بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين وأزكى الصلوات وأتم التسليم على أشرف خلق الله سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الكرام، سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية لكم وأنتم تستمعون الى تفسير آخر لآيات القرآن الكريم ضمن برنامج "نهج الحياة" حيث سنواصل في هذه الحلقة من البرنامج تفسير سورة الجاثية نشرعها بالإستماع الى تلاوة الآية الحادية والعشرين منها فتابعونا مشكورين...
أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{21}
أيها الأفاضل، الإجتراح، من (الجرح) بمعنى الضرر الذي يصل الى البدن. وحيث كان الذنب يجعل الروح جريحة، فأطلق على الذين يعملون السيئات ويرتكبون الذنوب أنهم "اجترحوا السيئات".
كذلك، عزيزي المستمع، يعتمد القرآن الكريم كثيراً على أسلوب المقارنة لكي يكون الأمر بيناً للناس وليدرك الناس جميعاً ذلك على أي مستوى كانوا؛ فالمؤمن يزداد إيماناً ولكن الكافر يزداد كفراً كما ورد في الآية الثانية من سورة الأنفال والآية التسعين من سورة آل عمران، والأمثلة على ذلك في القرآن كثير.
وما تعلمه إيانا هذه الآية المباركة أولاً: إن الله عزوجل عادل ولا تساوى لديه المحسن والمسيء.
ثانياً: جذور الكثير من الإنحرافات ترجع الى الظنون التي يعيشها الناس.
ثالثاً: الإيمان والعمل الصالح وكذلك الذنب لهما تأثيرهما في حياة الإنسان ومماته.
ورابعاً: الحكم على أساس الخيال والظن مذموم.
أما الآن، أعزتنا المستمعين الأفاضل، وقبل تفسيرها، نستمع الى تلاوة الآية الثانية والعشرين من سورة الجاثية المباركة:
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{22}
أيها الأطائب، هذه الآية هي بمنزلة الدليل على الآية السابقة؛ ففي الآية السابقة ورد أن المسيئين يظنون أنه سوف يتم التعامل معهم كالمحسنين. مع أن هذا خيال باطل، ثم تقول هذه الآية: ألا يعلم هؤلاء بأن خلق السموات والأرض مبني على الحق، وفي نظام الحق لا يمكن معاملة المحسن كالمسيء.
والحق يطلق على الشيء الذي يبنى على أساس الحكمة والمنطق، فالخلق على أساس الحق يعني أن يكون لأجل غاية وهدف.
ومما نتعلمه من هذه الآية المباركة أيها الأحبة، أولاً: القيامة والعقاب والثواب العادل هو من لزومات خلق هذا العالم. فحرف (الواو) في قوله "ولتجزى" دليل على أن الخلق كان لغاية، وإحدى هذه الغايات هو الثواب والعقاب.
ثانياً: نظام الدنيا والآخرة يقوم على أساس الحق.
وثالثاً: الجزاء يقوم على أساس العمل لا الأمل والتمني.
والآن، إخوتنا الأفاضل، ننصت وإياكم الى تلاوة مرتلة للآيتين الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين من سورة الجاثية المباركة...
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{23} وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ{24}
أيها الأفاضل، أورد القرآن الكريم صفة "الختم" في حق طائفتين من الناس: إحداهما الكفار، حيث جاء في الآية السابعة من سورة البقرة (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم..) والأخرى من عبد هواه حيث قال عزوجل (وختم على سمعه وقلبه). والمراد من عبادة الهوى عدم معرفة التكليف واتباع الغريزة.
و"الدهر" هو عمر الدنيا، وكانت عقيدة الماديين أن مضي العمر هو سبب الموت وهلاك الإنسان.
وما تعلمه إيانا هاتان الآيتان المباركتان أولاً: عبادة الهوى نوع من الشرك، وعابد الهوى يستحق الذم.
ثانياً: عقوبة من ترك الله سبحانه ومال الى هواه أن يضله الله عزوجل.
ثالثاً: عبادة الهوى تجعل الإنسان أعمى العين والقلب، الأمر الذي يؤدي إلى إنكاره القيامة، فيرى أن الحياة تنحصر في الحياة الدنيوية القصيرة.
رابعاً: ليس لمنكري المعاد من علم أو حجة في إنكارهم هذا.
وخامساً: ليس للظن والتخمين من قيمة في المسائل الإعتقادية، بل لابد للعقائد من أن تبنى على أساس العلم.
ختاماً نشكر لكم حسن استماعكم لبرنامجكم "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر تقبلوا تحياتنا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ..في أمان الله.