البث المباشر

العلاقة بين الاعتذار وذل النفس!

السبت 17 يونيو 2023 - 18:46 بتوقيت طهران
العلاقة بين الاعتذار وذل النفس!

في الحديث عن الإمام عليّ (ع): "إيَّاك وما تعتذر منه، فإنَّه لا يُعتَذَر من خير".

فكلّ ما تُضطرّ إلى أن تعتذر منه فهو شرّ، لأنَّه لو كان خيراً، لما احتاج الإنسان إلى أن يعتذر منه، لأنَّه لا يُعتذَر من الخير.

وفي حديثٍ آخر عن أحد الأئمَّة (ع): "إيّاك وما يُعتذَر منه، فإنَّ المؤمن لا يُسيء ولا يعتذر، والمنافق كلّ يوم يسيء ويعتذر" ، لأنَّ المؤمن يجب أن يكون واعياً لكلمته، فلا يقول إلَّا الكلمة الّتي يؤمن بها ويلتزمها ويدافع عنها، ولا يعمل إلَّا العمل الذي يتبنَّاه ويلتزمه ويدافع عنه، فلا يحتاج إلى الاعتذار، أمَّا المنافق، فهو إنسانٌ يعيش الارتباك في عقيدته، فظاهره شيء وباطنه شيء آخر، ويعيش الاهتزاز في مواقفه، فله موقفٌ في الخفاء، وله موقفٌ في العلن. ولذلك، عندما يظهر سرّه وما يخفيه ويلومه النَّاس على ذلك، فإنّه يضطرّ إلى الاعتذار.

وفي تفسير الإمام الصَّادق (ع) للآية الكريمة: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8]، قال (ع): "إنَّ الله فوَّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً" ، وقال (ع): "لا ينبغي للمؤمن أن يذلَّ نفسه"، فقال الرواي: بم يذلّ نفسه؟ قال (ع): "يدخل فيما يعتذر منه" ، فلا تدخل في الموقف أو الكلمة الخطأ الَّتي لا تستطيع أن تتبنَّاها أو تدافع عنها، فتضطرّ إلى أن تعتذر منها. وفي حديثٍ آخر عن الإمام عليّ (ع): "الاستغناء عن العذر أعزّ من الصِّدق به" ، فحتى لو كان عذرك صادقاً، فالاستغناء عنه أفضل.

وهذه الفكرة الَّتي نأخذها من كلِّ هذه الأحاديث، أنَّ الإنسان عندما يريد أن يتكلَّم كلمةً أو يقوم بعمل، فعليه أن يدرس الكلمة والعمل والموقف؛ هل هو مستعدّ أن يتبنَّاه إذا ظهر أمام النَّاس ويدافع عنه ولا يعتذر منه؟ أمَّا إذا كان العمل مما لا يستطيع أن يتبنَّاه أو يدافع عنه، ويضطرّ إلى أن يعتذر منه، فليوفِّر على نفسه ذلَّ العذر.

وهناك جانب آخر أخلاقيّ، وهو أنَّه لو أخطأ النَّاس معك، أخطأ الزَّوج مع زوجته أو بالعكس، أو أخطأ النَّاس بعضهم مع بعض، وجاء المخطئ يعتذر إليك، فالأحاديث الشَّريفة تقول إنَّ على الإنسان أن يقبل عذر من اعتذر إليه، لأنَّ هذا الإنسان الَّذي بذل لك ماء وجهه، وقد ندم على فعلته، عليك أن تعطيه مجالاً للتَّراجع، ويندم على ما قال...

ففي الحديث عن عليّ (ع) في "نهج البلاغة": "احمل نفسك من أخيك عند صرمه - مقاطعته - على الصِّلة، وعند صدوده على اللّطف والمقاربة... وعند جرمه على العذر، حتَّى كأنَّك له عبدٌ، وكأنّه ذو نعمة عليك" ، بحيث إنّه إذا أجرم واعتذر منك، فإنَّ عليك أن تقبل عذره، وأن تتواضع له كما تواضع لك.

وفي حديثٍ آخر له (ع): "اقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له عذر، فالتمس له عذراً" .
 

 السيد محمد حسين فضل الله

--------------------------

-ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج3، ص 1858.

-بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج75، ص 120.

-الكافي، الشّيخ الكليني، ج5، ص 63.

-ميزان الحكمة، ج3، ص 1858.

-ميزان الحكمة، ج3، ص 1858.

-بحار الأنوار، ج71، ص 168.

-ميزان الحكمة، ج3، ص 1858.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة