محمد الياسري : قبل الثورة الاسلامية نلاحظ انتشار "فصل الدين عن السياسة" وهذا المشروع انكليزي يهدف للسيطرة على البلاد الاسلامية من خلال ابعاد الفقهاء والمتدينين عن السلطة فيما يتسلم زمام السلطة العلمانيين والليبراليين وبعيدا عن المرتكزات التي تشكل خطرا على الاستعمار وسلطته على الدول الاسلامية، وبعد انطلاق الثورة الاسلامية بين الامام الراحل ـ قدس سره ـ خطر هذا المشروع الخبيث على الامة الاسلامية وأصر على مواصلة الثورة وانتصارها كما شدد على ضرورة كتابة دستور دائم للبلاد يتضمن ويؤسس للنظام الاسلامي وفق رؤية حديثة وعلى منهج "محورية الدين".. وهنا نأتي نبين عدة خصائص في محورية الدين.
اولا: تنفيذ الأحكام : ان تنفيذ الاحكام الاسلامية ليست محصورة في زمن حضور المعصوم (عليه السلام) بل شاملة لكل الازمنة ولان الاسلام الدين الخاتم والشامل فلاد من تنفيذ احكامه والتقيد بها ولايجوز تعطيلها واهمالها او ترك القصاص او ترك الدفاع عن أمة الاسلام .. وتعطيل الاحكام مخالف للعقيدة الاسلامية ،، ولأجل تنفيذها لابد من وجود حكومة تتمتع بمزايا تجعلها تستيطع تنفيذ تلك الاحكام ، وغيابها خيارين اما سلطة علمانية ورأينا اثارها على الغرب والشرق سواء كانت ليبرالية او يسارية شيوعية او غياب السلطة ويكون نتيجته الهرج والفوضى .. وهنا تظهر اهمية قيام الحكومة العادلة القائمة على اساس ديني شامل للحياة.
ثانيا: الفقهاء ضمانة للنظام : عندما استولى الامويين على السلطة وتلاهم العباسيين ودويلات الترك والعثمانيين لاحظنا الانحراف الذي وصلت له السلطة في بلاد المسلمين وكان التوريث هو السائد على غرار الاكاسرة والقياصرة والفراعنة في الحكم، وأنتج هذا الانحراف تفكك البلاد الاسلامية وضياعها وقتل وحروب قام بها صبيان طواغيت لارضاء شهواتهم وملذاتهم.. ولكن الامام الراحل ـ قدس سره ـ قد حدد مشكلة الانظمة التي تحكم المسلمين بأن دور الفقهاء غائب تماما من النظام، والاستئناس برأي الفقهاء ليس حلا بل الحل يكمن في وجود الفقيه الجامع للشرائط على رأس النظام ليشرف بنفسه على وضع استراتيجيات الدولة والاشراف على حسن تنفيذها وهذا ما ورد في الدستور الاسلامي للجمهورية الاسلامية المادة 110 في وظائف القائد، وهنا قد حلت المشكلة في مراقبة الفقهاء للنظام عبر وجود الولي الفقيه على رأس السلطة ويسانده مجلس خبراء القيادة الذي يراقب ويتابع تنفيذ السياسات العامة في البلاد.
ثالثا: لا إفراط ولاتفريط: كتابة الدستور والقوانين وفق الرؤية الاسلامية وحاكمية الدين بطريقة عصرية حديثة ووضع عقوبات قانونية ومحاكم تعاقب المخالفين للقوانين بشكل يرتقي في مصاف الدول المتقدمة، أكد على ان الاسلام دين للدولة والمجتمع وان الافراط في تنفيذ الاحكام بطريقة السلفيين في افغانستان هي غير لائقة ولا أصل لها في الاسلام والتفريط بتنفيذ الاحكام على رؤية الليبراليين واليساريين والقوميين ايضا بعيدة عن روح الدين والمجتمع الاسلامي بل ان الاسلام ضمن في قوانينه احكاما لم تستطع الدول الشيوعية والقومية تفهمها لكونها تعطي حرية للمواطن التي تعتبرها تلك الانظمة غريبة عنها، وكذلك الحرية الشاذة في الدول الغربية للفرد اصطدمت بقمع للحريات في مشاهد تتكرر يوميا في الولايات المتحدة الامريكية وكيف يتم معاقبة البشرة السمراء من قبل الشرطة الامريكية وحتى في المجتمع من قبل طبقة البيض.
رابعا: لاشرقية ولاغربية: هذا من اهم سمات مشروع الامام الراحل ـ قدس سره ـ في الحكم حيث ان الاسلام فيه كل شيء عن السلطة والدولة وليس من المنطق الارتماء بأحضان الغرب او الشرق كما حصل مع الدول العربية والاسلامية سواء قومية او قبلية حيث ارتمت في احد التحالفين لضمان استمرارية حكومتها، فيما كانت رؤية الامام الراحل ـ قدس سره ـ الاعتماد على الله عزَّ وجلَّ اولا والشعب ثانيا وهنا مقولته المشهورة (النصر يعتمد على كلمتين كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة) ولذا كانت رؤية الامام ـ قدس سره ـ بالاعتماد على الشعب وما يقرره في اختياره للنظام الاسلامي وحاكمية الدين بدون الاعتماد على تحالفات خارجية تفرض قيودا استعمارية على البلاد.
خامسا: مساعدة المستضعفين: بعد انتصار الثورة الاسلامية أولت الجمهورية الاسلامية الاهتمام بالمستضعفين في العالم ووفق رؤية الشرع المقدس لابد من مساعدة أي فئة من الناس تطالب بالاستقلال والتحرر من الهيمنة الغربية او الشرقية ورغم الحرب المفروضة على الجمهورية الاسلامية من قبل النظام البعثي المقبور الا ان الجمهورية الاسلامية أصرت على مساعدة الحركات الاسلامية في العراق وافغانستان ولبنان وفلسطين، حتى ان سفير الاتحاد السوفيتي طلب من الحكومة الايرانية وقتها وقف المساعدات للمجاهدين الافغان مقابل وقف موسكو شحنات الاسلحة عن النظام البعثي (نظام صدام المقبور) الا ان الرد الايراني جاء رافضا للمقترح الروسي وداعيا موسكو للانسحاب من افغانستان خلال فترة ستة اشهر، وكذلك في مفاوضات انسحاب السوفيت من افغانستان عبر المؤتمر الرباعي (اميركا والاتحاد السوفيتي وسلطة افغانستان وباكستان) الا ان ايران رفضت رغم الحاح باكستان وكابل واشترطت مشاركة المجاهدين الافغان، وهنا نتيقن لولا وجود حكومة دينية وفقهاء على راس النظام لما تم رفض تلك العروض المغرية، وحتى في دعم المقاومة الفلسطينية ايضا (وكان الامام الخميني ـ قدس سره ـ يدعم المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني منذ اليوم الاول، وقبل انتصار الثورة الاسلامية بسنين)، فالاسلام لا توجد فيه براغماتية بل المبادئ تحكم من خلال القوانين.
فالسلام على الامام الخميني يوم ولد ويوم رحل عن هذه الدنيا ويوم يبعث حيا.
المصدر : وكالة مهر.. بتصرف يسير