البث المباشر

التشوية الاستشراقي للتراث العربي

الخميس 31 يناير 2019 - 17:41 بتوقيت طهران

الحلقة 173

لا ريب ان حركة التغريب والغزو الفكري الغربي قد اعتمدت على الاعمال المشئومة للمستشرقين والمبشرين وتلامذتهم الخاضعين لمناهجهم والمنفذين لاهدافهم، وقد كان في طليعة هؤلاء المنسلخين عن هويتهم الاصيلة طه حسين وزكي مبارك وعبدالرحمن شكري وامين الخولي والمازني وغيرهم من الكتاب والادباء، وكان جهود المستشرق اليهودي الدين الانجليزي الاصل مارجليوس ذات اثر في التشكيك في صحة الادب الجاهلي وردد طه حسين افتراءات استاذه واذاعها بين الناس دونما استناد الى دليل او برهان بل ان الدليل والبرهان مما يفند زعم هذا الكاتب ويكذبه، ومن اولئك المستشرقين المعادين للاسلام والقرآن كارل بروكلمن في كتابه تاريخ الادب العربي اذ انكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وانكر القرآن ويزعم ان القرآن قد تأثر بالمبشرين في جنوب الجزيرة العربية ولم يذكر لزعمه هذا دليلاً لانه لا يوجد اي دليل، وقد استمع طه حسين واضرابه الذين تلقوا دروسهم في جامعات الغرب الى مثل هذه الاكاذيب وصدقوا وراحوا يرددونها في مناسبة وغير مناسبة امعاناً في التبعية والخضوع.
كتاب هاملتون جيب عن الادب العربي الذي صدر عام ۱۹٦۳ يمكن ان يكون نموذجاً لكل ماردده المستشرقون الذين اشتغلوا بدراسة الادب العربي، في هذا الكتاب يقسم جيب العصور تقسيماً جديداً وهو لا يصف عصر ما قبل الاسلام بمثل ما يصفه المسلمون بأنه العصر الجاهلي لكنه يصفه بأنه العصر البطولي وذلك جرياً وراء النظرية المكذوبة في القول بأن العرب كانوا قد استعدوا للنهضة قبل مجيء الاسلام ولم يكن عمل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الا ان قادهم الى النهضة، وقد اشار جيب الى ان المستشرقين وفي مقدمتهم نيكلسون رفضوا مصطلح العصر الجاهلي وهذا الرفض مبني على انكارهم فكرة الجاهلية الضالة عابدة الوثن والصنم والتي قامت على قتل المؤودة وعلى الظلم والشرك، اما عصر الاسلام فيطلق عليه عبارة عصر التوسع ارتباطاً بذكرته عن بطولة الجاهلية.
ومن الافكار الاستشراقية الصليبية واليهودية الخبيثة التي قال بها جيب انه يعتبر القرآن من كلام البشر وهذه النقطة يشترك فيها بروكلمن ونيلكسون وغيرهما، والمستشرقون لا يقبلون ولا يريدون لاتباعهم ان يقبلوا الحقيقة الاسلامية التي تقوم على اساس ان القرآن وحي من عند الله عز وجل وغير هذا وذاك فأن جيب يركز على اثر الثقافة اليونانية في الادب العربي ويرجع اليها كل ما في الادب العربي من تقدم ويرى ان النثر العربي فارسي الاصل ويعتبر الفلسفة الاسلامية فلسفة يونانية ‌في المصدر متابعاً في هذا اراء رينان وغيره، والى هذه المؤثرات يستند جيب في تقدير الخطوة الكبرى التي خطاها الشعر العربي في عصره الذهبي وهذا العصر ما هو إلاعصر ابي نواس وبشار وغيرهما ممن اولاهم طه حسين عناية تامة وهو يركز على المأمون واثره في ترجمة الفلسفات اليونانية والفارسية ويقف وقفة خاصة عند ابي نواس وبشار وهو اهتمام جميع المستشرقين، وعني جيب بالمعتزلة وشرحها شرحاً مستفيضاً بأعتبار ان الاعتزال مصدره يوناني تماماً كما اشاد بتلاميذ الثقافة اليونانية في كل ميدان وفي مقدمتهم ابن مسكويه، ومن اهتمامات المستشرق جيب ايضاً الاهتمام بالموشحات والسجع والمقامات وهي ليست من الادب العربي الاصيل وقد عمد الى تصوير العصر المملوكي بأنه عصر الانحطاط في حين هو عصر الموسوعات الحافل بدوائر المعارف الكبرى كما اهتم بالعناصر التي لا يعدها الباحثون المخلصون من اصول الادب العربي وهي الف ليلة وليلة وسيرة عنترة والسير الفولوكلورية كما تعمد جيب الاساءة الى العصر العثماني ورد كل عوامل الضعف والتخلف الى الخلافة الاسلامية والجامعة الاسلامية ورد النهضة كلها الى الحملة الفرنسية والارساليات التبشيرية وهذا كله زائف مضلل وليس صحيحاً على اطلاقه، وكما كاد يجمع هاملتون جيب في كتابه عن الادب العربي كل منطلقات الاستشراق التي عني بها طه حسين وزملاءه في كلية الاداب التي انشأت عام ۱۹۲٦ وما تزال هذه الخطوط في ايدي اتباع المتشرقين ودعاة التغريب ينمونها عاماً بعد عام ويحيونها متى صارت في حالة احتضار.
اهتم جيب ايضاً بالقصة وولادتها في الادب العربي فقد اعلن طه حسين في محلة الدنيا المصورة عام ۱۹۳۲ ان المستشرق جيب يرى ان الادب العربي الحديث مايزال ضعيفاً وناقصاً لان القصة لن تنشأ فيه وانه رهن بظهور القصة فأن لم تظهر فلا ادب عندنا ولا ادباء، هذا الرأي الغريب تصدى له زكي مبارك في مجلة المعرفة اذ قال ان الدكتور طه لن يسلم من الحرص على التعلق بما يكتبه المستشرقون فأعلن حرصه على تدوين ملاحظات مستر جيب، هذه الملاحظات التي صارت عند الدكتور طه قرآناً لا ينبغي العدول عنه في تقدير الادب الجديد.
ويعلن جيب اهتمامه بهذا الحدث ويتناول الموضوع غير واحد هيكل وعنان وغيرهما مرددين ما يريد المستشرقين قوله، يقول عنان استطعنا ان نقطع بأن المجتمع الاسلامي لا يمكن ان يبقى محصوراً في المباديء الاسلامية ان لم يمد كتاب القصص العربي بمادة واسعة وكأنما يطلب عنان في هذا انحلال المجتمع سريعاً حتى تخرج القصص الى الوجود ويردد جيب اقوال المعارض حين يقول ان القصة الغربية وما تتسم به من فتنة زائفة مبهرجة وبما فيها من مناقضة للأسس التقليدية التي تقوم عليها حياة الشرق فقد أدت الى إفساد الحياة الاجتماعية في مصر وتخريبها فلماذا اذن تضع الافعى في جيبها، ويقول زكي مبارك انه لا ينبغي مطلقاً ان نحرص على ظهور القصة في الادب الحديث لان ذلك الحرص نتائج مشئومة ايسرها ان تغلب على ادبنا صيغة الافتعال، والافتعال عدو الفطرة وهو شر مستطير في الادب والفنون.
ويتسائل من الذي ينتظر ظهور القصة؟ الجواب حاضر ينتظر هذه القصة‌ احد رجلين مستشرق يريد ان يزن الآداب العربية بميزان الآداب الغربية وشرقي مفتون بالتقليد يريد ان يسار الاجانب في كل شيء.
هذه اطراف من مؤامرة التغريب والغزو الثقافي الغربي التي تولى كبرها المستشرقون والمبشرون وعانهم عليها تلامذتهم الخاضعون لهم من ابناء المسلمين، ولنا بعد هذا لقاء نستكمل فيه الصورة والله سبحانه المستعان.

*******

 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة