بسم الله وله الحمد إذ هدانا للإيمان والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء الهداة سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأكارم سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركات.. نحييكم بأطيب تحية أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من سلسلة حلقات برنامج "نهج الحياة" حيث سنواصل فيها تفسير سورة "ق" المباركة.. فكونوا معنا وتابعونا مشكورين..
---فاصل---
أما الآن أيها الأحبة ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات التاسعة حتى الحادية عشرة من سورة "ق" المباركة قبل تفسيرها..
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ{9} وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ{10} رِزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ{11}
أيها الأفاضل، كلمة "الحصيد" في الآية التاسعة، من الحصاد وهو جني الزرع، وباسقات جمع باسقة؛ أي طويلة القامة. والطلع براعم النخل التي تتحول الى تمر. ونضيد أي متراكم بعضه فوق بعض.
وتشير الآية التاسعة الى أن جمع المحاصيل الزراعية من أكثر الأمور إثارة للبهجة والسرور في نفس المزارعين.
كما تمثل هذه الآيات لتقريب فكرة المعاد والبعث، بنمو النباتات في الأرض واخضرارها بعد أن تكون ميتة لا حياة فيها.
ومما نستقيه من هذه الآيات الكريمات أولاً: لا تنافي بين إسناد نزول المطر الى إرادة الله تعالى، وبين وجود عوامل وأسباب طبيعية تساعد على نزوله.
ثانياً: ظهور النبات في الأرض له أهداف وغايات مبينة على الحكمة الإلهية.
ثالثاً: يجب أن يكون الرزق، الذي يمن الله به على العباد سبباً لحسن العبودية.
ورابعاً: تشتمل الأفعال الإلهية على الجامعية والشمول، فقد مزج سبحانه بين إتقان الصنع والحكمة والمعرفة والهداية معاً.
--فاصل—
أما الآن، إخوتنا الكرام، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الثانية عشرة حتى الرابعة عشرة من سورة قاف المباركة..
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ{12} وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ{13} وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ{14}
أيها الأحبة، تشير هذه الآيات الى بعض الأقوام الماضية، وهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون ولوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع، حيث كان لهم نهج واحد ونهاية مشتركة وهو الدمار والعذاب.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الكريمات أولاً: التعرف على تاريخ الأنبياء السابقين ومعاناتهم، فيه ما ينفع للتخفيف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثانياً: التضاد بين الحق والباطل أمر مستمر طوال التاريخ الإنساني.
ثالثاً: يرسل الله الأنبياء لإتمام الحجة على الناس، وإذا عاند الناس وأصروا على الكفر والتمرد ومواجهة دعوة الحق فعندها ينزل الله عقابه وعذابه.
رابعاً: يعاقب الله بعض الناس في الدنيا، ولا يؤجل عقابهم الى الآخرة.
وخامساً: لا يبقى تكذيب الأنبياء دون أثر يرتبه الله عليه كالعقاب في الدنيا أو الآخرة أو في كليهما.
--فاصل—
مستمعينا الأطائب، نستمع الآن وإياكم الى تلاوة الآيتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة قاف المباركة ومن ثم نقدم لكم تفسيرها الموجز فابقوا معنا...
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ{15} وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ{16}
كلمة "عيينا" في الآية الخامسة عشرة، عزيزي المستمع، مصدرها "العي" وهو العجز وعدم القدرة؛ واللبس بمعنى الخلط والإشتباه.
والوسوسة في اللغة، هو الصوت المنخفض الخفي، وفي الإصطلاح كناية عن الأفكار الباطلة التي يلقيها الشيطان أو غيره في روع الإنسان.
وأما كلمة "وريد" من مادة "ورد"، والورود هو السير نحو الماء والوصول إليه؛ وربما يكون إطلاق هذا الإسم على أحد الشرايين الأساس في جسد الإنسان، من جهة أنه السبيل الأساس لحركة الدم بين القلب وسائر البدن.
ومما نستقيه من هاتين الآيتين الكريمتين، أعزتنا الكرام، أولاً: خلق الكائنات كلها دليل على قدرة الله على إعادتها الى الحياة بعد موتها، فعندما يكون الخلق الأول ممكناً، يكون الثاني مثله في الإمكان.
ثانياً: في الجدال مع المخالفين والمعارضين، على الإنسان أن يستفيد من أوضح العبارات وأكثرها اختصاراً.
ثالثاً: ليس لدى الكافرين دليلاً على استحالة المعاد، بل كل ما يستندون إليه هو الشك.
رابعاً: على من يسعى إلى إصلاح عقيدته أن يبعد الوسوسة عنه ويرد الشبهات التي تحوم على قلبه وتحاول السيطرة على عقله؛ فإنكار القيامة يستند بحسب الآية الى الوسوسة والشك الذي يدور في نفس الإنسان.
--فاصل--
الى هنا، إخوة الإيمان، نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فعلى أمل اللقاء في الحلقة المقبلة تقبلوا تحياتنا والسلام خير ختام.