولاة خواص ليقتدى بهم... وإياك وإياك وتلاوة القرآن برأيك فإن الناس غير مشتركين في علمه كإشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلا من حده وبابه الذي جعله الله له، فافهم إن شاء الله واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله".
وبهذا نخلص إلى أن الواجب الثاني تجاه أئمة أهل البيت – عليهم السلام – هو التحاكم والرجوع إليهم لمعرفة حكم الله في الحوادث الواقعة وفي كل اختلاف، وبهذه النتيجة نختم لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) شكراً لكم وفي أمان الله.