بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا رحمة الله في العالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
أحبتنا المستمعين، سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية لكم أينما كنتم وأهلاً ومرحباً بكم وأنتم تستمعون الى هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" حيث سنواصل فيها تفسير آيات سورة الأحقاف المباركة نبدأها بالإستماع الى تلاوة الآية التاسعة عشرة..
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{19}
عبارة "ليوفيهم" في هذه الآية، أيها الكرام، من "التوفية" أي أخذ الشيء كاملاً، والمراد من هذا التعبير، هنا، نيل كل واحد من الناس ثوابه أو عقابه كاملاً.
وتشير هذه الآية المباركة الى أنه لا تتسع الدنيا للثواب والعقاب الكاملين؛ وذلك لقصر أمدها، ولأن الثواب والعقاب الذي ينال الشخص فيها قد يصيب غيره من الناس المحيطين به. فخذ مثلاً الأنبياء الذين قاموا بهداية ملايين البشر وإنقاذهم من الشرك والفساد وأشكال الإنحراف، فمثل هؤلاء ماذا يمكن أن يكون ثوابهم؟ حيث أن أهم نعم الدنيا كالطعام والشراب وأنواع اللباس لا تساوي شيئاً، ولا قيمة لها لأن الكافر ينال نصيبه منها في الدنيا. وفي المقابل خذ مثلاً بعض المجرمين الذين يقتلون عشرات الناس ويعذبونهم فما هو الجزاء العادل لهم، الإعدام هو أقصى عقوبة قد تنالهم؛ ولكنه في نهاية المطاف قتل واحد في مقابل عشرات ليس فيه تكافؤ ولا عدل.
إخوتنا الأكارم، ندعوكم الآن للإستماع الى تلاوة الآية العشرين من سورة الأحقاف المباركة لنشرع بتفسيرها ...
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ{20}
أيها الأفاضل، تشير هذه الآية الى أن الإنسان يبدأ بالتحسر على ما فاته من نعم الدنيا ومقدراتها التي كان يمكن أن يستفيد منها في آخرته، من اللحظات الأولى لرحلة الموت وما بعده.
ومما تعلمه إيانا هذه الآية أولاً: يتعرض المجرمون يوم القيامة للعذاب الروحي والجسدي، فهم ينالون نصيبهم من التحقير مع حظهم من عذاب النار.
ثانياً: عقوبة التكبر في الحياة الدنيا ذل وهوان في الآخرة.
وثالثاً: التكبر صفة نفسية تنعكس فسقاً في السلوك والتصرف الخارجي.
أما الآن، أيها الأفاضل، نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآية الحادية والعشرين من سورة الأحقاف المباركة..
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{21}
"الأحقاف" عزيزي المستمع، هو جمع "حقف" وحقف الشيء حقوفاً من باب قعد: فيقولون "إعوج" فهو "حاقف"، ويقال للرمل المعوج "حِقْف" والجمع "أحقاف".
والأحقاف رمال بظاهر بلاد اليمن كانت عاد تنزل بها، وهي أماكن رملية لا تطأها قدم حتى تغور في الأرض لنعومة الرمل.
ومما تعلمنا إيانا هذه الآية الشريفة أولاً: المعرفة بأخبار الأقدمين فيها عبر وتؤخذ منها دروس.
ثانياً: تعامل الأنبياء مع أقوامهم كان تعاملاً أخوياً.
ثالثاً: لا تمنع البيئة الجغرافية الصعبة الأنبياء من القيام بأعباء الرسالة التي هم مكلفون بأدائها.
ورابعاً: من أفضل وسائل الدعوة لفت النظر الى آثار الأعمال في المستقبل.
مستمعينا الكرام، أما الآن ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سورة الأحقاف المباركة..
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{22} قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ{23}
مما نتعلمه من هاتين الآيتين، أيها الأفاضل، أولاً: لا ينتظر الأنبياء الناس حتى يسألوا، بل هم يتصدون لذلك ابتداء ويبادرون الى الدعوة.
ثانياً: العلم بحقائق عالم التكوين كلها من صفات الله وحده.
ثالثاً: واجب الأنبياء ومهمتهم الأساس إبلاغ رسالة الله الى الناس.
ورابعاً: طلب نزول العذاب واستعجاله بدل التأمل في دعوة الأنبياء الى الحق هو من مؤشرات الجهل.
الى هنا، إخوة الإيمان، نصل الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى الملتقى في حلقة جديدة وتفسير ميسر آخر من القرآن الكريم، نستودعكم الباري تعالى والسلام خير ختام.