السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته.
أطيب تحية نهديها لكم نلتقيكم في لقاء جديد من هذا البرنامج العقائدي، نتابع فيه عرض أسئلتنا بشأن أهداف الرسالات النبوية على النصوص الشريفة.
وسؤال حلقة اليوم هو: ما هي أبعاد هدف الإصلاح في الرسالات النبوية؟
نبحث معاً عن الإجابة مستلهمين منها ما فيه التقرب إلى الله عزوجل بالعمل الإصلاحي الذي يرضاه، كونوا معنا.
أيها الأطائب، عندما نرجع إلى القرآن الكريم نلاحظ أنه في كثير من آياته المتحدثة عن الدعوات النبوية، يركز على أن كثيراً من الأنبياء بعثوا لإصلاح أمراض معينة في أممهم؛ أخلاقية أو إجتماعية أو عقائدية، والمحور المشترك بين هذه الدعوات السعي لإصلاح هذه الأمم وهدايتها إلى الصراط المستقيم من خلال دعوتها إلى تقوى الله عزوجل في توحيده بالعبادة وإجتناب الشرك بجميع أقسامه، والتورع عن الظلم بمختلف مظاهره، والتطهر من كل الإنحرافات التي تسلبهم الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
سواء كانت تلك الإنحرافات أخلاقية، كما هو حال قوم لوط – عليه السلام – أو إقتصادية كما كان حال قوم شعيب عليه السلام، أو قضائية كما كان الحال في قوم داوود – عليه السلام – وغير ذلك وكلها تنافي العدل والإحسان الذين أمر بهما الله عزوجل كأساس للحياة الطيبة.
والمعنى المتقدم نتلسمه بوضوح في عدة من الآيات الكريمة التي إستخدمت مشتقات مفردة (الإصلاح) فيما حكاه القرآن الكريم من مواعظ الأنبياء وخطاباتهم لقومهم.
نلاحظ مثلاً – أعزاءنا المستمعين – جميل الربط بين عبادة الله عزوجل والإصلاح الإجتماعي والرأفة الإلهية لإزالة ما يهدد الخلق بفقدان الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، نلاحظ ذلك في الآيات ۸٤ إلى ۸۸ من سورة هود وهي تتحدث عن قصة نبي الله شعيب – عليه السلام -:
قال عزّ من قائل:
"وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ{۸٤} وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ{۸٥} بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ{۸٦} قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ{۸۷} قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{۸۸}"
مستمعينا الأفاضل، وعندما نرجع إلى الثقل الثاني للهداية المحمدية نجد كثيراً من النصوص المبينة لإصالة عنصر الإصلاح في الدعوات النبوية، فمثلاً روى ثقة الإسلام الكليني في كتاب الكافي عن مولانا الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – قال:
"إن الله عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين أن أئت هذا الجبار فقل له: إني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال وإنما إستعملتك لتكف عني أصوات المظلومين، فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً".
وقد تجلت سيرة الإصلاح النبوية في عمل جميع أئمة العترة المحمدية، مشيرة إلى أن هدف الإصلاح هو عنصر أساسي في عمل الساعين لتحقيق أهداف رسالات الله تبارك وتعالى، فمثلاً نقرأ في نهج البلاغة، دعاء مولانا أميرالمؤمنين – عليه السلام – حيث يقول مشيراً إلى مجاهدته الناكثين والقاسطين والمارقين في حروب الجمل وصفين والنهروان.
"اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا إلتماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم إلى دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك، اللهم إني أول من أناب وسمع وأجاب لم يسبقني إلا رسول الله – صلى الله عليه وآله – بالصلاة".
وقد دعا الله عزوجل بمثل هذا الدعاء ولده الإمام الحسين – عليه السلام – في واقعة كربلاء وهو القائل في بيان هدف قيامه: "إنما خرجت طلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله – صلى الله عليه وآله – وأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".
ولذلك – مستمعينا الأفاضل – كان طلب الإصلاح عنصراً أساسياً في عمل شيعة أهل بيت النبوة – عليهم السلام – كما يشير لذلك مولانا الكاظم – عليه السلام – في حديث مروي كسابقه في كتاب تحف العقول، أنه قال لأحد شيعته:
"يا ابن بكير، إني لأقول لك قولاً كانت آبائي – عليهم السلام – تقوله: إن للحق أهلاً وللباطل أهلاً، فأهل الحق يجأرون إلى الله في إصلاح الأمة بنا، وأن يبعثنا الله رحمة للضعفاء والعامة، يا عبد الله! اولئك شيعتنا واولئك منا، واولئك حزبنا واولئك أهل ولايتنا".
وفقنا الله وإياكم – أعزاءنا – لما يحبه ويرضاه من السعي بما إستطعنا للإصلاح ببركة التمسك وموالاة سادة المصلحين الإلهيين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
اللهم آمين، وبهذا الدعاء ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله منكم حسن الإصغاء والمتابعة ودمتم في رعايته سالمين.