بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأزكى الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
حضرات المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته.. تحية طيبة وأهلاً بكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) وتفسير ميسر آخر من آيات ذكر الرحمن حيث سنواصل فيها تفسير آيات سورة الشورى المباركة بداية بالإستماع الى تلاوة الآيتين التاسع عشرة والعشرين ...
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ{19} مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ{20}
إخوتنا الأكارم، السهولة والدقة معنيان متضمنان في كلمة (اللطف)، والله عزوجل لطيف لأنه محيط بدقائق الأمور، ويمكنه القيام بأي عمل بسهولة.
وتشير هاتان الآيتان الى أن إرادة الآخرة دليل على سعة النظر، وعدم التعلق بالدنيا والإيمان بالوعد الإلهي، وبعبارة مختصرة؛ إرادة الآخرة علامة على حسن العقل واختيار الأحسن.
كما ورد في الآية العشرين تشبيه الإنسان بالفلاح الذي يكون عمله الزرع، فنيته هي البذر، والدنيا هي مزرعة الآخرة.
فما نتعلمه من هاتين الآيتين، أيها الأكارم هو أولا: خلافاً لما في المخلوقات حيث تجد اللطيف منها ليس قوياً، والقوي منها ليس لطيفاً، فإن الله سبحانه لطيف وقوي.
ثانياً: القدرة الإلهية لا تغلب أبداً.
ثالثاً: الإنسان حر في اختيار الطريق.
ورابعاً: جعل الدنيا هدفاً هو سبباً للحرمان الكامل من الآخرة.
والآن أحبتنا الأفاضل ننصت وإياكم الى تلاوة الآيتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين من سورة الشورى المباركة..
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{21} تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ{22}
إخوتنا الأفاضل.. ورد عن أمير المؤمنين (ع) في وصيته لولده الحسن (ع) "لو كان لربك شريك لأتتك رسله.." وهذه الآية، عزيزي المستمع، تتضمن نفس هذا المعنى، فلو كان لله سبحانه شركاء لبعثوا أنبياء ليشرعوا للناس شرائع وأديان.
كما ورد في الصحيفة السجادية عن الإمام زين العابدين (ع) في ما يتعلق بالإمهال الإلهي "...إذ كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار"
أما ما تعلمنا هاتان الآيتان أولاً: الإنسان بحاجة الى شريعة وقانون، وهذا ما يوفره الله عزوجل للإنسان لا غير الله.
ثانياً: البدعة في الدين وتشريع قوانين دون إذن من الله شرك بالله.
ثالثاً: إمهال الناس لكي تبرز حقيقتهم ويستبين جوهرهم سنة إلهية حتمية.
ورابعاً: إمهال المنحرفين لطف إلهي لعل الإنسان يفكر بالتوبة والإيمان.
أما الآن، إخوة الإيمان، نستمع وإياكم الى تلاوة الآية الثالثة والعشرين من سورة الشورى المباركة..
ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ{23}
أيها الأكارم، ورد في الآية السابقة أن جزاء المؤمنين والمحسنين هو الجنة التي لهم فيها ما يشاؤون، وفضل من الله أكبر، وتتعرض هذه الآية لثواب من كان سبباً لهداية الكثير من الناس الى الجنة، أي نبي الإسلام (ص).
نعم، لا شك في أن الأنبياء لا يريدون جزاءً مادياً، ولكنهم يطلبون من الناس الطاعة والإهتداء بهديهم، لأنهم عليهم السلام، وكما ورد في سورة الشعراء، وبعد نفيهم طلب الأجر، كان قولهم (فاتقوا الله وأطيعون) إذاً لا يطلب الأنبياء أجراً مادياً.
ومما تعلمنا هذه الآية الشريفة هو أولاً: علامة العبودية لله هما الإيمان والعمل الصالح.
ثانياً: مودة ذوي قربى النبي (ص) مصداق واضح للإيمان والعمل الصالح.
ثالثاً: لا تمكن المودة مع عدم المعرفة؛ فأجر الرسالة هو معرفة أهل بيت النبي (ص) ومودتهم.
ورابعاً: محبة أهل البيت (ع) باب لنيل المغفرة من الله عز اسمه.
أعزتنا المستمعين الأكارم، بهذا وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني (نهج الحياة) فحتى الملتقى تقبلوا تحياتنا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.