الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من مشاهير الصادقين الذين صدقوا بما عاهدوا به الله سبحانه وتعالى هو الحارث الاعور الهمداني(رض)، هو من قبيلة همدان وله موقف مشرف يوم صفين مع الامام امير المؤمنين(ع)، الامام امير المؤمنين يقول في قبيلة همدان لانه هذه القبيلة لها دور عظيم في نصرة الحق، يقول فيهم: "يا معشر همدان انتم درعي ورمحي، ما نصرتم الاّ الله وما اخبتم غيره" ايما نصرة لاهل البيت هي نصرة لله واي نصر للحق هي نصرة لاهل البيت لان الحق هم اهل البيت، الحق هو امر الله وشرع الله، الحق هي تعليمات الله التي تتجسد تجسداً كاملاً في سلوك اهل البيت وفي مواقف اهل البيت.
من قبيلة همدان الفقيه الاكبر والمتفاني العظيم في ولاءه للامام امير المؤمنين واحد اعلان العالم هو الحارث الاعور الهمداني، هذا التابعي يأتي في عداد صعصعة بن صوحان، الاصبغ بن نباتة وامثالهم.
وكان قد تعلم الحكمة والحديث والعلم من الامام امير المؤمنين ويعد من كبار الشيعة. روى الكشيفي رجاله عن الشعبي هذا الحديث يقول عن الشعبي: "سمعت الحارث الاعور وهو يقول: اتيت امير المؤمنين ذات ليلة فقال: يا اعور، ما جاء بك؟ قلت: يا ابا الحسن جاء بي حبك. فقال له الامام: يا حارث ستراني في ثلاث مواطن عند خروج روحك وعمد اجتيازك الصراط وعند الحوض يوم المحشر، يا حارث اما اني سأحدثك بنعمة كبيرة لتشكرها؟ فقال الحارث: اي والله يا ابا الحسن حدثني، قال: اما انه لا يموت عبد بحبي او يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحب ولا يموت عبد يبغضني فيخرج نفسه حتى يراني حيث يكره".
وطبعاً هذا له شرح، ان الانسان احياناً يرى صورة او يرى مناماً يفرحه ذلك المنام، يعني لما يستيقظ صباحاً اثار الانشراح والنشوة على مشاعره وحينما يرى رؤيا مؤلمة ينعكس ذلك على مشاعره ايضاً عند الصباح فيكون نحيساً وكئيب الوجنات، الامام امير المؤمنين(ع) يقول: لا يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحب فيراني بالصورة التي يكره وابشرك يا حارث والذي فلق الحب وبرء النسمة ان وليّ وعدوي ليعرفني في المواطن شتى، ليعرفني عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة.
قلت: وما المقاسمة يا ابا الحسن؟
فقال: مقاسمة النار والجنة، اقاسمها قسمة صحاحاً فأقول هذا لوليّ وهذا لعدوي.
وهذا المعنى الذي نظمه بعض الادباء:
عليّ حبه جنة
قسيم النار والجنة
وصيّ المصطفى حقاً
امام الانس والجنة
وطبعاً يراعي فيه الجناس بروعة.
ثم اخذ الامام بيد الحارث وقال: يا حارث اخذت بيدك كما اخذ رسول الله بيدي، يا حارث انت مع من احببت ولك ما اكتسبت، قالها ثلاثاً.
الحارث استأنس بهذا الحديث واعتبره بشارة ما بعدها بشارة وكان يردد: والله لا ابالي بالموت متى لقيني او لقيته، والحوار بين امير المؤمنين والحارث سجله السيد الحميري في قطعة شعرية رائعة نقرأ قسم منها:
قول علي لحارث عجب
كم ثم اعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني
من مؤمن او منافق قبلا
يعرفني طرفه واعرفه
بنعته واسمه وما فعلا
وانت عند الصراط تعرفني
فلا تخف عثرة بها ولا زللا
اسقيك من بارد على ظماء
تخاله في الحلاوة العسلا
اقول للنارحين تعرض للعرض
دعيه لا تقبلي الرجلا
دعيه لا تقربيه ان له حبلاً
بحبل الوصي متصلاً
يروي صاحب "قصص الانبياء" عن الحارث الهمداني(رض) ايضاً قال: ابصرت امير المؤمنين في النخيلة ومعه شيخ يتحدث اليه، فسألته: من هذا يا امير المؤمنين؟ قال الامام: يا حارث هذا اخي الخضر جاء يسألني عما بقي من الدنيا وسألته عنا مضى من الآخرة.
ويروي المؤرخون ايضاً ان الامام امير المؤمنين(ع) كان راكباً يوماً اعترضه الحارث (هذه الشريحة من الاصحاب كانت تستغل الفرص تستحصل بها المعلومات من امير المؤمنين) فقال له: يا ابا الحسن احب ان تكرمني وتجيب دعوتي فتأكل عندي، فنزل الامام واستجاب له وقال: يا حارث استجبت لك فلا تتكلف بشئ ابداً، أأكل في بيتك ما هو فيه، هنا يتعرض الحارث الى حرج لان لم يكن في البيت غير كسير من الخبز فطرحته وانا ابتسم فأكل منه مولاي امير المؤمنين بكل رحابة صدر وكان مستأنساً بذلك.
كتب الكثير من المؤرخين عن الحارث الاعور الهمداني ودوره في يوم صفين وما قام به من تفاني الامام امير المؤمنين وذكروا له من الاثار العلمية التي تركها كأثر كبير في اثراء الفكر الاسلامي.
توفي الحارث عام 65 هجرية واشير به ان هذا البطل العظيم كان من ذريته الشيخ البهائي(رض) المعروف، العالم والفلكي والمهندس الذي صمم صحن الامام امير المؤمنين(ع) وخطط الايوان وخطط تصميم القبة وخطط ايضاً الماذنتين، وكان الشيخ البهائي يفتخر اذا ذكر اسم الحارث حيث كان يقول: ذكر جدنا الحارث الهمداني وهو من خواص امامنا امير المؤمنين(ع) رحم الله الحاث الهمداني وتغمده الله بواسع رحمته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******