البث المباشر

"وايزمان".. كيف استهدفت إيران الذراع العلمية للآلة الحربية الإسرائيلية؟

الثلاثاء 8 يوليو 2025 - 16:38 بتوقيت طهران
"وايزمان".. كيف استهدفت إيران الذراع العلمية للآلة الحربية الإسرائيلية؟

أربكت الضربة الإيرانية التي استهدفت القلب العلمي للكيان الصهيوني معادلات تل أبيب، حيث احترق “معهد وايزمن” بصفة الذراع العلمية للآلة الحربية الصهيونية في لهيب النيران. كما قال “إلداد تساهور”، أحد كبار الباحثين في المعهد، بعينين حائمتين وصوت مرتجف: “لقد دُمّر كل شيء!”.

ردًا على اغتيال عدد من العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين فجر 13 يونيو/حزيران 2025، شنت إيران سلسلة ضربات صاروخية ضد أهداف حساسة للكيان الصهيوني. وكان من أهم هذه الأهداف “معهد وايزمن للأبحاث العلمية” في مدينة رحوفوت، الذي يُعتبر القلب النابض للتكنولوجيا المدنية-العسكرية في إسرائيل. هذه الضربة غير المسبوقة، التي استهدفت للمرة الأولى البنية التحتية العلمية الإسرائيلية بشكل جاد، لم تُحدث فقط صدى واسعًا في الأوساط العلمية والإعلامية العالمية، بل خلّفت أيضًا أضرارًا مادية تقدر بـ 300 إلى 500 مليون دولار.

يضم المعهد 286 مجموعة بحثية، 191 عالمًا ومئات طلاب الدراسات العليا، وكان يختص بأهم مشاريع إسرائيل في الطب الحيوي، الهندسة الوراثية، والنانو-طبية. وقال “يعقوب حنا”، رئيس فريق أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، إن الهجوم الإيراني تسبب في انهيار سقوف المختبرات بالكامل وتدمير السلالم.

أما البروفيسور “إلداد تساهور”، الأستاذ في الطب التجديدي بالمعهد، فقد صرّح: “لقد ضاع كل شيء”، حيث دُمرت عينات وأنسجة كانت نتاج سنوات من الأبحاث. ويؤكد الخبراء أن إعادة بناء المعهد واستئناف أنشطته قد يستغرق سنوات.

تأسس معهد وايزمن عام 1934، وبدا للوهلة الأولى أنه مشروع علمي وإنساني بحت، إذ أسسه “حاييم وايزمن”، الكيميائي وأول رئيس للكيان الصهيوني. لكن بعد قرن من الزمن، تبين أن هذا المعهد كان أكثر من مجرد مؤسسة أكاديمية! فقد تحول تحت قشرته العلمية إلى بنية استراتيجية عسكرية وأمنية، ليصبح اليوم هدفًا للضربة الإيرانية الاستراتيجية.

 

النشأة الأيديولوجية لمعهد يبدو علميًا!

لم يكن “حاييم وايزمن” مجرد عالم كيمياء عضوية ساهم في صناعات حيوية مثل إنتاج الأسيتون للجيش البريطاني، بل كان أيضًا أحد منظري الصهيونية السياسية. خلال الحرب العالمية الأولى، كان الجيش البريطاني في حاجة ماسة إلى الأسيتون لصنع قذائف المدفعية والمتفجرات مثل الكوردايت.

في ذلك الوقت، طوّر حاييم وايزمان (الكيميائي) عملية بيولوجية (بيوتكنولوجية) استخدمت بكتيريا "كلوستريديوم أسيتوبيوتيليكوم" لإنتاج الأسيتون والبيوتانول والإيثانول. وهذه الطريقة، المعروفة باسم تخمير ABE، حلّت محلّ الطرق القديمة غير الفعّالة.

ولم يكن هو أحد المشاركين في صياغة إعلان بلفور فحسب، بل نجح في لقاءاته مع الزعماء الأميركيين والأوروبيين في حشد الدعم العالمي لإنشاء نظام إسرائيل.

إن المعهد الذي أسسه  حاييم وايزمان في مدينة رحوفوت، بدأ بتمويل من عائلة بريطانية (دانيال سيف)، ثم سُمي لاحقًا (1949) تيمنًا بمؤسسه. ومنذ البداية، كان له أهداف استراتيجية تتجاوز الأبحاث الأكاديمية إلى تعزيز القدرات النووية والعسكرية للكيان الصهيوني الناشئ.

لا شك فيه أن المعهد حصل على إنجازات علمية بارزة، مثل تطوير أول كمبيوتر إسرائيلي (وايزاك) وخوارزمية التشفير RSA، كما شارك في تصميم أدوية لعلاج التصلب المتعدد والسرطان مما حقق شهرة عالمية في بعض فروع العلوم الأساسية. ويُعد تعاونه مع حائزين على جائزة نوبل، مثل البروفيسورة "آدا يونات"، وتدريبه نخبة من علماء الأعصاب والكيمياء والفيزياء، جزءًا من هذه السمعة العلمية.

لكن خلف هذه الإنجازات، تكمن علاقته الوثيقة بالصناعات العسكرية. ولم تصبح خوارزمية التشفير RSA، التي خرجت من معهد وايزمان، مؤسس التجارة الإلكترونية الحديثة فحسب، بل لعبت أيضًا دورًا رئيسيًا في تشفير أنظمة الاتصالات الأمنية والعسكرية للكيان الصهيوني لسنوات.

 

إنجازات علمية.. لكن في خدمة الحرب!

منذ السبعينيات، تعاون المعهد مع وزارة الدفاع وشركات مثل “إلبيت سيستمز” و”إسرائيل للطيران”، وساهم في تدريب كوادر البرنامج النووي في ديمونا. كما شارك في استخراج اليورانيوم وتطوير تقنيات ذات الصلة.

بالإضافة إلى ذلك، كان تطوير تقنيات توجيه الصواريخ، إنتاج المواد البيومترية الدفاعية، أبحاث الحرب الإلكترونية، وحتى الأدوات النفسية العسكرية للاستخدام في ساحة المعركة، من بين أنشطة المعهد الأقل شهرة. وتُظهر حديقة كريات وايزمان للعلوم والتكنولوجيا، بما تضمه من شركات تعمل في مجال التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، أن المعهد منخرط بشكل مباشر في سلسلة توريد القوة العسكرية الإسرائيلية.

بعد الضربة الصاروخية الإيرانية، استُهدفت جميع مباني معهد وايزمان. ورغم أن تل أبيب حاولت التقليل من شأن الهجوم وإعلانها عدم إصابة أيٍّ من العلماء، إلا أن المحللين العسكريين حول العالم اعتبروه رسالة واضحة ودقيقة من إيران.

بهذا الإجراء، أظهرت إيران تبنيها استراتيجية جديدة ضد اغتيال علمائها: استهداف البنى التحتية ذات الجوانب العلمية والعسكرية في آن واحد. على الرغم من أن معهد وايزمان يتمتع باسم أكاديمي مرموق، إلا أنه أصبح عمليًا مركزًا لإنتاج المعرفة في خدمة آلة الحرب للكيان الإسرائيلي الذي يرتكب جرائم قتل الأطفال. وهذا ما يجعله هدفاً مشروعاً في منطق الردع الذكي.

 

إيران.. نموذج مختلف للعلم في خدمة الإنسانية

على عكس “وايزمان” الذي حوّل العلم إلى أداة للسلطة والعدوان، سعت إيران إلى سلوك مسار مختلف، بدءًا من تدريب علماء ملتزمين في جامعات مثل "شريف"، الشهيد بهشتي، جامعة أصفهان للتكنولوجيا، والجهاد الجامعي، والعديد من معاهد الأبحاث، وغيرها، وصولًا إلى تطوير تقنيات مثل الأدوية النانوية، لقاحات فيروس كورونا، تكنولوجيا الفضاء، والمعلوماتية الحيوية. وسعت إيران إلى العلم الذي يخدم الإنسانية والتنمية الوطنية، لا الهيمنة الإقليمية.

إن التقدم العلمي الذي أحرزته إيران، على النقيض من تصورات وسائل الإعلام الغربية، ليس مجرد نتيجة للتقليد أو النسخ؛ بل هو نتيجة للاعتماد على النخب المحلية، وهياكل البحث والتطوير المحلية، وروح تعتبر العلم أداة للكرامة، وليس عرضاً للقوة.

يُجسّد معهد وايزمان التناقضَ الذي يتجلى في مشروع الصهيونية العلمية؛ حيث يخدم العلم، تحت ستارٍ سلمي، أهدافًا عسكرية، في حين أظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إمكانيةَ تقديم نموذجٍ مختلفٍ في ذروة العقوبات والتهديدات والضغوط:

نموذجٌ يستخدم العلم لعلاج الأمراض، إطلاق الأقمار الصناعية، والتنبؤ بالزلازل، أو مكافحة الجفاف، لا لتوجيه الطائرات المسيّرة الهجومية أو تصميم فيروساتٍ خطيرة، إلخ.

إذا كان من المقرر قياس المؤسسات العلمية بتأثيرها الحقيقي على مستقبل البشرية، فسيخلّد التاريخ مؤسساتٍ استخدمت العلم لا في خدمة الحرب، بل في مسار الحياة. قد يتكرر اسم وايزمان مرارًا في المقالات والأوراق العلمية، لكنه سيبقى في ذاكرة الشعوب جزءًا لا يتجزأ من آلة حرب الصهيونية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة