بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. ها نحن وإياكم وحلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنواصل فيها تفسيراً ميسراً لآيات سورة قاف المباركة..
--فاصل--
نستهل هذه الحلقة من البرنامج، إخوتنا الأكارم، بالإستماع الى تلاوة مرتلة للآيات السابعة عشرة حتى التاسعة عشرة من سورة قاف المباركة، فابقوا معنا..
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ{17} مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{18} وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ{19}
أيها الأحبة، مفردة "قعيد" في الآية السابعة عشرة، هي صفة للملائكة الملازمين للإنسان حيث يحصون عليه أفعاله وأقواله، وليس المراد به الملكين عن يساره ويمينه.
وأما "رقيب" تعني "المراقب"؛ و"عتيد" أي مستعد للخدمة، و"السكرة" من السكر وهو حالة تصيب الإنسان فيفقد فيها جزءاً كبيراً من وعيه وعقله، و"تحيد" يعني تعدل وتميل.
ويعبّر الله عزوجل في هذه الآيات عن الحالة التي تصيب الإنسان عند الموت بالسكرة؛ وذلك لشدة هول تلك اللحظة؛ كما يعبر عن حالة الناس يوم القيامة بتعبير قريب من هذا المعنى حيث يقول تعالى (وترى الناس سكارى).
وتشير الآية الثامنة عشرة من بين أفعال الجوارح كلها الى "ما يلفظ من قول" وربما كان ذلك لسهولة عمل اللسان وخفته ودوامه وشدة أذاه في بعض الحالات.
أما الإلتفات الى الرقابة الإلهية الدائمة، وإحصاء الملائكة على الإنسان أنفاسه، والذكر الدائم للحظة الموت، من الأسباب المساعدة على ملازمة التقوى.
أيها الأطائب، ومما نستلهمه من هذه الآيات المباركات، أولاً: على الرغم من الإطلاع الإلهي والإحاطة العلمية لله تعالى شأنه، إلا أنه أراد عزوجل أن يكون ضبط الأفعال وإحصاؤها على يد ملائكة أوكل إليهم هذه المهمة، وربما كان ذلك من باب جريان الأمور بأسبابها.
ثانياً: لا يُسأل الإنسان عن أفعاله فحسب، بل يُسأل عن أقواله وما يصدر عن لسانه بحسب قوله عز من قائل "ما يلفظ من قول"
ثالثاً: سكرة الموت أمر حتمي يصيب البشر جميعاً.
ورابعاً: الرغبة بالتخلص من الموت والفرار من لوازم الطبيعة البشرية ومقتضايتها.
--فاصل—
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة آيات العشرين حتى الثانية والعشرين من سورة قاف المباركة..
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ{20} وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ{21} لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{22}
أيها الأفاضل، تشير هذه الآيات الكريمات، الى أن المراحل التي يمر بها الإنسان يوم القيامة عند محاكمته، مراحل صدور الحكم في الدنيا، فالإنسان يضبط ويقاد أولاً ثم يواجه بالشهود، وبعد ذلك يقدم للمحاكمة وتبين له جرائمه حتى يعرف ما هو ذنبه، ثم بعد ذلك يصدر الحكم وينفذ عليه.
وما تعلمه إيانا هذه الآيات الشريفات أيها الكرام أولاً: لا مجال للفرار من محكمة يوم القيامة، ولا لإنكار التهم المنسوبة الى الإنسان.
ثانياً: الغفلة التي تصيب بعض الناس في الدنيا عميقة ومستولية على كيانهم.
ثالثاً: الدنيا وما فيها من مظاهر، هي أحد أسباب الغفلة التي تصيب الإنسان.
ورابعاً: الأفعال التي تصدر عن الإنسان في الدنيا تصيبه بالغفلة وتمنعه عن معرفة الحق وتحجب عنه الرؤية، وفي الآخرة ترتفع آثار هذه الأعمال ويغدو الإنسان قادراً على معرفة الحق والتمييز بينه وبين الباطل.
--فاصل—
إخوتنا وأخواتنا، الى هنا نصل الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم "نهج الحياة" شكراً لحسن إصغائكم وكرم متابعتكم ونسألكم الدعاء.