سلام الله عليكم إخوتنا وأخواتنا ورحمة وبركات..
تحية طيبة نحييكم بها ونحن نلتقيكم بتوفيق الله في حلقة اليوم من برنامجكم هذا.. ما هو الحق الثامن من حقوق رسول الله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله؟
هذا هو سؤال لقاء اليوم ويأتي فرعاً للسؤال المحوري الذي طرحناه قبل حلقات عدة عن حقوق النبي الأكرم على الخلق أو بكلمة أخرى واجباتنا تجاهه صلى الله عليه وآله.
وقد عرفنا من النصوص الشريفة على سبعة منها هي:
حق الطاعة والإتباع وحق التحاكم والرجوع إليه في الإختلافات وكذلك حق المودة وحق الصلاة عليه كلما ذكر – صلى الله عليه وآله. ثم حق توقيره وتعظيمه كما عظمه ربه الجليل تبارك وتعالى. وحق مبايعته وتسليم الأمر إليه وحق الهجرة وزيارته في حياته وبعد رحيله.
فما هو الحق الثامن من حقوقه صلى الله عليه وآله؟
مستمعينا الأفاضل، نستفيد من النصوص الشريفة أن من الحقوق التي أوجبها الله تبارك وتعالى على عباده لنبيه الأكرم – صلى الله عليه وآله – هو حق أداء الخمس مما زاد عنه مؤونتهم من رزق الله عزوجل وكذلك حق التصرف في الأنفال.
وقد صرحت بذلك الآيتان الكريمتان الأولى والحادية والأربعون من سورة الأنفال وقبل أن تدبر في دلالاتهما نشير إلى أن المستفاد من الأحاديث الشريفة أن أداء هذا الحق من الحقوق النبوية هو من أهم الوسائل العملية للنجاة من النفاق وتحقق التشيع الحقيقي له ولآله الطاهرين – صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
أجل.. فهذا مما نستفيده من الأحاديث الشريفة التي نهدينا إلى ثواب تلاوة سورتي الأنفال وبراءة أو التوبة، بما يعنيه من العمل بمضامينها، فقد روي في تفسير مجمع البيان عنه – صلى الله عليه وآله – قال:
"من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنه بريء من النفاق، وأعطي من الأجر بعدد كل منافق ومنافقة في دار الدنيا عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات، وكان العرش وحملته يصلون عليه أيام حياته في الدنيا".
كما روي في كتابي ثواب الأعمال وتفسير العياشي عن إمامنا جعفر الصادق – عليه السلام – قال: "من قرأ سورة الأنفال وسورة براءة في كل شهر لم يدخله نفاق أبداً وكان من شيعة أمير المؤمنين – عليه السلام – حقاً ويأكل يوم القيامة من موائد الجنة مع شيعته حتى يفرغ الناس من الحساب".
أعزاءنا المستمعين، أما الآيتان اللتان تصرح بهذا الحق الذي جعله الله عزوجل على الناس لنبيه – صلى الله عليه وآله – فهما الأولى من سورة الأنفال وفيها يقول الله تبارك وتعالى:
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ".
وهذه الآية الكريمة هي بمثابة التعليل لجعل الله عزوجل حق الخمس للرسول – صلى الله عليه وآله – إذ أنها تبين أن مازاد عن حاجة الإنسان هو في واقعه لله وللرسول في حين أن آية الخمس تأمر بأداء خمس هذا الحق للرسول، قال العلامة الطباطبائي في تفسير الآية: "الأنفال جمع نفل (بالفتح) وهو الزيادة على الشيء ولذا يطلق النفل والنافلة على التطوع لزيادته على الفريضة، وتطلق الأنفال على ما يسمى فيئاً وهو الأشياء من الأموال التي لا مالك لها كرؤوس الجبال وبطون الأودية والديار الخربة والقرى التي باد أهلها وتركة من لا وارث له وغير ذلك كأنها زيادة على ما ملكه الناس فلم يملكها أحد وهي لله ولرسوله".
ثم قال –رضوان الله عليه-: "وتطلق الأنفال على غنائم الحرب كأنها زيادة على ما قصد منها، فإن المقصود بالحرب والغزوة الظفر على الأعداء واستئصالهم فإذا غلبوا وظفر بهم حصل المقصود والأموال التي غنمها المقاتلون زيادة على أصل الفرض".
مستمعينا الأطائب.. ما ذكره العلامة الطباطبائي – رضوان الله عليه – هو المتحصل من التدبر في الآية الكرمية وهو المؤيد بكثير من الأحاديث الشريفة الواردة في تفسيرها وبيان مصاديقها كما وردت في المصادر الروائية المعتبرة واستدل بها العلماء في الكتب الفقهية، وعلى أساس هذه الآية جاءت الآية الحادية والأربعون من سورة الأنفال لتقرر خمس الغنائم الحربية وغيرها كأحد مصاديق الأنفال؛ كحق لرسول الله – صلى الله عليه وآله – يصرفه في موارد معينة.
قال تبارك وتعالى: "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
وقال العلامة الطباطبائي في تفسيرها: "معنى الآية والله أعلم هو: وإعلموا أن خمس ما غنمتم – أي شيء كان – هو لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فردوه إلى أهله إن كنتم آمنتم بالله وما أنزله على عبده محمد – صلى الله عليه وآله – يوم بدر وهو [أي ما أنزله] أن الأنفال وغنائم الحرب لله ولرسوله لا يشارك الله ورسوله فيها أحد وقد أجاز الله لكم أن تأكلوا منها وأباح لكم التصرف فيها، فالذي أباح لكم التصرف فيها يأمركم أن تؤدوا خمسها إلى أهله".
ثم قال – رحمه الله - : "وظاهر الآية أنها مشتملة على تشريع مؤبد [أي ثابت] وأن الحكم متعلق بما يسمى غنماً أو غنيمة سواء كان غنيمة حربية.. أو غيرها مما يطلق (الغنيمة) لغة كأرباح المكاسب والغوص والملاحة والمستخرج من الكنوز والمعادن، وإن كان مورد نزول الآية هو غنيمة الحرب فليس للمورد أن يخصص.. فهذا كله مما لا ريب فيه بالنظر إلى المتبادر من ظاهر الآية وعليه وردت الأخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام".
وقال أيضاً في بحثه الروائي عن الآية: "والأخبار عن أئمة أهل البيت (ع) متواترة في اختصاص الخمس بالله ورسوله والإمام من أهل بيته ويتامى قرابته ومساكينهم وأبناء سبيلهم لا يتعداهم إلى غيرهم".
وقد ثبت في سيرة نبي الرحمة – صلى الله عليه وآله – والأئمة من خلفائه المعصومين – عليهم السلام – هذا الحق الذي له بالأصالة ولخلفائه المعصومين من بعده، فيما فيه صالح الناس عامة وقوام دينهم الحق.
أما الموارد الخاصة بقرباه – صلى الله عليه وآله – ويتاماهم ومساكينهم فقد جعلها الله لهم لتحريمه الصدقة وإعطاء الزكاة لهم إكراماً لحبيبه المصطفى – صلى الله عليه وآله -.
وبهذا ننهي – أيها الأكارم – لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. شكراً لكم وفي أمان الله.