وتنشأ الموانع إمّا من أمورٍ خارجيةٍ عن طريق الحواسّ الظاهرية، وإمّا من أمورٍ باطنيةٍ عمدتها عقبتان رئيستان، هما الخيال وحبّ الدنيا.
ونعني بالموانع الناشئة من أمورٍ خارجيةٍ كلّ ما يرد إلى ذهن الإنسان عن طريق الحواسّ الظاهرية كأن يسمع أو يرى في حال العبادة شيئاً فيتعلّق ذهنه به، فينشغل به خياله ويتشتّت خاطره فيذهل كلّياً عن عبادته، فإنْ كان قائماً في الصلاة مثلاً، فلا يلتفت إلّا وقد ختمها مسلّماً دون أن يعي ممّا قاله فيها حرفاً واحداً!
أمّا بالنسبة للموانع الناشئة من عوامل باطنيةٍ فهما قوّة الخيال لدى الإنسان وحبّ الدنيا المتمكّن من قلبه:
1- الخيال:
قوّة الخيال أو المتخيّلة، وهي قوّة موجودةٌ لدى كلّ إنسان بشكلٍ طبيعيٍّ ولها فوائدها العظمى بالنسبة إليه، فمن دونها مثلاً لا يتمكّن الإنسان من الذهاب إلى مكانٍ ما لأنّه لا يمتلك القدرة على تخيّل وتصوّر الطريق إليه. ولكن المشكلة تقع عندما يعمل الخيال في غير مكانه ووقته المناسبين وهو ما يحدث تلقائياً وبشكلٍ دائمٍ، لأنّه وكما يُقال إن طائر الخيال بطبيعته فرّار.
وكون الخيال مولّداً دائماً للخيالات والصور هو أمرٌ لا يُبتلى به أهل الدنيا فقط، بل حتى أولئك الذين تعلّقت قلوبهم بالآخرة، فهم لا ينجون من هذه المصيبة الناشئة من طبيعة وخصائص قوّة الخيال.
والذي ينجو من هذه المصيبة هو ذلك الذي يروّض هذه القوّة إذ أنها قوّةٌ قابلةٌ للترويض ويُمكن لصاحبها السيطرة عليها بمجاهدةٍ خاصّةٍ.
2- حبّ الدنيا:
المانع الثاني هو تعلّق القلب بالحيثيّات الدنيوية وحبّه للدنيا الذي هو رأس الخطايا والأمراض الباطنية، وهو شوك طريق أهل السلوك ومنبع المصيبات. وما دام القلب متعلّقاً، ومنغمساً في حبّ الدنيا فالطريق لإصلاح القلوب مسدود والسبب في ذلك أنّ القلب يتوجّه إلى محبوبه بمقدار تمكّن حبّه منه: فإنْ كانت الدنيا هي محبوبته وقد استحوذت عليه فإنّها تأخذ بشغافه وعنايته في كافّة حالاته وهنيهاته، وتُشغله بفتنتها في كلّ أوانٍ، فينصرف عن كلّ ما سواها بما في ذلك العبادة والحضور في الصلاة موعد الثناء على ربّ العزّة المتعال. وهذا الإنسان ليس له من العبادة والعبودية نصيب.
وإن كان حبّ الدنيا قد خالط قلبه ولكنّه لم يستحوذ عليه بالكلّية فإنّه قد ينشغل عن محبوبته بأمورٍ أخرى ولكن ما أن يزول الانشغال فإنّه يطير إليها على عجلٍ، وفي أغلب الأحيان يكون وقت الصلاة بالنسبة لهذا الإنسان موعداً ليلتقي محبوبته الدنيا حيث يترك سائر انشغالاته وينصرف إليها، فلا يجني من صلاته غير الخسران لأن: "إِنَّمَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ أَوْهَمَهَا كُلَّهَا أَوْ غَفَلَ عَنْ أَدَائِهَا لُفَّتْ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا"[1].
أمّا أولئك الذين تذوّقت قلوبهم لذّة حبّ المحبوب المطلق، والذين يرون جمال محبوبهم عزّ وجلّ في كلّ شيء فإنّهم ينتظرون موعد لقائهم به ويأتون بالصلاة بآدابها وتحضر قلوبهم فيها بلا كلفةٍ لأنّها لا تروم سواه.
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص363.
المصدر: موقع شبكة المعارف الإسلامية