الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من عباقرة الاسلام وممن يفتخر بهم نادي الشعراء، الشعراء المخلصين هو الشاعر والعالم والمحدث الكبير ابو العلاء المعري رحمه الله وهو مؤلف وشاعر وفيلسوف وناقد طبعاً ابوالعلاء المعري ولد اكمه يعني فاقد للبصر ويتسم بطبيعة خاصة وهناك رأي آخر يقول بأنه فقد بصره وعمره اربع سنوات وقد ولد في منطقة تعرف بمعرة النعمان بسوريا وكان ذو طبيعة اعتزالية منعزل عن الناس عن المجتمع وكان ايضاً كما يقول الرواة المترجمون له كان نباتياً يعني مايأكل اللحوم ابداً وانه يقال ذات مرة مرض صنعوا له دجاجة فلما جاءوا بها اليه واخبر بأن هذا طعامك دجاجة مطبوخة دمعت عيناه واخد يخاطبها:

استضعفوك فقتلوك ولو

كنت قويةً فما قتلوك

فلماذا لم يطبخوا شبل الاسد
الكثير من الشعراء له، طبعاً هو لزم داره خمسين سنة منغزل عن المجتمع الى ‌ان توفى، وشعره يتسم بطابعين قسم طابع الحكمة‌ وطابع الموعظة وقسم من شعره فيه مقاطع من الغزل وغير ذلك، ذات مرة انتقده او اشكل عليه بعض اصحابه او بعض زملاءه في الدراسة، اشكل عليه هذا المعنى انعزاله او مثلاً هذه الحياة التي يعيشها في المجتمع فاجاب بهذه الابيات، تعرف الابيات باللزوميات: 

انا في سبيل المجد ما انا فاعل

عفاف واقدام وحزم ونائل

ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً

تجاهلت حتى قيل اني جاهل

فيا عجبا كم يدعي الفضل جاهل

ويا عجبا كم يدعي الجهل فاضل

وفي الحقيقة هذه المعاناة القاسية التي لا يتحملها كل احد وهو انعدام المقاييس حينما نشاهد كيف المقاييس تنقلب على اعقابها واذا العالي يسحق والداني يرفع ويد تقبل وهي مما يجب ان تقطع ويد تقطع وهي يجب ان تقبل حينما تنعدم المقاييس والفوارق يشعر الانسان بمعاناة والم لذلك يقول:

ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً

تجاهلت حتى قيل اني جاهل

فيا عجبا كم يدعي الفضل جاهل

ويا عجبا كم يدعي الجهل فاضل

له ايضاً الكثير من المؤلفات لابي العلاء المعري(رض) من قبيل الفصول والغايات ورسالة‌ الغفران وهناك مؤلفات اخرى لا استحضرها حالياً لكن النقطة التي اريد التأكيد من خلالها على شخصية ابي العلاء المعري وتوجهه في تفكيره هو ما اشار اليه المرحوم كاشف الغطاء طبعاً هناك كانت حالة من الترديد والاضطراب في تشخيص مذهبه وتوجهه انه ما هي انتماءاته وتوجه ابي العلاء المعري ما هي وبعضهم كان يصفه مثلاً المذهب الفلاني او الاتجاه الفلاني لكن الذي ازاح اللثام عن انتماء او توجهه لاهل البيت هو المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، كتب في بعض مؤلفاته بأن ابا العلاء المعري مسلم شيعي واستدل بعدة ادلة من الادلة ابياته في رثاء الحسين(ع) ونقرأ منها نفس ولاءه لاهل البيت هناك لعله من النصارى وغير النصارى من المذاهب نظموا في الحسين(ع) ورثوا الحسين(ع) لكن النفس الذي نلاحظه ونشمه في رثاء ابي العلاء المعري للحسين(ع) يكشف لنا عن حقيقة‌ توجه ابي العلاء المعري مثلاً يصف الحمرة المشرقية الحمرة في السماء التي تصاحب الشفق،‌ والرواة يقولون بأنها لم تكن موجودة في السماء قبل قتل الحسين فهو يقول في هذا ابو العلاء: 

وعلى الافق من دماء الشهيدين

عليً ونجله شاهدان

فهما في اوائل الليل فجران

وفي امسياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجئ الحشر

مستعدياً الى الرحمن

هذا يستدل او بحالة اخرى ماهي الحالة الاخرى ‌ابيات في اهل البيت له هذان البيتان يقول:

لقد عجبوا آل البيت لما اتاهم

علمهم في جلد جفر

ومرآة المنجم وهي صغرى

تريه كل عامرة وقفر

طبعاً ماذا بقصد من هذا ابوالعلاء المعري يشير بذلك الى كلمة وردت للامام الصادق(ع) قال عندنا علم خاص عندنا مثلاً مصحف جدتي فاطمة وهي صفحات دونتها الزهراء(ع) كانت تسمع الاخبار من ابيها رسول الله دونت ذلك، الامام يقول عندنا قميص جدتي فاطمة وعندنا مصحف جدتي فاطمة وعندنا الجفر، ما معني الجفر الجفر علم خاص يختص بأهل البيت يعني كنوز، اسرار خاصة مدونه اما لماذا سميت بالجفر، ‌هو في الواقع جلد الغزال قديماً بما انه يخشى على‌القراطيس من التلف نتيجة مرور فترات طويلة من الزمن فتكتب القضايا المهمة، الاتفاقيات او الاسرار او النقاط الحساسة الغالية الثمينة تدون في جلد الجفر، جلد الغزال لذلك يقول ابو العلاء المعري:

لقد عجبوا لآل البيت لما اتاهم

علمهم في جلد جفر

ومرآة المنجم وهي صغرى

تربه كل عامرة وقفر

وله هذان البيتان يخاطب بهما البشر في تطاولهم:

افزعتم السابح في لجه

وطردتم في الجو ذات الجناح

هذا وانتم عرضة للفناء

فكيف لو خلدتم يا وقاح

وقلت له المقاطع الكثيرة في الادبيات من الشعر له مثلاً يخاطب قوت الانسان:

ياقوت ما انت ياقوت ولا ذهب

فكيف تعجز اقواماً مساكينا

واحسب الناس لوأدوا زكاتهم

لما رأيت بني الاعدام شاكينا

فعن غريب قد ترى‌ الباكين قد ضحكوا

والضاحكون لفرط الجهل باكينا

وهذه القصيدة المعروفة المليئة بالحكمة الجميلة: 

غير مجد في ملتي واعتقادي

نوح باك ولا ترنم شاد

وشبيه صوت النعي اذا قيس

بصوت البشير في كل وادي

ابكت تكلم الحمامة ام غنت

على متن غصنك المياد

صاح هذه قبورنا تملأ الرحب

فاين القبور من عهد عاد

خفف الوطئ ما اظن اديم

الارض الا من هذه الاجساد

ودفين على بقايا دفين

من قديم الازمان والآباد

تعب كلها الحياة فما اعجب

الا من راغب بأزدياد

خلق الناس للبقاء فظنت

ان امة يحسبونهم للنفاد

انما ينقلون من دار اعمال

الى ‌دار شقوة او سعاد

طبعاً قبر ابي العلاء المعري مشهور ومعروف في معرة النعمان وهي قرية بسوريا حيث دفن هناك وطبعاً ‌قبره هو مسكنه يعني نفس بيته كان اوصى بأن يدفن في بيته رحمه الله شاعراً ورحمه الله راثياً لاهل البيت ورحمه الله كاتباً وحكيماً ومؤدباً ومثقفاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******