ويرحب قسيسية (38 عاما) بالزوار في “بيت سانتا”، بقطع مغلفة من الشوكولاته يخرجها من كيس كبير إلى يمينه، قبل التقاط صور تذكارية وهو يهتف بصوت جهوري “هو هو الأرض المقدسة”.
وقبيل استقبال الزوار، يستعد قسيسية جيدا، فإضافة إلى الزي الأحمر، فإنه يرتدي لحية بيضاء وحذاء أسود ضخم عليه أجراس.
ووفق قسيسية الذي احترف كرة السلة على مدى 25 عاما قبل أن يصبح مدربا، فإن “سانتا كلوز” أو “بابا نويل” أكثر بكثير من ارتداء الزي فقط.
وقال للأناضول: “عندما ترتدي الزي الأحمر فإن عليك أن تفعل ذلك من قلبك فيمكن للجميع أن يرتدوا الزي الأحمر ولكن الأكثر أهمية هو أن تفعل ذلك من قلبك وأن تنقل السعادة والحب والأمل للآخرين”.
يتوجب علينا نقل الحب إلى كل الناس، يقول قسيسية، فـ”الجميع مسلمون ويهود ومسيحيين يشعرون بالسعادة لوجود سانتا، والأمر مختلف حتما عندما ترى سانتا في القدس”.
وبطول متر وتسعين سنتمترا، يبدو قسيسية شديد الضخامة، خصوصا وهو يقول إن جذور عائلته بالقدس تعود إلى 900 عاما، وبقفازه الأبيض يحتضن الأطفال ويحاول إدخال البهجة إلى نفوسهم وأفراد عائلاتهم الذين يرافقونهم.
وحينما زارته الأناضول في “بيت سانتا”، اصطف العديد من السياح والسكان المحليين، بينهم عائلة أمريكية من ولاية كولورادو وفتاة فلسطينية كانت ترتدي حجابا، قبل التقاط الصور التذكارية معه.
ولا يكتفي بالبقاء في “بيت سانتا” إذ يقوم قسيسية بجولات في البلدة القديمة من مدينة القدس وبخاصة منطقة باب الخليل.
“أحب التعامل مع الأطفال ونقل تجربتي إليهم”، يقول قسيسية: “لم أر سانتا طوال حياتي، ولهذا أردت أن أمنح هذه التجربة للأطفال في القدس والأرض المقدسة”.
ومسترجعا ذكرياته القديمة، يضيف: “واتتني الفكرة قبل 15 عاما، وكان لدى والدي زي سانتا وكان يرتديه لإسعاد أطفاله كأي أب، ارتديته وذهبت إلى باب الخليل وفرح الجميع برؤية سانتا في القدس”.
مرت 15 عاما على بداية قسيسية ارتداء زي سانتا، لكنه قبل 5 سنوات جاءته فكرة القدوم إلى القدس على ظهر جمل، وبالفعل قام بذلك، “وانتشر الخبر على مستوى العالم بأن سانتا في القدس على ظهر جمل”، يقول قسيسية.
مثلت تلك الحادثة نقلة في حياة قسيسية، يقول إنها حولته إلى بابا نويل الوحيد ليس فقط في الأرض المقدسة وإنما في الشرق الأوسط بأكمله.
وعام 2016 دعي قسيسية للالتحاق بكلية سانتا في ولاية كلورادو الأمريكية ليصبح سانتا كلوز بصفة رسمية.
يتذكر تلك الأيام قائلا: “ذهبت إلى الولايات المتحدة وأنهيت دراسة سانتا، وعندها برزت فكرة أن أفتتح بيت سانتا في القدس وهو بيت العائلة ويعود تاريخه إلى 700 عام”.
“في العام الماضي زارنا 20 ألف طفل”، يضيف قسيسية: “وهذا هو الهدف من سانتا، نقل الفرح والسلام والحب من القدس الى العالم”.
وحول أثر الأعوام الماضية، يقول: “عمل بيت سانتا في السنوات السبع الماضية كان ناجحا جدا وأشعر بالفخر أن الناس فرحين برؤية سانتا في القدس”.
ويشير قسيسية إلى أنه باستكماله الدراسة في كلية سانتا الأمريكية العريقة أصبح سفيرا للكلية في الشرق الأوسط.
ويقول: “حينما كنت أدرس سألتهم إن كان قد التحق في الماضي أي شخص من القدس أو الشرق الأوسط كان جوابهم لا، وأنني الوحيد القادم من الشرق الأوسط للحصول على شهادة سانتا من الكلية التي أنشأت عام 1937”.
في الحي المسيحي بالبلدة القديمة تبدو الأجواء مختلفة مع حلول أعياد الميلاد، فالشوارع مزينة بأضواء جميلة وتعج بالسياح الأجانب.
يهدي قسيسية الأطفال والزائرين الشوكولاته والحلوى، لكنه يلفت إلى أن الأطفال يأملون بالمزيد. “أحيانا أحاول الحصول على هدايا لتوزيعها على الأطفال خاصة في مستشفيات القدس الشرقية”، يقول قسيسية، “فالبعض يتبرع بهذه الهدايا دون الكشف عن هويته، وأتمنى أن يتعلم الجميع منهم، في بعض الأحيان يأتي إليّ الأهل بهدايا ويطلبون مني إعطائها لأطفالهم”.
ويطلب الأطفال من قسيسية هدايا مميزة كالهواتف الذكية أو السفر حول العالم، لكن ليس ذلك فقط أصعب الأمنيات تحقيقا أمام بابا نويل القدس.
يقول: “بعضهم يأتيني حزينا ويقول لي: هل يمكنك أن تعيد والدي؟ وأنا دائما أقول ينبغي عليك أن لا تعطي الوعود للأطفال، وإنما تقول دعونا نصلي وأن نتضرع إلى الله ليساعدنا على القيام بذلك”.
“إذا وعدت الأطفال ولم تحقق ما يريدون فإنهم سيعتقدون أنك كاذب”، يضيف قسيسية: “ولهذا دائما أقول دعونا نصلي ونتمنى أن نحصل على ما نريد”.
ويعتاش قسيسية من كونه مدربا لكرة السلة في جمعية “الشبان المسيحية” بالمدينة، ولكن دور بابا نويل لا يقتصر على فترة أعياد الميلاد المسيحية فقط.
ويقول: “بالنسبة لي فإن سانتا ليس فقط في ديسمبر/ كانون الأول وإنما طوال أيام السنة”.
ووفقه، فإن “بيت سانتا هو بيت العائلة وهو مميز حتى في الأيام العادية عندما يأتي الناس لزيارته، أحاول أن أبقيه مفتوحا، بعض الناس يبلغوني مسبقا عن نيتهم الزيارة وأستقبلهم”.
وحول أماكن تنقله، يقول قسيسية: “أذهب إلى بيت لحم وغيرها من المدن ولكن وجودي الأساسي هو في القدس”.
أما قمة سعادة قسيسية فهي عندما يجعل طفلا يضحك أو أن يحقق له أمنية.
وقال: “هذا يسعدني، وخاصة أنه في السنوات الثلاث الماضية كانت هناك جائحة كورونا وصراعات، لقد كانوا في حالة ضغط وأوضاع ليست جيدة”.
وأضاف: “الرسالة التي أقولها لهم هي أن يتمتعوا بروح أعياد الميلاد وهي الحب والعطاء والسلام، فترى أعينهم تلمع بفرح ويحتضنوني بشدة وهذا يشعرني بالفخر بأنني عملت شيئا للأطفال في الأراضي المقدسة”.
محاولة إسعاد الأطفال والزوار في القدس الشرقية التي تصاعد فيها التوتر بشكل خاص في السنوات الأخيرة، تبدو مهمة صعبة لكن قسيسية لا يشعر باليأس.
ويقول: “القدس بالنسبة لي هي قلب العالم، فإذا حل السلام بالقدس فإنه سيعم كل العالم، فالسلام يبدأ من هنا وينتهي هنا”.
مصدر : (الأناضول)