السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته ، أطيب تحية يسرنا أن نحييكم بها في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج نتابع فيه تناول الأسئلة العقائدية المرتبطة بالنبي الخاتم – صلى الله عليه وآله – . وسؤال هذه الحلقة هو : كيف نفهم وصف القرآن الكريم للنبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – بأنه (النبي الأمي)؟ نعرض سؤالنا على ثقلي الهداية الربانية طلبا للجواب الشافي فكونوا معنا.
أيها الإخوة والأخوات ،عندما نراجع كتاب الله المجيد نجده يصف النبي الخاتم بوصف الأمي في آيتين ضمن سياق واحد يخاطب فيهما أهل الكتاب من اليهود والنصارى ويدعوهم للإيمان بخاتم النبيين الرسول النبي الأمي لأنه مذكور بهذا الوصف في كتبهم السماوية أي التوراة والإنجيل . هاتان الآيتان هما ۱٥۷ و ۱٥۸ من سورة الأعراف حيث يقول جل جلاله في الأولى : "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". وواضح من نص هذه الآية الكريمة أن وصف النبي الخاتم (بالأمي) جاء تذكيرا بصفته المذكورة في الكتب السماوية ، وهذا ما تؤكده الآية اللاحقة عندما تلحق بصفة الأمي صفة إيمانه – صلى الله عليه وآله – بالله عزوجل وبمن سبقه من الأنبياء السابقين الذين بشروا ببعثته وهم المعبر عنهم بتعبير كلمات الله .
قال جل جلاله في الآية ۱٥۸ من سورة الأعراف : "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ".
مستمعينا الأفاضل ، من التدبر في الإستخدام القرآني لوصف (الأمي) يتضح أن المعنى المقصود هو الذي يقابل معني أهل الكتاب ، أي أن النبي الخاتم سيبعث في أمة غير أمة أهل الكتاب وهم (الأميين) كما تصرح بذلك الآية الثانية من سورة الجمعة ، قال جل جلاله : "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ". والأمية المقصودة هنا ليس عدم معرفة القراءة والكتابة بل الجهل بالكتب السماوية وعدم الإطلاع عليها ، كما يبين ذلك مولانا أمير المؤمنين – عليه السلام – في المروي عنه في كتاب الكافي بسند قوي أنه قال : "أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول – صلى الله عليه وآله – وأنزل إليه الكتاب بالحق وأنتم أميون عن الكتاب ومن أنزله وعن الرسول ومن أرسله على حين فترة من الرسل وطول هجعة من الأمم وانبساط من الجهل"
_ وفي حديث الإمام الباقر – عليه السلام – ضمن رسالته التربوية لسعد الخير رحمه الله المروية في كتاب الروضة من الكافي ، إشارة صريحة الى أن الإميه المقصودة هنا هي الجهل بما في الكتب الإلهية وليس عدم إحسان القراءة والكتابة ، فقد قال في ذم علماء السوء وأتباعهم:.
-"فهلك جهال فيما لايعلمون، أميون فيما يتلون يصدقون بالكتاب عند التعريف ويكذبون عند التحريف أولئك اشباه الأحبار والرهبان قادة في الهوى ، سادة في الردى".
-أيها الإخوة والأخوات ، إذن فمعنى الأميين في الإصطلاح القرأني ليس الذين لا يعرفون القراءة والكتابة بل الذين لم يعرفوا الكتاب أو ليسو من أهل الكتاب من اليهود والنصارى أو يقرأون الكتاب ولا يفهموا معانيه ؛
والمعنى الثالث منزه عنه النبي الخاتم – صلى الله عليه وآله – بلا ريب ، فهو الذي يبين للناس ما أنزل إليهم ، أما معنى كونه من أمة ليسوا من أهل الكتاب والنصارى فهو معنى صحيح ولكنه هل هو المقصود من وصف (الأمي)؟ عن هذا السؤال يجيبنا مولانا الإمام الباقر – عليه السلام – في أحاديث عدة مروية في تفسير العياشي وعلل الشرائع وغيرهما بأسانيد معتبرة ، نختار منها ما رواه الشيخ الصدوق في علل الشرائع بإسناده عن جعفر بن محمد الصوفي قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر – عليهما السلام – فقلت : يابن رسول الله لم سمي النبي – صلى الله عليه وآله – (الأمي) . ؟ فقال – عليه السلام – : ما يقول الناس؟ قلت يزعمون أنه إنما سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب ، فقال – عليه السلام – : كذبوا عليهم لعنة الله ، أنى ذلك والله يقول في محكم كتابه " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن ؟ ثم قال – عليه السلام – : " والله لقد كان رسول الله – صلى الله عليه وآله – يقرأ ويكتب بإثنين وسبعين أو قال بثلاث وسبعين لسانا " – والشك من الراوي – ، وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى، وذلك قول الله عزوجل"وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا" (سورة الانعام ۹۲).
-أيها الأكارم ، وفي لعن الإمام الباقر – عليه السلام – لمن فسر وصف الله للنبي الخاتم بالأمي لأنه لم يحسن الكتابة ، إشارة الى أن مروجي هذا الفهم كانت لهم نوايا سيئة يريدون منها الإساءة للنبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – ويبقى هنا سؤال يقول : على ضوء الفهم لمعنى الأمي كيف نفهم قول الله عزوجل في الآية ٤۸ من سورة العنكبوت "وما كنت تتلو قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطاون".
- والإجابة تأتيكم بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم ( أسئلتنا وأجوبة الثقلين ) الى حينها نستودعكم الله ودمتم في رعايته سالمين