البث المباشر

النبي الخاتم(ص) ومستقبل الاسلام

الأربعاء 30 يناير 2019 - 11:34 بتوقيت طهران

الحلقة 151

في الطلاقة الهواء ونقاوته، مع الكلمة الصافية والمعنى الحر النزيه، كلنا في لقاءات سابقة‌ مع حديث الولاية الالهية الكبرى وصدرنا منها الى ولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو اولى من المؤمنين والمؤمنات بأنفسهم ومن ولاية نبي الله الخاتم الى ولاية امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي هو ولي كل مؤمن ومؤمنة بنص القرآن الكريم والحديث الشريف.
بعد حجة الوداع التي اعلن فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه تارك في امته الكتاب والعترة الطاهرة دليلين هاديين، عاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة هو ومن معه في هذا الحج حذر الامة من الاختلاف من بعده ومن قتل بعضهم بعضاً، وفي هذا الحج اخذ عنه الناس معالم دينهم، والنبي في طريقه من حجة الوداع كان على علم تام من ربه بما سيحدث لامته من بعده، كان يعلم ان في امته من سيستمتع كما استمتع الذين من قبلهم وسيخوض كالذي خاضوا وسيترتب على ذلك الحقد والخسران والبغي والافتراء وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم ان مقدمة هذا كله ستكون من دائرة قريش وليس من الدائرة الواسعة للامة، ومن هنا وجه رسول الله في حجة الوداع اشعاعات من الضوء على طريق الخير والهداية ليهرع الناس اليه فأوصى بالكتاب والعترة واعلن ان علياً منه وهو منه ولا يؤدي عنه الا هو او علي وهو اعلان مماثل لاعلان يوم سورة براءة حيث لا يؤديها عنه الا هو او علي، في العام التاسع الهجري وبعد ان سلط الضوء على طريق الهدى والخير القى ضوءاً ايضاً الجانب الآخر من اجل ان يحذر الناس من مقدمات الوقوع قبل الوقوع ثم بين كيفية النهوض بعد الوقوع وكان الذي اعلنه (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس ما رواه ابن مسعود ومعاذ انه قال: ان رحى الاسلام دائرة وان الكتاب والسلطان سيفترقان فدوروا مع الكتاب حيث دار وستكون عليكم ائمة ان اطعتموهم اضلوكم وان اعطيتموهم قتلوكم قالوا فكيف نصنع يا رسول الله؟
قال كونوا كأصحاب عيسى نصبوا على الخشب ونشروا بالمناشير موت في طاعة خير من حياة في معصية.
كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ينتظر الوقت المناسب الذي يعلن فيه ولاية‌ علي بن ابي طالب (عليه السلام) امام قريش ومن حولهم في المقام الاول لانهم خميرة الاختلاف وطلب الملك، وفي اثناء ذلك نزل قول الحق تبارك وتعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»، الآن يستدل على ان امراً قد نزل على النبي وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحاذر من تبليغه ويؤخره الى حين يناسبه ولو لا هذه المحاذرة والمخافة لن يحتج الى التهديد بقوله: «وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» بيد ان مخافة النبي هذه لم تكن مخافة على نفسه وكيف يخاف على نفسه وهو الذي بلغ عن ربه في اشد ظروف البغي والجاهلية، انما كان خوفه ان يتهموا الرسالة‌ اتهاماً يفسد مسيرتها في الناس مما يجر الى اختلافها واحترامها وقد علم من ربه ان هذا سيحدث، قال ابن كثير في البداية والنهاية لما تفرغ النبي من بيان المناسك ورجع الى المدينة خطب خطبة عظيمة الشأن في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة في غدير خم تحت شجرة هناك فبين فيها اشياء وذكر فضل علي بن ابي طالب وامانته وعدله وقربه اليه وازاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه وقد اعتنى بأمر حديث خم ابو جعفر الطبري فجمع فيه مجلدين واورد فيها طرقه والفاظه واورد الحافظ ابو القاسم ابن عساكر احاديث كثيرة في هذه الخطبة.
وعن حديث «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» قال احمد بن حنبل سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثون صحابياً شهدوا به لعلي عندما نزع ايام خلافته وصرح بتواتر هذا الحديث العديد من العلماء وقال ابن حجر، حديث من كنت مولاه كثير الطرق جداً وقد استوعبها ابن عقبة في مؤلف مفرد واكثر اساليبها صحيح وحسن وقال الالباني في كتاب السنة حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» حديث صحيح جاء من طريق جماعة من الصحابة.
واوقد الفخر الرازي عند تفسيره الآية «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ» ان الاية نزلت في فضل علي بن ابي طالب لما نزلت اخذ النبي يد علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
فلقيه عمر بن الخطاب فقال: هنيئاً لك يا بن ابي طالب اصبحت مولاي ومولا كل مؤمن ومؤمنة، وروى الواحدي في اسباب النزول عن ابي سعيد الحذري قال نزلت هذه الآية «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» في غدير خم في علي بن ابي طالب.
وغدير يقع على الطريق بين مكة والمدينة على بعد ثلاثة اميال من جحقة وثم حكمة بالغة لاختيار هذا المكان لاقامة الحجة على قريش ومن حولهم، فالمنطقة الصحراوية الا من بعض الشجر وقيل كان هناك غيطة الغدير مضاف اليها، ثم المكان معد لاستقبال من اراد الراحة من عناء سفر طويل، واختيار هذا المكان لا بلاغ حكم نازل من اجل ان يكون المكان فريداً لاعلان حكم فريد بمعنى لو اعلن الحكم في حجة الوداع مثلاً وسأل الناس بعد ربع قرن على سبيل المثال ماذا قال الرسول في حجة الوداع فيقولون قال كذا عن الحلق والتقصير وذبح الهدي ورمي الجمار واوصى بكذا وكذا، واما اذا كان المكان قد خصص لحكم واحد كغدير خم قالوا: ماذا؟
قال الرسول: يوم الغدير فلم تكن هاك الا اجابة واحدة عن سؤال محدد، وهذا هو ما فعله علي بن ابي طالب ايام خلافته فكان لا يقول الا ناشدت الله رجلاً سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم ما قال لما قام، ولقد وردت رواية تفيد ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ان اخذ البيعة لعلي كان يذكر كل من يدخل عليه خيمته او من يراه في منطقة الغدير عن جابر بن عبد الله قال كنا بالجحفة بغدير خم وسمى ناس كثير من جهية ومزينة وغفار فخرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خباء او فسطاط فأشار بيده ثلاثاً فأخذ بيد علي فقال «من مولاه فعلي مولاه» وعن البراء بن عازب ان عمر بن الخطاب لقي ابن ابي طالب بعد ذلك فقال له هنيئاً لك يا بن ابي طالب اصبحت وامسيت مولا كل مؤمن ومؤمنة.
اجل شهد الغدير اعلا الحكم وسمعته قريش ومن ناصرهم وانفرد المكان في هذا الحكم لتكون الحجة دامغة وشأر الله ان تتفق الامة على صحت هذا الحديث وشاء الله ان يشهد غدير خم ما اعلنه الرسول في مكة امام المساحة الواسعة للامة‌ مضافاً اليه ما اعلنه امام قريش الذين هم اوائل الناس في الخير والشر كما ورد في الحديث.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة