في لقاءات قريبة ماضية استبان لنا يا اخي طرف من منزلة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فهو من بني هاشم كالقمر في السماء، وفي الحديث الصحيح قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني هاشم: «ان هذا اخي ووصي وخليفتي فيكم فأسمعوا له واطيعوا» ومن بني هاشم اخترق هذا التكليف والامر جدار القبيلة الى جدار الامة فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مخاطباً امته: «علي مني وانا منه ولا يؤدي عني الا انا او علي».
وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
وقال لعلي: «انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي»، الى غير هذا من الاحاديث التي تلقتها الامة وصححها علماء الحديث.
ان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) له مكانه الواضح الظاهر في منطقة المركز ثم في جميع مناطق الاتساع التي تنشأ نتيجة لحركة الرسالة، وهذا المكان تم تأمينه بوضع علامات تحذيرية حوله لكي يعلم كل من يريده بسوء ان الامر لن يكون سهلاً عندما يقف التابع والمتبوع امام الله تعالى يوم القيامة. ويكفي من علامات التحذير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) «انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»، ويكفي خطابه (صلى الله عليه وآله وسلم) امته قائلاً«اذكركم الله في اهل بيتي، اذكركم الله في اهل بيتي، اذكركم الله في اهل بيتي».
لاريب ان من مهام الانسان خلافة الله سبحانه وتعالى في الارض، وهذه المهمة في جوارها مادة للابتلاء وعلى امتداد التاريخ الانساني رفضت اقوام الانبياء والرسل وكان العمود الفقري للرفض انه من بين هذه الاقوام من كان يزعم انه الاجدر والاحق بقيادة المسيرة وهذا في حد ذاته خروج عن واجب الخلافة. وقد نتج عن هذا الزعم ان انحرفت قوافل الضلال وتاهت في اودية عبادة المادة بجميع اشكالها وظهر في الوجود الهة من الاصنام والاوثان والبشر، ومن ينظر بتدبر تحت اقدام هذه الالهه المتعددة يجد ان السبب الرئيس لوجودها هو رفض خليفة الله في الارض، واذا عدنا في الذاكرة الى الخلف لنلتقط مشهداً وحركة من اعماق الوجود لندلل به على ذلك فلنقف امام قصة آدم (عليه السلام) وموقف الشيطان الرجيم منه فآدم خليفة والشيطان خارج عن هذه الخلافة ولكل منهما منهاج له مقدمة وعليها نتيجة متميزة، والامة الخاتمة بين لها رسولها (صلى الله عليه وآله وسلم) المقاعد الاولى فيها ولا معنى للقول بأن التكليف اهمل مصالح العباد في تعيين الخليفة الذي يهدي الناس الى الله عزوجل، ويعبر بهم الحياة الدنيا بما يوافق الكمال الاخروي والحياة الدائمة الحقيقية، وكيف يهمل التكليف هذا وفي الاهمال الغاء لآدم وبرنامج آدم، وفي الالغاء ضياع للسعادة الحقيقية التي لا يصل اليها الانسان الا عندما يكون مؤمناً بالله وكافراً بالطاغوت وبضياع السعادة الحقيقية يفسد دين الانسان الفطري ولا تتوازن قواه الحسية الداخلية وعندما يفسد الدين الفطري يميل الانسان الى قوة من القوى ويتبعها ويؤدي هذا الميل الى طغيان تلك القوة ويعلو هبل بل الف هبل.
والانسان لن يخلقه الله تعالى ليكون كحصاة في الطريق تلهو بها كل قدم وآلوا على كل القبائل في كل عصر ان يستقبلوه في اي عمل شاءوا، ان التسليم لفقه الحصى الذي تلهو به كل قدم يعني ابطال معرفة الحسن والقبح وكيف يكون هذا وتكاليفه موجهه الى العباد من حيث انهم مختارون في الفعل والترك وان التكاليف مجعولة على وفق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم اولاً وهي متوجه الى العباد من حيث انهم مختارون للفعل والترك ثانياً.
والمكلفون انما يثابون او يعاقبون بما كسبت ايديهم من خير او شر اختياراً والقرآن الكريم اخبر بأن الكفار والمشركين سيعترفون يوم القيامة بأنهم انما اشركوا واقترفوا المعاصي بسؤ اختيارهم واغترارهم بالحياة الدنيا، ولا ريب ان فقه الحصى قد وضعوه علماء الشذوذ والترقيع ليخدموا سياسة الخداع، فمن ابواب هذا الفقه الجبري دخل الجلادون ليمارسوا اعمال الاستكبار الذي وكز اوتاده الشيطان وفقه الانسان الحصى والانسان الحجارة مهمته تبرير اعمال المنافقين والفساق والمشركين والكفار، وتحت سقف التبرير دخل علماء الحجارة من باب القضاء والقدر ومن هذا الباب قتلوا المقاومة والتصدي للشر عند اكثر الناس بحجة ان الله اجبر العباد على افعالهم او ان الانبياء والرسل (عليهم السلام) قد يريدون لذويهم ان يكونوا على المقاعد الاولى من اممهم ولكن الله يريد غير ذلك لان الناس سواسية كلهم لآدم وآدم من تراب، ولهذا يزعمون سبق القضاء وجاء الفراعنة والقياصرة. اجل كان هذا الباب من فقه الحجارة والحصى من اخطر الابواب على المسيرة البشرية، وكيف يجلس الفراعنة في دائرة الفحشاء والمنكر ثم يقال بعد هذا ان الله امر بذلك. ان البرنامج الذي يأمر بالفحشاء والمنكر قد حذر الله سبحانه وتعالى الجنس البشري منه وما قال اصحاب هذا البرنامج ما قالوا الا ليحتموا وراء جدار من الزينة ليغوا الناس ويجرونهم اليه.
اما القول الحق في هذه المسائل فهو ما روي عن الامام الصادق (عليه السلام) وقد قيل له: هل فوض الله الامر الى العباد.
فقال: ان الله اكرم من ان يفوض اليهم.
فقيل له: فأجبر العباد على افعالهم.
قال: الله اعدل من ان يجبر عبداً على فعل ثم يعذبه عليه.
لقد زين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ايدي المركز من الدائرة في قيادة امته من بعده واحاط امته علماً بأن اختبار الامة سيكون حول هذا المركز ونهى عن ايذاء المركز او حربهم وامر بالالتفاف حولهم، واختبار الناس بالناس سنة الهية جارية، قال تعالى في سورة الانعام: «وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ»، وفق هذا الاختبار يجري الثواب والعقاب كما قال عزوجل «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» والامة الخاتمة يا اخي يجري ايضاً عليها الاختبار وقد اخبر الرسول بما هو كائن ومن سيكون وترك امته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها حتى لا يكون للناس على الله حجة، فكيف ثم ابعاد اهل البيت (عليهم السلام) عن القيادة رغم ما احبط حولهم من مناقب وتبشير وتحذير؟ هذا ما نرجوا التعرف عليه مستقبلاً في اجواء الهواء الطلق.
*******