بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبتنا المستمعين في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم وأهلاً بكم الى هذه الحلقة من سلسلة حلقات برنامج "نهج الحياة" حيث سنستأنف فيها تفسير آيات سورة الطور المباركة بدأً بالإستماع الى تلاوة الآيات الثالثة والعشرين حتى الثامنة والعشرين منها فكونوا معنا وتابعونا مشكورين..
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ{23} وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ{24} وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ{25} قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ{26} فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ{27} إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ{28}
أيها الأفاضل، قيل أن "الكأس" هو الممتلئ، و"القدح" هو الفارغ؛ وكلمة "مشفق" عندما تقترن بـ "مِن" تدل على الخوف والقلق، وعندما تقترن بـ "في" تدل على الشفقة والعطف.
و"يتنازعون" بمعنى يخطف بعضهم كأس بعضهم الآخر، في حالة فرح وسرور كما يحصل في بعض الحفلات، ومجالس الفرح.
كما وردت في القرآن الكريم عبارة (لؤلؤ مكنون) مرتين، مرة لوصف حور العين ومرة لوصف غلمانها.
و"سموم" هي الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن، أو تترك أثرها فيه كما يترك السم أثره في جسد الإنسان. وفي الحديث عن النبي (ص) (لو فتح الله من عذاب السموم على أهل الأرض مثل الأنملة أحرقت الأرض ومن عليها) أجارنا الله وإياكم منها.
ومما نتعلمه من هذه الآيات المباركات أولاً: التنزه والترفيه عن النفس أمر مقبول، شريطة أن لا يصل الى اللغو ولا يدخل الإنسان في المعصية.
ثانياً: خدم الجنة في حالة طواف دائم حول أهلها كما تطوف الفراشة حول النور.
ثالثاً: من المناسب والمطلوب، تغطية الأشياء القيمة والثمينة.
رابعاً: الإشفاق على الأهل والأقارب، من مفاتيح الجنة.
وخامساً: نجاة المتقين من العذاب، ونيلهم الجنة من تجليات الرحمة الإلهية والإحسان الإلهي.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات التاسعة والعشرين حتى الواحدة والثلاثين من سورة الطور المباركة..
فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ{29} أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ{30} قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ{31}
الكاهن، أيها الأكارم، هو الشخص الذي يخبر بالغيب، ويدعي العلاقة بالجن، والتعرف إلى الأسرار والخفايا بواسطتهم.
و"ريب المنون" تعبير يراد به الحوادث والمصائب التي تصيب الإنسان في حياته.
كما تشير الآيات الى أن صفة الجنون التي كان ينسبها المشركون إلى الأنبياء، لا يراد بها الجنون بمعنى زوال العقل، بل المراد بها العلاقة بالجن، وذلك بقرينة وقوعها في سياق الإتهام بالكهانة، وكانوا يطلقون هذه الصفة على الأنبياء لإعتقادهم بأن من تنشأ بينه وبين الجن علاقة يصبح قادراً على اكتشاف الأسرار ومعرفة بعض الحقائق التي قد تخفى على غيره من الناس. ومن القرائن المؤيدة لهذا المعنى قول الله على لسانهم بقوله تعالى في سورة الصافات (لشاعر مجنون).
وما تعلمه إيانا هذه الآيات الشريفات أولاً: لا ينبغي الخوف من الإتهامات التي يطلقها الكافرون المعاندون للحق، وعلى الداعي الى الله والعامل في سبيله العمل بما يقتضيه التكليف، حتى لو كانت التهم كبيرة وشنيعة كالإتهام بالسحر، والجنون والكهانة وغيرها.
ثانياً: يضمن الله سلامة أوليائه، ويتعهد بالدفاع عنهم.
ثالثاً: الداعي الى الله هدف دائم لسهام الكافرين.
رابعاً: على القائد الديني أن لا يترك الساحة فراراً من التهم التي تطلق ضده، بل عليه الثبات والمواجهة.
وخامساً: على المؤمنين أن يبقوا على أمل دائم بالفوز والنصر، ويتربصوا بأعدائهم كما يتربصون بهم.
إخوة الإيمان، بهذا وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر آخر من آي الذكر الحكيم دمتم بخير وفي أمان الله.